سفينة بَوْح – نخبوية الأغنية السودانية

سفينة بَوْح – نخبوية الأغنية السودانية
  • 23 ديسمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

هيثم الفضل

.

على المستوى الشخصي أرى أن الشعر الغنائي ضرب من الأدب فيه الكثير من الشروط و المواصفات الخاصة التي لا يجيدها إلى شعراء الأغنية ، و مهما بلغ الشاعر العادي من تمكن في الكتابة الشعرية و أمتلك نواصي شتى أدواتها فإنه في لحظة ما سيكون غير قادر على منافسة شعراء الأغنية في (كارهم) الذي خبروه و أعطاهم ربهم من الموهبة في ذاك المجال ما يخولهم أن يكونوا مختلفين و مبدعين في صناعة الأغنية القادرة على تحريك ضمير الأمة و بالتالي سرعة و إتساع رقعة تداولها فضلاً عن مكوثها الطويل الأمد في ذاكرة الناس ، و لأنني أعتقد أن القصيدة الغنائية يجب أن تتحلى بشروط أهمها غرابة المطلع وبساطة الفكرة و عادية المفردة و وضوح معالم موسيقاها و إيقاعها شعرياً بالقدر الذي يجعل من اليسير على الملحن أن يضعها في قالبها اللحني المناسب ، كما أرى بأن كل شعر يشوبه التعقيد في مجال الفكرة و المفردات و الخيال الشعري الجامح حد الغموض لا يصلح أن يُصنع منه أغنية ( خالدة ) ..

مع الإقرار بأن الأشعار المعقدة و الحداثية إن جاز التعبير قد صنع منها كثيراً من الملحنين أغنيات غير أنها بالتأكيد لم تنتشر إلا في أوساط الصفوة أو النخبة من الطبقات المثقفة ، أما جماهيرياً فبالتأكيد هي لم تلقى التجاوب الذي وجدته الأغنيات التي كتبها شعراء وصفهم النقاد و العامة بأنهم ( شعراء غنائيون ) ..

و الجدير بالذكر أن المحاولات الحداثية التني تبناها كثير من الملحنين و المغنين وعدد من المجموعات الغنائية لتلحين الكثير من الأشعار التي هي خارج مواصفات الشعر الغنائي ، و رغم نجاحها المبدئي في خلق تصور مقبول لحالة من المعالجة الموسيقية الراقية و المدروسة أكاديمياً ، إلا أنها في نهاية الأمرأمر أدت إلى وقوع تلك المعالجات في شرك التكرار و التشابه اللحني ، و ذلك سببه بالتأكيد عدم موافقة البنية الشكلية للقصيدة المعنية لمواصفات القصيدة الغنائية التي تم ذكرها آنفاً ، ففي رأيي الشخصي يؤدي التعقيد في الجمل الشعرية و المفردات المستخدمة و عدم  حدة و وضوح معالم الإيقاع الشعري ، و إنتفاء وجود المطلع ( المدهش ) الذي يعلق بالأذهان ، يقود الملحن إلى بذل أكثر مجهوداته  الفكرية في مجال تطويع النص مع اللحن المقترح ،

مما يقلل من إهتمامه بالزخم الموسيقي و التفاصيل الجمالية المصاحبة للعمل الأدائي ، و بالتالي يبدو في كثير من الأحيان أن مجموعة كبيرة من المغنين و المجموعات الغنائية التي تبنت خطاً غنائياً إرتبط إرتبط وثيقاً بالشعر الجاد أو المعقد أو المخصص للنخبة كانوا مجرد (واجهات دعائية) لشعراء تلك الأغنيات ، فمعظم ما ألتف حولهم من جمهور و معجبين غاية إعتدادهم و إهتمامهم بأعمالهم الغنائية محصورة في جزالة الكلمات و غرابتها و بالتالي هم غير مكترثين بما أصاب تلك الأعمال من فقر موسيقي واضح سببه الإصرار على تلحين أشعار حسب رأيي الشخصي إنما أُنتجت لتقرأ أو تلقى في المنتديات ، فليس كل الشعر يصلح أن يُغنى و لو وجد ( القالب ) الموسيقي المناسب ، مقاييس نجاح العمل الغنائي النهائية تنحصر بالأساس في قدرته على التغلغل في وجدان عامة الناس بلا صفوية و لا نخبوية ، فضلاً عن مقدرته على التواجد طويل الأمد أو حتى الخلود .      

الوسوم هيثم-الفضل

التعليقات مغلقة.