كل الشعراء كانوا يحلمون بأن تلمس قصائدهم قلوب الملايين عبر صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وأن تُنحت ألحانها بأنامل الموسيقار العبقري محمد عبد الوهاب، وكان الشاعر السوداني الهادي آدم واحداً من هؤلاء المحظوظين، إذ تحققت أحلامه بأبهى صورة عندما اختارت “الكوكب” قصيدته “الغد” لتُغنيها، لتصبح “أغداً ألقاك” إحدى أروع ما غنّت في مسيرتها الفنية.
عندما زارت أم كلثوم الخرطوم أواخر الستينيات بعد النكسة عام 1967، في جولة لدعم المجهود الحربي، استقبلها السودانيون بحفاوة نادرة، وكعادتها أرادت أن تكرّم شعراء الدول العربية التي زارتها، فبدأت تبحث في دواوين الشعر السوداني.
وقع اختيارها على ديوان “كوخ الأشواق” للهادي آدم، الصادر في القاهرة عام 1966، وتحديداً على قصيدة “الغد”. لم تكن تعلم أن هذه القصيدة ستتحول إلى أيقونة تغزو القلوب من الخليج إلى المحيط.
كانت القصيدة في أصلها رومانسية، كتبها الهادي آدم دون الإشارة إلى مناسبتها، مؤمناً بأن الشعر يجب أن يكون مرآة لكل من يسمعه، لكن عندما قرر عبد الوهاب تلحينها، طلب تعديلات لتتناسب مع اللحن والأداء الأمثل. أُضيفت أبياتٌ وحُذفت أخرى حتى اكتملت التحفة التي نعرفها اليوم.
غُنِّيت الأغنية لأول مرة في المسرح القومي بأم درمان عام 1968، بألحان مستوحاة من الإيقاع السوداني، ثم عادت أم كلثوم لتُحييها في دار الأوبرا المصرية عام 1971، بعد أن تأجّل عرضها بسبب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر. كان اللقاء بين الشاعر والعملاقين (أم كلثوم وعبد الوهاب) حدثاً استثنائياً، نُظِّم عبر تنسيق مع وزارة التعليم السودانية، حيث سافر الهادي آدم إلى القاهرة ليكون شاهداً على ولادة تحفته الجديدة.
آمن الهادي آدم بأن الشعر يجب أن يظل حراً بلا قيود تفسيرية كي يعيش في وجدان كل سامع، لكنه اضطر لاحقاً إلى كسر هذه القاعدة وشرح مناسبة “الغد” بسبب ما أحاطها من غموض وتضارب في الروايات، ومع ذلك ظلت الأغنية، مثل القصيدة الأصلية، شاهدة على قوة الكلمة حين تلتقي باللحن والصوت الأسطوري.
اليوم، بعد أكثر من نصف قرن، لا تزال “أغداً ألقاك” تُذكّرنا بأن الفن الحقيقي لا يعرف حدوداً، وأن الأحلام حين تلامس الإرادة والموهبة تتحول إلى تراثٍ خالد.
نقلا عن آكشن سبورت