احتفال النوبيين بعاشوراء

كان الناس يأتون المسجد ليلة عاشوراء .. وكانت مراسيمها مصحوبة بتناول العشاء .. ويعتقدون أن التوسع في الأكل في هذه الليلة واجب .. وفي أماكن كثيرة يتفقون على ثمن الذبيحة ، ثم يتقاسمون لحمها بينهم في أكوام متساوية .. وكنا ننتظر بفارغ الصبر صبيحة عاشوراء .. إذ يذهب أصحاب الولادات الجديدة بكابيدة ( قراصة ) من: السمن البلدي المعتبر.. ويتجمع خلق كثير على شاطئ النيل ..
ذات مرة كنا في انتظار كابيدة حلتنا على الشاطئ ؛ فتأخرت .. وسمعنا زغاريد الفرح في الحلة التي تلينا.. فأسرعت وصديقي أحمد حبو للحاق بكابيدتهم .. فإذا بهم قد قضوا عليها .. فعُدنا نسابق الريح تجاه حلتنا .. فإذا بهم يعلنون بزغاريدهم انتهاءهم أيضاً مما يحملون من الطعام ..
تذييل مهم :
تعليل كثير من تصرفات وعادات الناس يعتمد غالبا على الظن .. ولا يغني الظن كثيرا .. على سبيل المثال نجد أن الناس اختلفوا في تصرفاتهم في عاشوراء فبينما يحرص اليهود والنصارى بالصوم فيه شكراً لله .. وكان صيامه فرضا في الإسلام ثم نسخت فرضيته بصوم رمضان ؛ فخيَّر النبي صل الله عليه وسلم المسلمين في صومه ، نجد أن بعض الشيعة اتخذوا يوم عاشوراء مأتما وعويلا ؛ يعلنون فيه عن حزنهم وأسفهم بما يفعلونه من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي ؛ لأنه اليوم الذي استشهد فيه الحسين رضي الله عنه في كربلاء سنة 61 للهجرة ..
وفي مقابل هؤلاء تجد أقواما يتخذون من هذا اليوم عيدا وأحدثوا السرور فيه .. ويستحبون فيه الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة .. ورووا أنه من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته .. وأن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام .. ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام .. ولا أعرف أحداً من أئمة المسلمين يستحب هذه الأفعال ..
فلماذا أخذنا في منطقتنا بالقول الثاني ؟!! وفي هذه الحالة لا أرى أن عادات عاشوراء على الأقل لها أصل في النصرانية أو النوبية القديمة أو الفرعونية ..وقد تكون من تأثير الشيعة ، فالاحتفالات فيها مرتبطة بمقتل الحسين رضي الله عنه أكثر من ارتباطها بنجاة موسى عليه السلام .. وما زالت النساء يرددن ( أشورة فانه تود) وربما كانت مناحة ضيعنا غير هذه الجملة التي تفيد: عاشوراء ابن فاطمة..
إن عاداتنا وطقوسنا لا نجد لها فواصل من ثقافتنا.. فعقلنا الجماعي مرتبط بالنوبية والفرعونية والنصرانية والشيعة والإسلام السني .. وكثير منها بدأت تذوب بعد ذوباننا في الحضر ..