في خضمّ التحولات التي يشهدها السودان، ومع تصاعد التطلعات إلى إصلاح شامل لمؤسسات الدولة، يبرز التعليم العالي كأحد أعمدة النهضة المرتجاة، بل كقاطرة أساسية لأي مشروع وطني يستهدف البناء الجاد واستشراف المستقبل. وفي هذا السياق، جاء قرار رئيس الوزراء د. كامل إدريس باختيار البروفيسور أحمد مضوي موسى محمد وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي، قرارًا بالغ الحكمة، مستندًا إلى كفاءة متينة، وسيرة ناصعة، وخصال إنسانية وعلمية قلّ أن تجتمع في رجل.
من قرية “تورس” إلى قمة جامعة الخرطوم
———————————
▪️ينحدر البروفيسور أحمد مضوي من قرية تورس، الواقعة على بُعد ثلاثة كيلومترات من المحيريبا( منطقة الحلاوين ) بولاية الجزيرة، وهي بيئة زراعية ريفية أنجبت العديد من المبدعين، ولكن قليل منهم ارتقوا في مدارج العلم كما فعل البروفيسور مضوي، الذي أضاء بنبوغه قاعات الدرس منذ باكورة أيامه. تفتّحت عيناه على حب العلم واحتفى به معلموه وزملاؤه حين بزّ أقرانه في مراحل التعليم العام كافة، حتى بلغ قمة التفوّق بجدارة حين نال المركز الأول عند تخرجه من كلية الطب بجامعة الخرطوم، وهي شهادة علمية تُعد وسامًا لا يُنال إلا بالكفاءة والجد والمثابرة.
▪️ولم يكن تفوّقه الأكاديمي محض صدفة أو ضربًا من الحظ، بل كان نتاجًا لخلق رفيع، وعقلية علمية ناهضة، وعزيمة لا تلين. فسرعان ما التحق بهيئة التدريس بجامعة الخرطوم معيدًا، ثم نُقل إلى رحاب الدراسات العليا، حيث واصل مسيرته في البحث العلمي والتخصص، حتى بلغ رتبة الأستاذية، ونُصِّب لاحقًا نائبًا لمدير أعرق جامعات البلاد.
الطبيب الإنسان.. والبيت المفتوح للناس
——————————–
▪️لكن ما يجعل هذا الرجل استثناءً بحق، ليس فقط ما أحرزه من ألقاب علمية أو مناصب أكاديمية مرموقة، بل ما وقر في سلوكه من تواضع جم، وإنسانية شاملة، ووفاء نادر لأهله ومجتمعه. فلم ينقطع البروفيسور عن مسقط رأسه، ولا عن أهله البسطاء الذين عايشهم في طفولته، بل ظل بيته مفتوحًا لكل من داهمه المرض أو اشتدت عليه الشكوى، وكان لا يتوانى عن مدّ يد العون، سواء بالتشخيص والعلاج أو بالسعي الحثيث لدى زملائه الأطباء لاختيار أفضل المسارات العلاجية – وغالبًا ما يتم ذلك مجانًا، عرفانًا بمكانته ومحبة له.
▪️ولعل من أعجب ما يُروى عنه، إصراره العجيب على متابعة أحوال مرضاه شخصيًا، حتى بعد إدخالهم للمستشفيات، رغم المهام الجسام التي يتولاها، وهي سِمَة لا تتوافر إلا في رجلٍ يختلط فيه الحس الإنساني بالضمير المهني، فيصبح الطبيب أخًا والمستشار نصيرًا.
بين التواضع والعلم.. ثنائية القيادة
———————————-
▪️شخصية البروفيسور مضوي تجمع بين رصانة العالم، وبساطة الإنسان، وهدوء القائد. وقد لا يُعرف عند العامة ببروفيسور إلا متأخرًا، فهو يتعامل مع الجميع دون تكبّر أو استعلاء، حتى إن من خالطه لسنين قد لا يعرف شيئًا عن مناصبه، لأنه ببساطة، لا يتحدث عن نفسه ولا يتشدق بألقابه. وهذه ميزة نادرة في زمن الاستعراض والنجومية، لكنها أحد أسرار القبول الرباني والاجتماعي الذي يحفّه أينما حلّ.
الاختيار الصائب لكامل إدريس
———–‐——————-
▪️لذلك، فإن قرار رئيس الوزراء د. كامل إدريس بتكليف البروفيسور أحمد مضوي بقيادة وزارة التعليم العالي، لم يكن قرارًا إداريًا اعتياديًا، بل هو بيان واضح أن زمن المحاصصة قد ولّى، وأن السودان الجديد يُبنى على أسس الكفاءة، والاستحقاق، والنزاهة. فالرجل، إلى جانب سيرته الأكاديمية، يحمل في جعبته إرثًا من الاهتمام بقضايا التعليم وتجويده، وله بحوث معتبرة في هذا المجال، كما أنه يدرك التحديات الكبرى التي تعترض التعليم العالي في السودان، سواء من حيث البنية التحتية، أو هجرة الكفاءات، أو تدني التمويل، أو غياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة.
نحو إصلاح حقيقي في مؤسسات التعليم العالي
——————————–
▪️ وجود شخصية مثل البروفيسور مضوي على رأس هذه الوزارة، يمثل بارقة أمل لكافة المهتمين بقضايا الإصلاح والنهضة العلمية. فهو ابن المؤسسة، وخبير بتفاصيلها، ويمتلك القدرة على طرح سياسات واضحة لإعادة الاعتبار للجامعات، وربطها بحاجات المجتمع، وتعزيز البحث العلمي، ومراجعة جودة المناهج، وضمان استقلالية القرار الأكاديمي.
▪️ثم إنه ليس غريبًا على المحيط الإقليمي والدولي، وله من السمعة والمكانة ما يُتيح له فتح آفاق التعاون الأكاديمي مع مؤسسات عالمية مرموقة، وهو ما تحتاجه بلادنا لتستعيد دورها الرائد في القارة.
▪️البروفيسور أحمد مضوي موسى هو النموذج الذي نرجوه في كل مؤسساتنا: عالمٌ نابه، وقائدٌ متواضع، وخادمٌ لأهله ووطنه بصدق. وتعيينه وزيرًا للتعليم العالي ليس تكريمًا لشخصه فقط، بل تكريمٌ لكل القرى السودانية التي أنجبت مثل هذا النبوغ، ولكل القيم السودانية الأصيلة التي تتجلى في الوفاء، والخلق، والعلم، والعمل.
▪️فليكن هذا التعيين بدايةً لعهد جديد من البناء والإصلاح، حيث يتولى أهل الكفاءة الراية، ويعود السودان كما كان منارةً للعلم والمعرفة في أفريقيا والعالم العربي.