تطواف مع الكابلي

تطواف مع الكابلي
  • 17 فبراير 2020
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

مناسبات عديدة تلك التي أسعدتني بلقاء الكابلي القمة وفنه وثقافته وسموه. دعونا نتخير بعضها ونتحلق في سمواته نعانقها:

الخرطوم

حفلة نهارية يقدمها في فندق السودان الفخيم على ضفاف النيل السرمدي. أحرص على حضورها رفقة صديقي سعيد عبد الحليم. يتنقل الكابلي بجمهوره العريض من أغنية حالمة تسعد العشاق مثل حبيبة عمري إلى أخرى وطنية كآسيا وإفريقيا تلهب بالتصفيق أياديهم.
جل الجمهور من السودانيين بمشاركة أعزاء من دول شقيقة يتقدمهم طائفة من إخوتنا المصريين يلحون في كل فاصل على طلب أغنيته الجميلة:
سكر .. سكر
وينفض السامر والمساء ينشر غلالته وقد ارتوينا من فيض إبداعه الثر.

صنعاء

قدمت منقولا من تعز الجميلة إلى العاصمة اليمنية صنعاء بعد أن كان قد تم اختياري عضوا في لجنة ثلاثية لترتيب شؤون الزملاء في أول بعثة تعليمية سودانية معارة هناك.
قادتني الظروف السعيدة لأسكن في أول عهدي بالمدينة مع أعزاء سودانيين كرام كانوا يضطلعون بتدريب أبناء اليمن في مجال الجمارك. وصادف أن كانوا مولعين مثلي بفن الكابلي، وكنا نتحلق يوميا حول مسجل كبير يرسل الألحان شجيا، ومع عذابات الغربة كنا نتوقف كثيرا وبتأثر بالغ عند أغنيته المعبرة:

زمان الناس هداوة بال
وأنت زمانك الترحال

فنسافر عبرها للوطن العزيز بخيالنا الخصيب شوقا عارما وحبا يزداد على البعد سعة وعمقا، وهي التي ألفها ولحنها وأداها بصوته الشجي خلال اغترابه بالسعودية.

الرياض

كنت أعمل في الطابق الثالث في عمارة مجموعة الشرق الأوسط الصحافية في الرياض مدققا لغويا ومشاركا في التحرير والصنوف الصحافية الأخرى.
ذات مرة كنت بصدد النزول للزملاء في الطابق الثاني فإذا بالكابلي يأتي خارجا من المصعد ببهائه وأناقته وابتساماته فسارعت باحتضانه قائلا:
مرحبا بالتاكا والنيل وأزوم والقاش والبركل .. مرحبا بالوطن!
فقال بصوته الرخيم:
كتر خيرك
فقدته لمكتب رئيس التحرير وكان أديبا وكاتبا سعوديا مرموقا. وعرفتهما ببعض وخف إلينا زملاء سودانيون فتحدث الكابلي عن عناصر ومقومات الفن السوداني ومؤثراته زهاء ساعة بتمكن المحاضر ومقدرة الباحث ولباقة الأديب ما أدهشنا جميعا وجعل المسؤول يحتفي به ويكرمه.
عند انصرافه أحطنا به يتقدمنا زميلنا .. صديقه الصاوي صاحب كتاب: أنف السياسة الطويل، الذي شاركته في تحرير صفحة أسبوعية عن السودان في جريدتنا الاقتصادية إحدى أخوات جريدة الشرق الأوسط اللامعة، حيث قال الكابلي بروحه المفعمة بالإيثار:
نلتقي في السودان، ويسعدني تلبية طلباتكم إحياء حفلاتكم ومناسباتكم السعيدة والمادة ليست محل اعتبار بيننا، ولم نتركه إلا عند باب السيارة حبا له وتقديرا لإسهاماته وعرفانا بأدواره المميزة. وكنت ساعتها أردد وأنا ” أكاد لا أصدق ” لقانا السعيد:
حبك للناس خلاني أحبك تاني
فيك الإحساس نساني أعيش أحزاني

فرجينيا

خلال زيارتي للعاصمة الأمريكية واشنطن قبل أشهر ألحت في خاطري ضرورة زيارة الكابلي في غربته الاختيارية صحبة أبنائه البررة في فرجينيا المحاددة، وقد دفعني لذلك أكثر ما كنت أراه من إقبال السودانيين عليه في احتفاء بعد أن منحته السلطات الأمريكية الجنسية دون الحاجة لمسوغات بحسبانه شخصية لامعة وسفيرا للنوايا الحسنة.
وحينما ضمتني والأسرة جلسة غداء ومؤانسة لا تنسى بدعوة من الحبيبين المبدعين محمد عثمان وردي ومحمد عبد الله شريف في فرجينيا أبديت توقي للقاء الكابلي الذي كان يسكن غير بعيد، لكني صرفت النظر رغم دافعيتي العارمة تقديرا لظرفه الصحي، وكان في بالي أغانيه الطروبة ضنين الوعد لصديقنا صديق مدثر وخال فاطنة من التراث وجبل مرة التي أهداها لأبوعركي ويا زاهية التي ألفها ولحنها في مستهل مشواره وغناها أبوداوود الذي أضاف إليها ترنيمة زززز زاهية ، وغيرها من الشواهق.

السودان

فرحت فرحا طفوليا حين علمت بنية الكابلي الشامخ زيارة السودان وتابعت سفره واللقاء الموجز الذي أجرته معه الإعلامية الباهية رفيدة يس في دبي وهو في الطريق للوطن الذي يعشقه.
خلال ذلك اتصل بي الحبيب محمد عبد الله شريف مقترحا ضمي للجنة تكريمه لما يعرف عني من إعجاب به عميق غير أن الظروف كانت قد ساقتني بعيدا للقاهرة.
بالحرص كله تابعت حفل تكريمه بقيادة مؤسسة دال العملاقة داعمة غذاءي الجسم والروح وقدرت مشاركات قامات فنية سامية في أداء أغانيه الوطنية والعاطفية غير أنها لم تنقر قلبي فهيهات أن يبلغوا ذروة الكابلي وعمق أدائه وجمال نبرته ودفق حضوره ونشوة تطريبه، لكنهم بلغوا شاطئه، وهو الذي تفرد حتى في ترديد أغاني صفوة مجايليه مثل إبراهيم عوض والشفيع وحسن عطية الذي يصنفه بلقب أستاذه.
شدا الكابلي للوطن وأسهم في مشروعاته، منها على سبيل المثال تطوير معهد القرش الصناعي في علو نائيا بنفسه عن دهاليز ساس يسوس الشائكة، موظفا طاقته لفنه وأبحاثه في غور التراث.
إن الكابلي حديقة غناء وارفة الظلال، دانية الثمار فمرحبا بالأحضان الدكتور السفير الكابلي الفنان، الملحن، الشاعر، الباحث بين عشاقك الملايين على ضفاف النيلين يا قمر دورين.


صفحة أشواط العمر في فيس
القاهرة

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.