دعوة للشراكة مع الجيش في الديمقراطية القادمة

دعوة للشراكة مع الجيش في الديمقراطية القادمة
  • 30 مايو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

نحلم جميعا بعد انتصار ثورة ديسمبر بقيام نظام ديمقراطي مستدام ، ولكن التاريخ يذكرنا بان محاولاتنا السابقة لتحقيق هذا الحلم فشلت فشلا ذريعا . ما لم ندرس أسباب الفشل ونوفر لها حلولا الآن وفورا ، فإن مصير ثورة ديسمبر لن يكون احسن حالا من ثورتي أكتوبر وأبريل .

من الأسباب التي أدت إلى عدم استدامة النظام الديمقراطي نذكر ، هيمنة مجتمع غير حاضن للديمقراطية يمارس الثقافة الأبوية ، حروب أهلية متطاولة تحولت من قضايا حقيقية إلى business ، اقتصاد منهار غير قادر على توفير الحد الأدنى من الإنتاج الذي يوفر حياة كريمة للشعب ، وسط إقليمي لا يتبنى الديمقراطية و لا يدعمها ، كل هذه أسباب مؤثرة ، بيد ان الأسباب الرئيسية هما سببان لا غير ، الأحزاب السياسية التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا ترى في الانقلاب عليها خيانة وطنية ، والقوات المسلحة التي لا تحرك ساكنا البتة في مواجهة الانقلابات التي تحدث امام عينيها ، وكأنها انقلابات تقوض النظام الديمقراطي في جزر القمر وليس في السودان .

استدامة الديمقراطية تتطلب توفر شرطين أساسيين، أحزاب سياسية ديمقراطية غير انقلابية ، وقوات مسلحة حامية للنظام الديمقراطي وقادرة على صد اي مغامرة انقلابية في البلد . دور الأحزاب السياسية والجيش في ظل ثورة ديسمبر يجب أن يتطور إلى شراكة حقيقية لإرساء أسس جديدة لبناء الدولة الوطنية يكون هدفها الحقيقي استدامة النظام الديمقراطي بعد الفترة الانتقالية .

فوز حزب الأمة القومي بالانتخابات في الديمقراطيتين السابقتين وترشحه الاكيد للفوز بها بعد الفترة الانتقالية الحالية ، يجعل الأحزاب الصغيرة مليئة بالحنق والغضب ، وهو ما جعلها لا تتورع من الوصول إلى السلطة عبر الانقلاب في مايو ١٩٦٩ و يونيو ١٩٨٩ ، هذا اليأس المكلف يجب معالجته عبر مقاربة جديدة للحكم تلبي أشواق اليائسين من الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات ، زيادة مقاعد التمثيل النسبي في الحكم الديمقراطي يجب ان تناقش بطريقة أكثر جدية لإزالة هذا اليأس وإغلاق باب الانقلابات .

القوات المسلحة بعد انتصار الثورات تتسنم قيادة البلاد في الفترات الانتقالية ، ثم بعد الانتخابات يطلب منها العودة إلى ثكناتها وكأن دورها قد أنتهى ، هذه المشاعر السلبية تجعل الجيش غير متحمس للدفاع عن النظام الديمقراطي ، ضمان مشاركة وتمثيل الجيش بصفته الاعتبارية هو ضمانة لاستدامة الحكم الديمقراطي في المستقبل المنظور ، استحداث مجلس سيادي او رئاسي يشرك فيه الجيش بسلطات ينص عليها دستوريا سيكون علاجا شافية وكافيا .

بمعالجة مشاكل الأحزاب السياسية والجيش على النحو المذكور ، سيكون شكل الحكم القادم هو سلطة منتخبة تتمتع بالقدر الأعظم من السلطات التنفيذية وسلطة تمثيلية ذات سلطات محدودة تشارك في إدارة الحكم وحفظ توزانه من السقوط.

هذا الشكل المقترح للحكم سيقلل من ديمقراطية النظام الديمقراطي ويحوله إلى نظام شبه ديمقراطي ، لكنه سيضمن استمراره واستدامته ، سيوفر مناخا معتدلا لتدريج الثقافة الديمقراطية في المؤسسات والأحزاب السياسية والمجتمع والجيش ، حتى الوصول إلى مرحلة إكتمال الإيمان بالديمقراطية ، ووقتها سيكون مقبولا وموضوعيا إعادة الجيش لثكناته وإيقاف التمثيل غير الانتخابي في مؤسسات الحكم .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.