يطربني صوتها

يطربني صوتها
  • 08 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد ود قاسم


الترعة ممتلئة حتى حلقها ، تتخذ مجراها بين أشجار الطلح الشامخة ، وشجيرات الدهاسير التي ترسم حدود ضفتيها ، ماؤها يحمل طميا يمنح الحياة أسباب خصبها ، كل شقوق الأرض ارتوت ، والأراضي البور ازدهت خضرةً وكشفت عن وجهها للسائمة لتأتيها وترتع فوقها . ( البوقة )، وصوت الماء يتدفق فوق ( علب ) الكبري ، وخفير الري يلبس عمامة حمراء ، والنساء والرجال ، والشيب والشباب يخرجون صباحا مستبشرين بالقادم الجديد .

الخصب والنماء يتكرر كل عام عند هذا الموسم ، والجزيرة تحتضن ذاك الخير ، توزعه على أهلها الطيبين ، وتفيض على جيرانهم الأكثر طيبة . لست مضطرا للذهاب بعيدا لأجد الخضرة ، هي تحت سريرك وأنت تنام وسط الحوش الواسع الذي يضمك وأهلك وبقية خلق الله ، الدجاجة ، الفأر ، القط ، البقرة الحلوب ، النعجة الشقراء ، العنز الحبشاوية ، وحمارة هي أم الحمير ، وجمل ( شيل ) ترتفع قامته في انتظار الحصاد . كلنا نعيش هنا في حضن هذه الأرض المعطاء ، نمنح بعضنا بعضا أسباب الرفقة ، مؤكدين على استمرارية الحياة.


وهناك أمي أعدت العصيدة بملاح الويكاب ، وجارتها التي جهزّت الروب بالبصلة ، وخالتي التي تبقت لديها ( أم تكشو ) من ( خدرة ) الموسم الفائت ، وزوجة عمي وقد فاحت رائحة بصلتها المحمرة المعدة لملاح التقلية ، ويجتمع الجميع في الديوان الكبير ، فتتشكل سفرتنا بكل الخيرات ، فنأكل هنيئا مريئا ، ونشرب الماء ب ( كوز ) واحد ، ونتبادل أكواب الشاي ، وتختلط ( صوانينا )، و ( براريدنا )، و ( كباياتنا ) ، لكنّ أختي تميّز بين ( برادنا ) و ( براد ) خالتي ، و ( كبايتنا ) و ( كباية ) جارتنا ، و( صينيتنا ) و (صينية ) زوجة عمي ، فترد لكل واحدة منهن ما تاه من ( عدّتها ) .


والسمبرية المهاجرة احتمت بشجرة اللالوب الواقفة أمام دارنا ، واتخذتها بيتا لها ، وشاركها النّزل ( الزرزور ) وبعض عصافير الجنة. وخرجت أصواتها متناغمة تعبر عن سعادة بالغيم الراحل ، والخضرة الممتدة. وفوق الماء المتدفق من الترعة الفرعية إلى وسط حواشة ( أول بيت) استقرت مجموعتان من طيور الجرول ، والرهو ، يقترب منهما الطائر الضخم ( حبيب بلّاع الدبيب ) .. وحمير الفلاحين تنهق من بعيد معلنة عودة الفلاحين من ( الضحوة ) ، وأمام القرية هناك صبية يلهون ويلعبون ، لا يبالون بالطين وبرك الماء ، والجراد الذي يتطاير أمامهم ، هم يتمرغون فوق العشب ، يمارسون لعبة يسمونها ( كنيش ) ، ويرددون الأهازيج :
كنيش ،، كنيش
بلاد أبوي خدّرت
وجابت العيش


السمبرية أم قدوم
عيش أبوي بقوم بتين
بقوم باكر
مع العساكر


ابرق يا مطر
وارعد
من بلاد أبوي ما تبعد


و ( الضهرية ) أيضا وقت للعمل ، ( جراية ) ، كورة تيراب ، مخلاية بذرة ، ملود ، طورية ، كدنكة ، كوريق ، واسوق ، محفار ، لبقة ، جدول ، أبوستة ، تقنت ، سرابة ، دفرة ، تبر ، بودة ، ريحان ، سعد ، والعيش مراحل ، منها ( شوكة ، أضان فار ، سوسيو ، فرّوج ، جداد ، صقّار ، حملة ، لتيب ، شراية ، لبنة ، فريك ) ثم الحصاد ، ( قطع ، لم ، دق ، مضراية ، مدقاق ) فجوالات فمطامير ، ومخازن ، وسوق، ثم فرح وعرس .


والقطن سدّ السرابة ، والرقاعة ، والشلخ ، والنوّار ، والدردم ، واللقطة ، واللوز ، والكركعوب ، والقلع واللم ، والحريق … والفول طاعن ، والكديب ، والنوّار ، والنجاض ، والقلع ، واللم ، والدق ، والمضراية ،، والجوالات واللواري ، والسوق .
والبامبي ، والبامية ، والخدرة ، والبصل الأخضر ، والفجل ، والجرجير ، والطماطم ، والورق ، واللوبيا ، والشمار ، والكسبرة .


وباخضرار الزرع ، يكبر الضرع ، فيكون اللبن ، والجمادة ( القشطة ) والرايب ، والروب ، والغباشة ، والفرصة ( الزبدة ) والسمن ، والمطّالة ، ويكون اللحم طاعما ، و(الربيت )وفيرا ، و( الودك ) أبيض يسد شقوق الأرجل . وتتوفر الجلود لتمنحنا ( سعن الموية ) و( سعن الروب ) والقربة ..
والطواحين تعمل ليل نهار ، والقطر يحمل القطن إلى محلجه، وأسواقنا مملوء ، مملوءة خيرا وبركة .

وأحنّ للعودة …

الوسوم محمد-ود-قاسم

التعليقات مغلقة.