العلمانيون ينفخون الروح في الزواحف

العلمانيون ينفخون الروح في الزواحف
  • 10 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

مسيرات الزواحف ستتمدد اذا استمرت موجة سيطرة الأحمر العلماني على مفاصل الحكومة الانتقالية وفكر حاضنتها السياسية . ماذا كان ينتظر تجمع المهنيين السودانيين وهو يعلن على الملأ بانه مع العلمانية ؟! من كان يخاطب هذا التجمع المختطف ؟ هل كان يخاطب الشعب السوداني الذي تبلغ نسبة الأمية فيه ٥٠% في النساء و٣٠% في الرجال؟! هل كان يخاطب الشعب السوداني الذي يقع أكثر من ٨٠% منه تحت خط الفقر ؟! هل كان يخاطب أطفال السودان الذين يعاني ٣٠% منهم من سوء التغذية ؟! ام كان يخاطب طلاب المدارس الذين لا يجد ٦٠٠ الف طالب منهم وجبة الفطور في ولاية الخرطوم فقط ؟!

هؤلاء البائسين الباحثين عن إقصاء دين الأغلبية من خلال ربط الدين الإسلامي بنظام المخلوع ، عليهم ان يعلموا ان الكيزان لا يمثلون الإسلام ، والشعب السوداني لم يثر على الكيزان لدينهم وإنما لفسادهم وظلمهم واستغلالهم الدين لأغراض سياسية، لذلك لا داعي ( للخبطة الكيمان ) ، من ثار من اجل العلمانية كان عليه ابتداءا ان يرفع شعارها في أيام الثورة ، حتى اذا انتصر بها صدقناه ، ولكن ان يخدع البسطاء بشعارات السلام والعدالة والحرية ثم في اول منعطف يقلب لهم ظهر المجن ويعلن عن شعاراته الذاتية ، فهذا يسمى سلوك انتهازي جبان ، يؤكد حقيقة ان بعض الأغبياء لا يتعلمون من دروس التاريخ ، لا يقرأون الواقع ، لا ينظرون الا تحت ارنبة انوفهم، ولا يفهمون من مدلول الثقافات ومنطوق المجتمعات الا ما تتقيح به دواخلهم المليئة بالقازورات .

لم تقم الثورة لأن الشعب السوداني يعاني من إذلال ديني، بل عاني الشعب السوداني من إذلال سياسي وعوز اقتصادي وقهر وظلم . الدين لم يكن يوما مشكلة السودان ، الجنوب طيلة حروبه مع الشمال لم يطالب بالعلمانية ، فهو كان يتكيء على الأديان في المجتمع الجنوبي الكنيسة والكجور وغيرها كمصادر قوة لا مصادر ضعف .

مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية في عام ١٩٩٥ بمشاركة الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق واحزاب الامة والاتحادي والشيوعي والتحالف والبجا لم يتم الحديث عن العلمانية بل تم النص على (يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة ) (تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه او اي فعل او اجراء يحرض على اثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في اي مكان او موقع في السودان. ) ، وهي نصوص كافية جدا ليتمتع كل عرق وكل ديانه وكل ثقافة في السودان بالاستقلالية والحرية ، وهي ذات النصوص التي تقرها الدولة المدنية التي تطالب بها أكثرية الأحزاب السياسية الوطنية لا الشمولية .

الحركة الشعبية في اتفاقية السلام مع الإنقاذ ٢٠٠٥ لم تجعل العلمانية شرطا ، ولم تجعل تقرير المصير مقابلا لتطبيق العلمانية في عموم السودان ، فلماذا يشعرك البعض بأن الدين الإسلامي الذي يدين به قرابه ٩٥% من الشعب السوداني هو سبب المشاكل وأساسها ومصدر البلاوي ؟!! من أين جاءوا بهذه الفرية !!

دارفور جميعها مسلمين فمن أين جاء التمييز الديني عليهم حتى يطالب عبدالواحد محمد نور بالعلمانية !! النوبة في جنوب كردفان معظمهم مسلمين فمن أين أتى الحلو بالعلمانية ان لم يكن هو سلوك استعلائي تريد أن تفرضه الحركة الشعبية-جناح الحلو من أجل الوصول إلى هدف ذاتي بحت وهو الانفصال . كان الأكرم للحلو ان يعلن عن حركة انفصالية بصريح العبارة ويطالب بتقرير المصير لجنوب كردفان بدل أن يزج بالمسلمين من شعب جبال النوبة وجنوب كردفان في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل !

اليساريون السودانيون لا يؤمنون بالعلمانية من أجل سواد عيونها ، وإنما يتخذونها مطية لهزيمة منافسيهم السياسيين من الأحزاب التي لها جذور تاريخية من التحالفات ذات الطابع الديني ، وأقصد بالطبع تحالف الأنصار مع حزب الأمة القومي ، وتحالف الختمية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهي تحالفات جماهيرية طبيعية اوجدتها طبيعة المجتمع السوداني ، تحالفات تشبه اخلاق وطباع السودانيين ، تحالفات منضبطة بالقانون ، مسالمة، متسامحه ، لا تلعب في الظلام ولا تستخدم الانقلاب على الديمقراطيات وسيلة للتمكين كما فعل اليسار في ١٩٦٩ ، ولا تستخدم الدين في قهر الآخرين كما فعل اليمين في ١٩٨٩ ، فلماذا يصرخ اليسار من مقارعتها في صندوق الانتخابات ويسعى عبر الانقلابات والالاعيب لإقصائها؟!

الثورة الراهنة كانت ضد حكومة اسلاموية وهي فرصة يريد ان يغتنمها اليسار لصناعة القطيعة بين المجتمع ودينه ولذلك استخدم حركة الحلو كمخلب قط واختطف تجمع المهنيين ليعلن من خلاله دعم العلمانية، ليخدع بها البسطاء من الشباب والجماهير ، وربما سيقود مخططهم إلى انقلاب مشابه لما فعلوه في مايو ١٩٦٩ وإعلان جمهورية علمانية في السودان على غرار ما فعل كمال أتاتورك في تركيا ، وهو امر لم يعد مستبعدا وخيوط مؤامرته تتكشف يوما بعد يوم .

لم نعد نخشى على الثورة من الكيزان ، فهؤلاء قد اسقطهم الشعب و لم تعد لديهم الجراءة ولا القوة الأخلاقية والسياسية التي تجعلهم يتصدرون لقيادة الشعب مرة اخرى ، ولكننا نخشى عليها من أصحاب الأجندة الرخيصة، متسلقي الثورات ، المتهافتين ، أصحاب الشعارات الفارغة والسلوك السياسي غير الأخلاقي، فهؤلاء هم آفة السياسة في بلادنا وأزمة بلادنا المزمنة التي تحتاج لعلاج شامل وكامل .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.