السودان… الثورة الى أين؟

السودان… الثورة الى أين؟
  • 10 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

إن مهمة حكومة الفترة الإنتقالية هي التوصل إلي سلام مع الحركات المسلحة في الستة شهور الأولي، ثم استكمال هياكل مؤسسات الحكومة الانتقالية بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي وحكومات الولايات، ووضع الدستور، واستكمال السجل الإنتخابي، والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة، وتهيئة الأجواء لعملية سياسية بقامة الثورة المجيدة.

عندما قرر شباب السودان الثائر إسقاط نظام الإنقاذ عازماً على التضحية بالنفس ثمناً لعتق الوطن وحريته، وهتف من البطون لإسقاط الظلم ورموزه لإحداث التغييرالمنشود، كان الشباب يتطلع إلى حكومة جديدة وقيادة مسؤولة تحدد معالم الطريق، وتبادر إلى إشراكهم في عملية التغيَير بسواعد شباب الثورة المقتنع بضرورة التغيَير وصولاً إلى الصورة الوردية للوطن، التي في أذهاننا جميعا.

ونحن ندرك تماماً أن ذلك لا يمكن أن يحدث بالأحلام، والتمني، ولكن بالمبادرة، والعمل على وضع إستراتيجية قوية يتوافق عليها ألثوار كإطار يتجاوب وتطلعات الشعب السوداني في النهوض والتقدم، وأن تقوم مكونات الثورة بكل فئاتها بتفصيل هذه الإستراتيجة وتحويلها إلى برامج عملية طموحة قابلة للتطبيق على الأرض تحقق طموحاتهم اللامحدودة بمجرد سقوط النظام البائد، لا أن نظل في المربع نفسه بعد مرور أكثر من أربعة عشرشهراً على سقوط النظام، كأن شيئاً لم يحدث، فقط نردد  هتافات لا تطبق وأفكاراص لا تنفذ على الأرض.

واجب القيادة القومية العمل الجاد في رد المظالم، أو على الأقل إظهار الجدية في هذا الملف، و إسكات صوت السلاح في كل أركان هذا الوطن، وتنظيم المجتمع في كميونات إنتاجية تشتمل على كل أنواع التخصصات (زراعة، وتجارة، وهندسة، وبيطرة، وإنتاج حيواني، وصناعات تحويلية …) بالتعاون مع الوزارات الاتحادية والولائية ذات الصلة، وأن يتم تقسيم كل السودان إلى مقطوعيات إنتاجية ليتحول الوطن كله إلى خلية نحل إنتاجية تعي مسؤولياتها في بلوغ الاكتفاء الذاتي في الغذاء، و امتصاص البطالة في طول البلاد وعرضها في أكبر عملية؛ لتحريك كل المجتمع وإشراكه في عملية الإنتاج.

ولنجعل الشعب السوداني يثق في نفسه وفي قدراته وثروات بلاده في صنع المعجزات ومعالجة ديون السودان وتعزيز قدرات تصدير الفائض خيراً لجيراننا وللعالم.

ماذا ننتظر وموارد السودان لا حد لها، وسواعد الشباب العاطل تلوًح في سموات السودان بقبضاتها القوية لا تعرف ماذا تفعل، بينما الخطاب الحكومي شائح بوجهه عنا إلى الخارج. لابد للحكومة أن تقوم بواجبها لإسكات السلاح وتأمين البلاد، واستغلال طاقات الشباب المتوثب بحماس الثورة بكتابة المشاريع التي يستطيعون تنفيذها أو يرغبون في القيام بها في شتى المجالات وتحديد جداوها وغيره، لتقوم الجهات الحكومية بتقديم المعينات الأولية لها (startup ) وفق ضوابط تمويل من البنوك تضمن استردادها في فترة زمنية محددة.

وللقيام بكل ذلك، على اللجان الوطنية  لتفكيك التمكين أن تسرع في مهمتها في تفكيك كل أنماط الظلم القبيحة في البلد؛ حتى نتفرغ من رمي فساد الإنقاذ والأنظمة السابقة منذ الاستقلال وحتى الآن في بئر الماضي السحيق، ومن ثم تتحول لجان المقاومة إلى لجان تنمية وترتيب البناء المجتمعي على توافقات عادلة.

فالإصلاح المطلوب والوطن الذي نحلم جميعا ببنائه يحتاج إلى العمل في محاور كثيرة جداً، ابتداءً من الإصلاح الإداري في دولاب العمل الحكومي، والهيكلة الإدارية، وفي تفويض الصلاحيات الإدارية لأعضاء الفريق الواحد لإنجاز العمل ،ثم اصلاح معيشة المجتمع من المدينة إلى الريف، وضرورة التأكد من سلامة المواقع  لقرى ومدن أهل السودان من حيث التضاريس وبعدها من مسايل المياه والسيول في موسم الخريف بما يجنبنا مخاطر السيول والغرق التي تدمر سنويا كثيرا من المدن والقرى.

نحتاج إلى تغيًير ثقافة الناس بتوطين الجدية والطموح في نفوسهم، بل في كل شيء. كما أنه من واجب الدولة أن تطوًر وسائل الإنتاج وإدخال التقنية لزيادة الإنتاج بوسائل قابلة للتطبيق لدى للمواطن  العادي. مع العمل على تغيًير سعية المواطن من الثروة الحيوانية بسلالات جيدة واقتصادية و التأكد من أن مواطنينا يقومون بتربية أفضل وأجود السلالات المتاحة وتحسين التقاوي والبذور المحسنة لمحاصيل عالية القيمة، والأعلاف الجيدة مع نقديم الخدمة الإرشادية الممتازة للمزارع، والاهتمام بشكل خاص بالبيئة الطبيعية، والحفاظ على الثروة الغابية؛ لأنها لنا ولأجيالنا القادمة فلابد من التعامل معها بمنتهى اليقظة والإيجابية، وذلك  ببناء المشاتل وإنتاج الشتول المتنوعة ونثر البذور في بداية موسم الأمطار لأشجارنا المحلية ومعالجة جرف التربة وصيانتها.

الاقتصاد لا يعني فقط مجرد وفرة النقد أو زيادة في السيولة أو التجارة في العملات، ولكن الاقتصاد الحقيقي هو تنمية الموارد المحلية والزيادة في الإنتاج، وزيادة الصادر بهدف تحقيق عائد يساهم في رفاهية المواطن وتوفير الضروريات، وتلك هي من اولويات الثورة التي لا تقبل الانتظار.

وهكذا نتيح لشبابنا فرصة أن يتوسعوا في معارفهم العلمية ومداركهم المعرفية على واقع التجارب العملياتية في الميدان؛ مما يضعهم على قمة المدارك وتوجيه المعارف على أساس التجارب العملية والخبرة الحقلية، هذا بجانب المكاسب المادية.

فما أكثر العمل الذي ينتظرنا، وما أقل ما قمنا به حتى الآن، ولم يعد الزمن في صالح أحد إلا لأعداء الثورة. وأن لشبابنا  أفكاراً  نيرة وخططاً طموحة جيدة لم يتم اختبارها على الأرض لمعرفة قيمتها وفائدتها. هكذا يمكننا في تقديري أن نتقدم إلى مصاف الشعوب التي تحدث طفرات في اقتصاديات بلادها وتجلب الرخاء والرفاهية لشعوبها. أما إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن دون التوجه لتفجير طاقات الشباب في العمل، والاستفادة من قدراتهم اللامحدودة، فإن هذا لايعني إلا إصرارنا للتضحية.

د. أحمد إسحق يعقوب – علوم سياسية

التعليقات مغلقة.