العنصرية ام العلمانية؟

العنصرية ام العلمانية؟
  • 28 يوليو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

أزمات الحكم في السودان ليست بسبب الدين، صحيح الحركة الإسلامية في وقت من الأوقات قاتلت في جنوب السودان باسم الدين، ولكنه كان مجرد مشروع سياسي انفرادي لا يمثل جماهير المسلمين ولا يمثل الشعب السوداني ، والدليل أن هذا المشروع الديني واجه معارضة ومواجهة من أكبر جماعتين دينيتين في السودان هما الأنصار والختمية، وصلت هذه المواجهة لدرجة الحرب العسكرية حين حارب الأنصار الإنقاذ بجيش الأمة للتحرير بينما حاربته الختمية بقوات الفتح، لذلك لا يمكن الحكم على تجربة الإسلاميين بأنها تجربة تمثل الشعب السوداني أو المسلمين من أبناء السودان.

هناك سببان رئيسان عرقلا تطور الدولة السودانية نحو دولة ديمقراطية موحدة ومستقرة أولهما الانقلابات وثانيهما الحرب، الانقلابات كانت بفعل أحزاب سياسية تشعر بالضعف أمام أحزاب اخرى ذات جماهيرية كاسحة، مما ادخل في روعها أنها لن تحكم السودان إلى قيام الساعة، لذلك سعت إلى الانقلاب للوصول إلى السلطة، طبق هذا النموذج الحزب الشيوعي والقوميون العرب في مايو ١٩٦٩ وحزب الجبهة الإسلامية في يونيو ١٩٨٩ . معالجة احتجاج الأحزاب ضعيفة الجماهيرية عبر دوائر الخريجين أو عبر تمثيل نسبي موضوعي يدخل هذه الأحزاب في دائرة من يصنعون القرار في الدولة قد يضع حدا للانقلابات .

الحرب في السودان انطلقت في الجنوب منذ عام ١٩٥٥، أي قبل استقلال السودان، الكثيرون يعيدون مسببات الحرب إلى ممارسات استعمارية مبكرة سعت إلى دق إسفين بين الشمال والجنوب عبر قانون المناطق المقفولة، ومحاولات التفريق بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي، إلى حد ما كان هذا الجانب الديني حاضرا في حرب الجنوب، وهذا هو الوتر الذي لعب عليه نظام الجبهة الإسلامية وجيش به مشاعر الكثير من الشباب لمصلحة حرب بين المسلمين والكفار، وهو تجييش أبطل مفعوله لاحقا تحالف جماعتي الأنصار والختمية مع جون قرنق في التجمع الوطني الديمقراطي، إلى هنا سقطت تماما راية الحرب الدينية ووضح انها حرب سياسية بين معسكري الشمولية والديمقراطية.

للمفارقة انتهت حرب الجنوب باتفاق مع نظام الحرب الدينية وأصبح سلفاكير المسيحي نائبا لرئيس السودان ورئيسا للسودان قانونا في حال سفر الرئيس، ثم قاد الاستفتاء إلى انفصال الجنوب بنسبة تصويت كاسحة قاربت ال ١٠٠% وهي نسبة كانت تشير بصورة حاسمة إلى ايمان لدى الجنوبيين بأنهم لا ينتمون للوحدة ولا يؤمنون بالمغامرة من أجل الاستمرار في وطن واحد مع الشماليين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد الفوارق العرقية في هذا الخيار بل يمكن اعتبارها السبب الأساس .

قبل أن تنتهي حرب الجنوب اندلعت حرب دارفور، والمفارقة ايضا ان من أبطال حركات دارفور المتمردة ضد السلطة المركزية احد دبابي الحرب الدينية في نظام الإنقاذ وهو الدكتور خليل ابراهيم، فهل يمكن هنا وصف هذه الحرب بأنها حرب دينية أو حرب لها علاقة باختلافات دينية؟! انضمت أطراف أخرى للحركات المتمردة ووصل عددها في فترة من الفترات لمئة حركة مسلحة، ومن حقائق جميع هذه الحركات ان معظمها ان لم تكن كلها من القبائل الإفريقية المسلمة، لا يمكن انكار موضوعية السبب المرفوع من قبل هذا الحركات بسيطرة المركز وتهميش دارفور وانسانها، ولكنه سبب ينطبق ايضا على تهمييش حدث لسكان الشرق وسكان الشمال و بعض سكان الوسط، ولكن الاختلاف الواضح في حالة دارفور هو الانتماء العرقي المخالف لسلطة المركز العربية، وهو ما لا ينطبق على مهمشي الشمال ولا مهمشي الوسط والشرق الذين ينتمون في الغالب لذات العرقية.

بالمجمل لا يمكن وصف حرب دارفور بأنها أزمة ذات اسباب دينية، وعلى ذلك لا يمكن القبول بالحديث عن العلمانية كحل لهذه الأزمة، ولكن لا يمكن استبعاد علاقة الجانب العرقي بإشعال هذه الحرب واذكاءها اذاء سلطة مركز يمكن وصفها بانتماءها لعرقية أخرى غالبة، إذاء هذه الأدلة لا يمكننا الا ان نقر صراحة ووضوحا بان العنصرية والاختلاف العرقي للاسف هو اقوى أسباب هذه الحروب ، وأن الحديث عن العلمانية كحل لازمة الحكم في السودان هو مقاربة خاطئة وبعيدة عن تحديد السبب الاهم والأقوى. يحتاج السودانيون إلى مواجهة صريحة مع العنصرية وأسبابها اذا اردوا اطفاء الحرائق في البلد ، وان يعلموا ان العلمانية إذ طبقت لن تكون أبدا مانعا لاستمرار الحروب ولن تكون أبدا مناجاة من أنفصال جديد سيذكيه اوار العنصرية ( المدسوس والمغتغت) .

الحل لأزمة الحكم في السودان يكمن في الاعتماد والتطبيق العملي لمبدا المواطنة كاساس للحقوق والواجبات ، مع التنازل عن الحكم المركزي لمصلحة الحكم الفيدرالي وإعطاء الولايات سلطات تشريع مستقلة كما يشاء مواطنيها ، بما يجعلها أشبه بالدولة المستقلة، وهو ما قد يقود عمليا إلى دولة سودانية جديدة سيكون اسمها بلا شك ( الولايات المتحدة السودانية ).


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.