الساعة الذهبية لإنقاذ اقتصاد السودان

الساعة الذهبية لإنقاذ اقتصاد السودان
  • 12 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

مصطلح الساعة الذهبية ( golden hour ) هو مصطلح طبي، يستخدم في طب الطواريء و الإصابات، و يقصد به الفترة الزمنية القصيرة التي تعقب إصابة الشخص، وتسمى ساعته الذهبية لانها هي الفترة التي يمكن فيها انقاذ حياته، بينما تأخر التدخلات العلاجية بعد ذلك يقلل من فرص انقاذ حياة الشخص المصاب. اذا استخدمنا هذا المصطلح في السياسة والاقتصاد فإنني اتسأل، هل تخطت بلادنا ساعتها الذهبية، وما عادت تجدي معها التدخلات والإسعافات؟! ام انها مازالت هناك، ويمكن إسعافها وإعادتها للحياة بالكامل؟!

الذي حدث امس في المؤتمر الصحفي من إعلان لحالة الطواريء الاقتصادية هو محاولة اسعافية لانقاذ حياة البلاد، وهي محاولة يظن فاعلوها ان البلد مازالت في ساعتها الذهبية. بينما البلاد تخطت ساعتها الذهبية بالفعل، ولم تعد قادرة على الإستجابة الإسعافية؟ وإنما تحتاج لعلاج تأهيلي طويل المدى، يتضمن مستويات علاجية متدرجة وعمليات جراحية متعددة لاستبدال عدد من الأعضاء الفاشلة والأنسجة الميتة، وكل ذلك من اجل تأهيل ما يمكن من حياة في هذا الجسد الميت، ومساعدته عبر الزمن على التخلص من المشاكل وعيش حياة طبيعية.

تخطت البلاد ساعتها الذهبية منذ أن تم تبديد دخل البترول، منذ أن تم تدمير مشروع الجزيرة وتدمير الخدمة المدنية وفصل جنوب السودان، لم يعد ممكنا أبدا الإيمان بأن هذه البلاد سوف تتعافى في وقت وجيز وسوف تنهض من عنبر الإسعاف مباشرة إلى المنزل وكان شيئا لم يحدث، ليس موضوعيا ان يتم علاج ٥٢ سنة من التدمير الشمولي الممنهج في سنة او اثنين، هذا قدرنا أن نمضي عبر مسار تدريجي لأجل بناء دولة جديدة قادرة على النهوض والتطور، يحتاج الاقتصاد إلى إصلاحات هيكلية وليس إصلاحات وقتية، إلى خطة إصلاح طويلة المدى، مؤلمة ومكلفة وصعبة، ولكنها سوف تعيد الحياة لجسد الدولة في النهاية وسوف تمنع تسلسل الموت البطيء الذي تمضي فيه البلاد منذ أمد بعيد.

كمواطنين مهم ان نقارن التاريخ لنرى ان بلادنا منذ فجر الاستقلال وهي في حالة تراجع اقتصادي، ولم تشهد البلاد إشراقات كثيرة في مسارها، ولكن الملاحظ أن فترات الحكم الديمقراطي على قلتها كانت تشهد استقرارا اقتصاديا نسبيا في قيمة الجنيه ولم تكن تشهد أزمات مكلفة ومرهقة للاقتصاد مثل ظهور حروب جديدة، تخريب الخدمة المدنية بالتمكين، وتسليم سياسة البلاد الخارجية للمحاور، لذلك طال الزمن او قصر فإن بلادنا تحتاج إلى مسار ديمقراطي مستقر ومستمر ينقل البلاد تدريجيا الى الوضع الطبيعي ثم إلى التطور، اي إنتكاسة وعودة لحكم العسكر والشمولية الحزبية سيعني مزيدا من إضاعة السنوات والجهود في الطريق الخطأ.

بدا وزير المالية المستقيل د ابراهيم البدوي اصلاحا هيكليا في الاقتصاد ولكن شلة المزرعة ترصدته، وفوتت على البلاد اول فرصة حقيقية لإصلاح منهجي لأزمات الاقتصاد، الآن يتوجب على هذه الشلة ان تعود مجددا لذلك البرنامج بدل برنامجها المعدل ( خاطف لونين ) الذي اعدته وتسوق فيه من أجل إقناع الجناح اليساري في الحاضنة السياسية، وهو جناح لن يقتنع بهذه الإصلاحات لانه مصمم ايدولوجيا على رفضه ولو جاء مبرأ من كل عيب، يقولون الدين أفيون الشعوب وهم يتعاطون أسوا أنواع مشاريع إلغاء العقول من أجل الايدولوجيا، انتظار هؤلاء والبحث عن رضاهم عن مشروع إصلاح اقتصادي على نسق الصرعة الاقتصادية الرأسمالية الموجودة في العالم والتي طورت اقتصادات كل دول العالم الأول، سيكون مثل انتظار الغول والعنقاء والخل الوفي، فلتتقدم الحكومة الانتقالية بشجاعة نحو هذا الأصلاح الاقتصادي ولتصارح الشعب بما فيه من معاناة ولكنها معاناة تتبعها راحة، وسيصبر الشعب عليه مادام برنامجا في نهايته امل وضوء، بينما التخبط والرجوع لممارسات الدول البوليسية سوف يشعر الشعب بأن الحكومة فاقدة للبرنامج الاقتصادي ولا خطط لديها للغد سوى الحلول الأمنية، وهذه للاسف أسوا رسالة يمكن توجيهها لشعب ثار على الدولة البوليسية وحلولها الأمنية واسقطها، وهو مؤشر ولا يعني سوى الثورة على هذه الحكومة واسقاطها ايضا، فلتعي الحكومة الدرس، قبل فوات الأوان.

sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.