أساسيات في التربية الإعلامية

أساسيات في التربية الإعلامية
  • 08 نوفمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

د. عثمان أبوزيد

أجد نفسي بينكم أيها الإخوة والأبناء في جمهورية الهند “كحامل التمر إلى هجَر”! مثلما يقول العرب في أمثالهم، فبلادكم من أكثر بلاد العالم تقدمًا في قطاع الاتصالات، ويكفي أنها الآن أكثر أسواق الاتصالات نمواً (نمت صناعة الاتصالات أكثر من عشرين مرة في عشر سنوات فقط)، وأنتم تمثلون أكبر مجتمع في فيسبوك على النطاق العالمي. وفوق ذلك كانت الهند من أوائل الدول التي انتبهت لأهمية التربية الإعلامية.

قبل خمسة وعشرين عامًا وكانت ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات في أولها، عقدنا مؤتمرًا في بلدنا السودان بعنوان: (تهيئة السودان للعولمة)، واتخذ المؤتمر توصيتين مهمتين: إعفاء أجهزة الكمبيوتر من رسوم الجمارك، وإدخال مقرر دراسي باسم (الحاسوب) في مناهج التعليم بالمرحلة الثانوية.
وأذكر أنني بعد ذلك بسنوات حضرت اجتماعًا مع وزير التربية والتعليم، يناقش تدريس مقرر الحاسوب، وتكلم عدد من مديري التعليم معترضين على هذه الخطوة بحجة عدم توافر أجهزة الكمبيوتر في أغلب المدارس، وإذا وجدت الأجهزة فإن بعض المدارس خالية من طاقة الكهرباء. أجابهم السيد الوزير: “أنتم تدرِّسون الفيل في مدارسكم، فهل أحضرتم الفيل إلى قاعة الدراسة”!
مضى على هذه الكلمة عشرون عامًا، وفي أيامنا هذه، نرى كيف أن الحاسوب صار جزءًا من حياتنا، وكأننا لم نكتف بإحضار الفيل إلى الصف الدراسي بل ركبنا هذه الأفيال… وها نحن عندما منع وباء (كورونا) أولادنا من الذهاب للمدارس تلقينا الدروس عن بعد عبر منصات افتراضية.
لقد كان الاهتمام أول الأمر بتعلم كيفية عمل الاتصالات الالكترونية، والتدرب على استخدامها، حتى إذا انتبهنا إلى وجود مهددات للثقافة والقيم والسلوك؛ ذهبنا إلى معالجة ذلك بتوجيه مستخدمي هذه الوسائل فيما يفيدهم، ويجنبهم السلبيات.
في عام 2005م دعانا مجموعة من الشباب في دولة تشاد لتقديم محاضرة عن (ثورة الاتصالات والمعلومات وأثرها على الشباب)، وكنت في معية أستاذي عالم التربية بروفيسور يوسف الخليفة أبوبكر. لم أكن في ذلك الوقت قد سمعت بشيء عن التربية الإعلامية، ومضى حديثي بتركيز على الفرص الكبيرة التي تتيحها ثورة المعلومات للشباب، وعرجت على بعض السلبيات المفترضة في تعليب الثقافة، والتشويش على نظام القيم، وقولبة السلوك، وتنميط الذوق، واختراق الهوية.

عندما تحدث بعدي الأستاذ التربوي يوسف الخليفة، ركَّز على ضرورة توجيه الشباب وتوعيتهم وإرشادهم بما يمنحهم قدرة على التعامل الرشيد مع هذه الوسائل الجديدة.
كان الأستاذ يوسف يتكلم في صميم موضوع التربية الإعلامية، على الرغم من أنه لم يستخدم مصطلح التربية الإعلامية. وكلانا لم يكن قد سمع به أصلا. وهو بخبرته وحكمته أعطاني في تلك اللحظة مفتاحًا مهمًا، فلما رجعت بعد ذلك أتوسع في الموضوع، اكتشفت مسارًا جديدًا في الإعلام يسمونه: التربية الإعلامية.

تأرجح المصطلح عند أصحاب التخصص في ذلك الوقت بين الثقافة الإعلامية ومحو الأمية الإعلامية، إلى أن استقروا على التربية الإعلامية (ميديا ليتراسي).

أتيت بهذه القصة كي أقرِّب إلى أذهانكم معنى التربية الإعلامية. ولنقرب المعنى أكثر: لنفترض أن أحدكم أراد أن يقود سيارة، فأول شيء تفعله أن تتعلم قيادة السيارة وتتعرف على قوانين السير وإشارات المرور، لأنك إن دخلت الطريق بغير ذلك تعرِّض نفسك والآخرين للخطر، فالقيادة كما يقولون فن وذوق.

حن يمكننا الاستغناء عن قيادة السيارة بتأجير سيارة مع قائد أو اتخاذ سائق، لكن لا أحد في وقتنا الحاضر يستطيع أن يستغني عن استخدام الهاتف الذكي وفهم كيفية تقييم الرسائل التي يتعرض لها، والتعامل الرشيد مع هذه الرسائل بحيث يعظِّم آثارها الإيجابية ويقلل آثارها السلبية، بحيث نجعلها لا تتحكم بحياتنا، بل نكون نحن المتحكمين فيها.
إذًا الهدف من التربية الإعلامية هو أن نتسلح بنظرة واعية لوسائل الإعلام الحديثة، تتجاوز النظرة التي تسود بيننا والتي تجعل هذه الوسائل مجرد ذريعة إلى إفساد الشباب، ومصدر إلهاء لهم عن دروسهم وعن القراءة الجادة، والسلوك الإدماني للألعاب الالكترونية.

ولا شك أن هناك بعض النتائج الماثلة اليوم، تؤكد تلك النظرة السلبية، ومنها ظهور طوائف من الشباب اكتسبوا صفات سالبة من الإعلام. الجيل الجديد على الرغم من أنه يتميز بالكثير من الإيجابيات؛ فهو أكثر اطلاعاً وأكثر انفتاحاً وأكثر جرأة، وقدراتهم في فهم التقنية أفضل، غير أنه جيل ضعيف القدرة على الصبر، ولم يعرف تأجيل الطلبات. جيل لم يتعوَّد في حياته على العمل الدؤوب مثل الفلاحة أو رعي الماشية. جيل اعتاد أن يأخذ الجاهز، وطلباته حاضرة. جيل يريد أن يكتفي بعمل “كليك” في هاتفه الذكي، فيجد أمامه كلَّ ما يطلب. أطلقت مجلة تايم الأمريكية على هذا الجيل اسم The me me me Generation إنه (جيل أنا أنا أنا)، ولا أعرف إن كانت الترجمة دقيقة لهذه العبارة.

الغالب الأعم من شباب الجيل الحالي يريد الحصول على مهارات تعينه على ارتياد الحياة، ولا يعبأ كثيرًا بالتعمق في الثقافة والفكر. وقد تساعد المناهج الدراسية في الجامعات على هذا التوجه. وكثيرًا ما يملأ هذا الجيل وقته بالتسلية وأداء الألعاب الالكترونية. وهناك أفراد من شبابنا أراد التزام الجدية غير أنه وجد نفسه عبر (التشبيك) الالكتروني ضحية للغلو والتطرف فأصبح وقوداً لمعارك (صفرية)، يقاتل تحت رايات عِمِّية، دون اعتبار بحوادث الزمان، ولا امتثال للهدي النبوي: “مَنْ قاتَلَ تحتَ راية عِمِّيَّة يَغْضَبُ لعَصَبَةٍ أَو يَنْصُرُ عَصَبَةً أَو يَدْعو إلى عَصَبَة فقُتِلَ، قُتِلَ قِتْلَةً جاهلِيَّةً؛ ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده, فليس مني و لست منه”. (أخرجه مسلم).

في مثل هذا الواقع الملتبس تقوم حاجة ملحة إلى التربية الإعلامية، وهي الوعي النقدي بمضمون وسائل التواصل، وفهم عملية التواصل نفسها، وتطوير القدرة على استخدام الوسائل بما يحقق النفع والفائدة، ذلك أن ضعف الوعي يكلف الكثير ويؤدي إلى عواقب وخيمة.
أساسيات التربية الإعلامية:
تهدف التربية الإعلامية إلى تنمية أربع مهارات أساسيـة تسمـى في الإنجليزيـة: Four C’s :

  1. مهارة التفكير الناقد Critical thinking
    والتفكير الناقد هو التعامل الواعي مع ما تتلقاه من رسائل إعلامية، وعن طريقه تستطيع التمييز بين الزائف والحقيقي، بين المفيد والضار. وأن تكون منفتحاً على إرادة الحقيقة، وعند توافر الأدلة المنطقية السليمة، تكون قادراً على تعديل موقفك أو التخلي عن موقفك واتخاذ موقف آخر.
    إننا حين نفكر بطريقة ناقدة، لا نتعرض للخداع والتضليل، ولا نقع في التفكير الرغبي Wishful Thinking نتيجة التعصب الأعمى.
    وتعني مهارة التفكير الناقد القدرة على الوصول إلى مصادر المعلومات الصحيحة والملائمة للحاجة، وامتلاك حاسة نقدية لتقييم ما نقرأ وما نشاهد من الرسائل الإعلامية.
    فوسائل التواصل الحديثة من النعم التي أسبغها الله تعالى علينا. ولعلنا نشهد فائدتها في حياتنا اليومية، وما أحدثته من تيسير الاتصالات، ونقل المعلومات والصور والوثائق المهمة. بل إنها صارت بالفعل وسيلة عصرية لصلة الأرحام عبر (قروبات) العائلة والأسر.
    ولكنها قد تتحول بعدم الاستخدام الصحيح إلى عكس ذلك، والمعوَّل عليه في الخير والشر هو الإنسان، فمن طبعه أن يحيل النافع إلى شيء غير نافع. قال فقهاؤنا: الوسائل لها حكم المقاصد!

وقفت قبل أيام على فكرة جيدة لدى عالمة اتصال هي فكرة الحِمْية الإعلامية Media Diet وذلك في كتابها بعنوان:
You Are What You Read – Why Changing Your Media Diet Can Change The World.
والفكرة لها أصل في كتابات العلماء المسلمين، ففيهم من تحدث عن الغذاء الجسماني؛ قوت الأشباح، وبين قوت الأرواح أي الغذاء الثقافي والمعرفي.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من انتقاء الغذاء الذي نتقوَّت به، خاصة في أوقات الأزمات السياسية والاجتماعية، وأن نمحص ونختار ما نسمع وما نقرأ وما نشاهد، وألا نقع أسرى ما يشاع وما يُذاع. فكل مكتوب أو منشور له خلفيته ومنطلقه ومقصده الذي يخفى على الكثير منا، ولا سيما حين تكون الأزمة في الأصل حالة إعلامية، تُستخدم فيها أسلحة الحرب النفسية، ويطغى عليها الهياج السياسي.
طبعاً الحرب النفسية قديمة، لكن وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى مضاعفتها وإدخالها في كل بيت، بطريق البث الحي وسرعة الانتشار والتكرار والاستمرار.
وبسبب كل ذلك، لا نكاد نحصي الأمثلة على الأخطاء والخطايا التي وقعت فيها وسائل التواصل، مما يستدعي منظومة كاملة تربوية وتشريعية وسياسية لعلاج المشكلات القائمة.

  1. مهارات الاتصال Communication :
    من أبرز معطيات الإعلام الجديد ظهور ما يسمى المجال العام (Public Sphere)، وهو ما يشبه مقاهي وصالونات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي كان يلتقي فيها المواطنون وجهاً لوجه ويناقشون الشأن العام.
    في المرحلة اللاحقة جاءت وسائل الاتصال الجماهيري (الصحافة والراديو والتلفزيون) فألغت تقريباً دور هذه المقاهي، ومع الإعلام الجديد ومجيء الإنترنت وانتشار الشبكات الاجتماعية، عاد زمام المبادرة مرة أخرى إلى الناس.
    وإذا كانت الصالونات القديمة تجمع الناس في اتصال مباشر، فإن الوسائل الحديثة توصلك بأناس (افتراضيين)، لا يعرفونك شخصياً، ولا يعرفون أسلوبك ولا مواقفك، وقد يتكون لديهم انطباع خاطئ عنك بسبب عدم الاتصال المباشر، وهذا ما يسمي انهيار السياق Context Collapse. وهذا ما نجده شائعًا في التواصل الاجتماعي حين يحتمي الكثيرون خلف اسم مستعار، فيجدون الجراءة في التنمُّر وارتكاب ما يبدو لهم دون وازع ودون رقيب.
    هذه التطبيقات تنقل رسائل خارج السياق، وتكثر فيها الأخبار الزائفة Fake News والنصوص الملتبسة! فيجب تقييم ما نقرأ لتجنب الزيف والكذب، ومن الحصافة عدم التفاعل مع حسابات لأشخاص غير معرَّفين، بل وعدم قبول صداقتهم وعدم الرد عليهم، والحذر من بعد ذلك على كل ما ينشر.
    ويجب التمهل في الحكم على الرسالة المتلقاة حتى نتحقق من موثوقيتها وصدقيتها وقيمتها.
    ونحتاج إلى أن نطوِّر قدرة على تمحيص الخبر الكذب (الشائعة)، وغالباً ما يكون الخبر الكذب محتوياً في داخله على ما ينقضه، وفي حال لم نتمكن من معرفة الزيف باختبار النص، نرجع إلى المصادر ونبسط الأسئلة للبحث عن الأسباب، وجمع الأدلة وتقويمها (التبين منهج قرآني).
    ويجب تقويم المصدر أيضا وهو مرسل الرسالة، أو ما يسميه أهل مصطلح الحديث بالإسناد، وكما يقول عبدالله بن المبارك “الإسناد عندي من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء” (ذكره الحافظ البغدادي في تاريخ بغداد).
    وفي حال تلقي نص عدائي، نتعقل في الرد عليه، فقد يكون التجاهل هو أحسن نهج، أو الرد عليه، لكن نفعل ذلك مستندين على التعقل لا على الانفعال، آخذين بالاعتبار وجهات النظر الأخرى، مهتمين في الأساس على الحقيقة.
  2. مهارات الإبداع Creativity:
    وتشمل مع التلقي الواعي الناقد، التفاعل الواعي وعدم الوقوع تحت سطوة الانترنت وقضاء ساعات طويلة بطريقة استهلاكية تؤدي إلى إسراف يؤثر سلباً في الحياة الاجتماعية الطبيعية.
    ليس الغرض من التواصل مجرد التسلية أو إزجاء الأوقات أو استهلاك المعلومات، بل الغاية هو اكتساب المعرفة والحكمة والبصيرة والنظرة العلمية. ولا يتأتى ذلك بمحض تكديس المعلومات، والعكوف على تصفحها ليلاً نهاراً حتى يحصل عندنا ما حذَّر منه الكاتب الأمريكي نيل بوتسمان Amusing ourselves to Death نسلِّي أنفسنا حتى الموت.
    يجب تطوير المهارة في إنتاج محتوى إعلامي إيجابي ومؤثر. قد لا يبلغ مستوى المحتوى الاحترافي إلا أقل القليل من مستخدمي الوسائل. ومع ذلك ثمة أبجديات لا بد من معرفتها ليكون تواصلنا فعالاً أي مفيداً وغير ضار.
    نرى البعض مثلاً لا يفعل شيئاً غير القص واللصق، فيصلك نص واحد عشرات المرات مما يبعث على الضجر. وترى من يضعك في قائمة بريدية لديه فيمطرك بالدعوات والتحيات صباحًا ومساءً. مثل هذا يهزم رسائله بكل تأكيد، لأن مصير رسائله هو المسح الفوري حتى لو تضمنت أحياناً رسالة مهمة جدًا.
    إن الهدف من التواصل الاجتماعي هو استفادة المتواصلين بعضهم من بعض بتبادل المعلومات والمعارف، وتنمية علاقات حسنة ومواكبة الأحداث من خلال الأخبار والآراء الصحيحة، وبناء علاقات جيدة.
    ولذلك فإننا حتى لو أردنا النقل، فلنتخير الرسالة الملائمة غير المبتذلة بكثرة الترديد. وهنالك بعض المنقولات تكون مهمة لكنها تكون غير لائقة أو تتضمن شيئاً جارحاً أو مؤذياً، أو تكون فيها صور صادمة لبشاعتها، ويحسن تقديمها بتنبيه أو اعتذار مسبق Disclaimer إذ تقتضي أخلاقيات الإعلام فعل ذلك حتى من باب إخلاء المسؤولية.
    إن الكثير من المتواصلين يعمدون إلى تبادل خطابات الكراهية والتحرش والعدوانية، فتستحيل وسائل التواصل بذلك إلى وسائل للتصارم (قدم الأستاذ الدكتور محمد عثمان السيد محاضرة في جامعة البحرين عنوانها: وسائل عدم التواصل الاجتماعي!).
    وقد نجد في بعض مجموعات واتس أب (منافرات ومناقرات) هي عبارة عن إساءات متبادلة، حين ينتقي كل طرف الأسوأ من الشائعات والصور المصنوعة. وينتفي عندئذ الحوار التعاوني ليتحول إلى جدل عقيم ومباراة في التنابذ بالألقاب.
    لقد أظهرت الأبحاث – فيما يسمى صحافة الحلول أو الصحافة البناءة Constructive Journalism- أن السلبية المفرطة في الأخبار، تجعلنا محبَطين، أو غير مبالين في أكثر الأحوال. ولذلك لا مندوحة من تضمين الأخبار شيئاً مما يحل المشكلات ويفتح أبواب الأمل.
  3. الاختيار Choice :
    التركيز على اختيار المواد الإيجابية النافعة، وتجنب المواد الضارة، فالانتقاء هو جوهر العمل الإعلامي. ثم التفاعل الإيجابي. من صفات عباد الرحمن في القرآن الكريم: “والذين لا يشهدون الزور وإذا مرُّوا باللغو مروا كرامًا”. أورد شيخ المفسرين الإمام الطبري أن اللغو هو قول الكذب، ومما قاله أيضاً في تفسير “مروا كراماً” بأن لا يسمعوه، ويعرضوا عنه. وقال: بأن يصفحوا، وقال: بأن يضاربوا عليه بالسيوف إذا أوذوا بإسماع القبيح من القول.
    يستنكف أهل الفضل والعلم عادةً من الدخول في مهاترات مع السفهاء، مترفعين عن السفاسف. ويكون الصمت في بعض الأحوال رداً بليغاً، لكن لا ينبغي أن يكون الصمت هو سيد الموقف في كل الأحوال.
    إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ
    فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
    فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ
    وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ
    وقد نصح بعض الأقدمين أن يكون مع العالم والفقيه سفيه أو سفهاء يذودون عنه. صح َّ عن الإمام الشافعي أنه قال: لا بأس بالفقيه أن يكون معه سفيه يسافِه به. وجاء عن الإمام مكحول قوله: ذلَّ من لا سفيه له. وفي أمثال السودانيين قولهم: “السفيه حُوْبَة”!
    ومهما يكن، فإن الذين يعُفُّون ألسنتهم عن الخوض في الأعراض والأشخاص، وينأون بأنفسهم عن نبش وإبراز السيئات، يجدون الاحترام، على عكس أولئكم الذين يشفون صدورهم بالإساءة والطعن واللعن. فمن التفاعل الإيجابي إذن مع ما يصلك من رسائل إعلامية ألا تنفعل أو ترد وأنت غضبان، أو تجادل في أمر لا تعرف عنه شيئاً، فإذا تبين لك الحق فلا داعي للمراء، وفي الحديث: “أنا زعيم ببيت في ربَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” (حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح). وإذا اقتضى الموقف أن تعتذر عن خطأ أو تجريح، فبادر بذلك.
    وختامًا:
    فإن وسائل التواصل والإعلام لديها قوة خير لهذا العالم. فعلينا أن نوجهها بوعي تواصلي نحو الخير والسلام، وألا نوجهها لحشد الناس ليكونوا وقوداً لمعارك اعتباطية لا تثمر شيئاً.
    إن المعوَّل عليه في خير هذه الوسائل أو شرها، هو الإنسان نفسه! وصدق أبو الطيب القائل:
    كلما أنبت الزمان قناةً
    ركَّب المرء في القناة سِنانا!

(ملخص محاضرة الدكتور عثمان أبوزيد Media literacy basics في كلية جمال محمد بولاية تاميل نادو الهندية، السبت 7 نوفمبر 2020م)

التعليقات مغلقة.