الخلود ام اللعنات للحكومة الجديدة!

الخلود ام اللعنات للحكومة الجديدة!
  • 12 فبراير 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

ينتظر الجميع ان تساهم الحكومة الجديدة في حل الضائقة الاقتصادية في وقت وجيز، وهو حلم بعيد المنال، لا يحمل الوزراء الجدد عصا موسى ليصنعوا المستحيل، مهم الانتباه لهذا حتى لا يتعشم الجميع في ماهو غير واقعي، العالم في الوقت الراهن يمر بازمات اقتصادية حرجة في ظل جائحة كرونا التي أثرت حتى على أقوى اقتصادات العالم، ولن يكون السودان استثناءا، هذا بجانب ان السودان قد مر بواقع سياسي غير مستقر خلال العامين الماضيين، عوامل متعددة ساهمت في الانحدار الاقتصادي وجعلته امرا حتميا.

هذه العوامل المتعددة تسلسلت زمانا ومكانا منذ ما قبل اندلاع الثورة الى اليوم، وجعلت الحكومة الانتقالية في وضع صعب وحرج اقتصاديا، أولها الواقع الاقتصادي في نهايات عهد المخلوع، حين وصلت البلاد إلى مرحلة انهيار اقتصادي كبير وامتدت الصفوف في كل مكان نتيجة للفشل والفساد وسوء الإدارة، وهو واقع فشلت حكومات المخلوع المتتالية في السيطرة عليه، وبالتالي حينما جاءت الثورة ورثت حكومتها اقتصادا منهكا ومنهارا.

اندلعت الثورة في ديسمبر ٢٠١٨ يحفزها انهيار الاقتصاد في عهد المخلوع، ولكنها لم تنجح في الوصول إلى أهدافها المتمثلة في الاطاحة بالبشير وإقامة الحكومة الانتقالية الا بعد أكثر من ١٠ شهور، لحظة إعلان تشكيل حكومة حمدوك الأولى في سبتمبر ٢٠١٩، وهي فترة طويلة جدا توقفت فيها الحركة التجارية والإنتاج بصورة حادة وتأثر الوضع الاقتصادي بكثافة، مما قاد إلى مراكمة وتعميق جذور الانهيار الاقتصادي.

عدم تشكيل حكومة مستقرة مباشرة بعد الإطاحة بالمخلوع كما حدث في ثورة ابريل ١٩٨٥ كان عاملا مهما في الفشل الاقتصادي، اذ واجهت حكومة المجلس العسكري رفضا جماهيريا واسعا وشهدت شهور حكم المجلس العسكري حالة من الاستقطاب السياسي الحاد تعطلت خلاله ماكينة الدولة وأصبحت البلاد في حالة من التوهان والاضطراب، وأصبحت كل السيناريوهات المخيفة محتملة لولا أن تدارك الجميع المصير المظلم بتوقيع اتفاقية الشراكة، ولكن الشراكة نفسها لم تحصد قبول جميع الفاعلين السياسيبن، اذ رفضتها كيانات متعددة داخل قحت، وقاد هذا حكومة الدكتور حمدوك الاولى إلى نفق مظلم من الخلافات للدرجة التي جعلت أحزاب الحاضنة السياسية وهي حاضنة للحكومة تخرج في مظاهرات ومليونيات ضد حكومتها، كان وضعا من الغرابة والبؤس لا مثيل له، انعكس برمته على أداء الحكومة، فزاد ذلك من انهيار الاقتصاد.

هناك عوامل أخرى ساهمت في الانهيار الاقتصادي الحالي من بينها حراك الدولة العميقة المدبر والمنظم من أجل خنق الحكومة بالدولار وإغراق الجنيه. ومن العوامل ايضا تأخر توقيع اتفاقية سلام جوبا، والفشل حتى الآن في توقيع اتفاق سلام مع فصائل أخرى رئيسية من حركات الكفاح المسلح. كما أن عدم اكتمال هياكل السلطة كالمجلس التشريعي القومي ومجالس الولايات والمحليات وعدم كفاءة الخدمة المدنية التي أصبحت تدور في داخلها معارك ضارية لتفكيك التمكين وممانعة التمكين الجديد، هذا بجانب الحرب الجديدة في الشرق والتوترات المتعاقبة في الولايات ذات الهشاشة، كلها عوامل أثرت على الاقتصاد وقادت لانهياره.

هذه العوامل مازال بعضها موجودا ومؤثرا، وبعضها قد طوته الايام، وهي عوامل مؤثرة ستعيق حركة الحكومة ولن يكون العبور فوقها سهلا، وإنما يحتاج لحكومة منسجمة عسكر ومدنيين، يعملون بروح الفريق الواحد، ويؤمنون بأنهم الآن في لحظة تاريخية وأمام تحدي اما ان يقف هذا السودان على رجليه بفضلهم ويخلدهم التاريخ، أو أن ينهار هذا الوطن ويتمزق بفشلهم، ويشيعهم التاريخ إلى المذبلة باللعنات. فأي تاريخ يريد أن يكتبه الوزراء الجدد؟


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.