الروائي حمور زيادة: رواية “شوق الدرويش” بدأت من أسئلة قديمة في خاطري

الروائي حمور زيادة: رواية “شوق الدرويش” بدأت من أسئلة قديمة في خاطري
  • 17 فبراير 2021
  • لا توجد تعليقات

الخرطوم - التحرير :محمد اسماعيل


حمور زيادة كاتب سوداني مقيم بالقاهرة صدرت له رواية “ِشوق الدرويش” التي وجدت لها صدى واسع في الساحة الثقافية بمصر، تدور أحداث رواية “شوق الدرويش” في زمن الثورة المهدية بالسودان (1885- 1899م) التي قامت بزعامة محمد أحمد المهدي رداً على مظالم الحكم التركي المصري. قالت عنها الروائية المصرية سلوى بكر: رواية شوق الدرويش عمل كبير ومهم وستكون علامة بارزة في تاريخ الأدب السوداني، كما أشارت إلى أن الرواية اعتمدت على مساحة واسعة من الوثائق.
يذكر أن حمور زيادة قد صدر له عام 2008 مجموعة قصصية بعنوان “سيرة أم درمانية” عن دار الأحمدي بالقاهرة، وأصدرت له دار ميريت للنشر والتوزيع رواية “الكونج” عام 2010، والمجموعة القصصية “النوم عند قدمي الجبل” عام 2014.
حول تجربته السردية كان لنا معه هذا الحوار الاسفيري.

  • ما السياق التاريخي والاجتماعي الذي أحاط بروايتك (شوق الدرويش)؟
    -الرواية بدأت من أسئلة قديمة عندي، عن اليقين المطلق، وعن انكسار المؤمن حين يسقط النموذج.
    هذا أمر في ذهني ويشغلني. بماذا أحس المؤمن بالمهدية والنصر الالهي والحق المطلق وحلمه يذوب رويداً رويداً؟ هذا لا يخص المقاتل الانصاري وحده، هو نموذج لغيره.
    هل كانت حيرة ثائر بلشفي أقل من ذلك بعد سنوات من انتصار الثورة في روسيا؟
    كُتبت في الواقع المفكك المضطرب الذي نعيشه، اجتماعياً وسياسياً. كُتبت بدايتها عقب اشتعال ثورات الربيع العربي. نجحت ثورة تونس، وانتصرت الثورة المصرية، وبدأت الرياح تهب بعنف على ليبيا. بدت لحظة واعدة جداً لنجد طريقنا أخيراً لعالم مختلف.
    قد يبدو غريباً في قلب هذه اللحظة الوثّابة بالأمل، وأنا في أشد حماسي لرياح التغيير، أن أكتب عن أسئلة الموت والحياة، وأزمة اليقين المطلق، وسوء النهايات. عن الحب اللامنطقي وانقطاع الوصل. تبدل الشخصيات والنظرة للآخر. ربما كانت تلك سوداوية، أو منطق الأدب الذي وافق تعثرات الربيع العربي بعدها.
  • استلمهت فترة المهدية فى شوق الدرويش وما هي الصعوبات التي واجهتك في ما يخص المراجع التاريخية؟
    بخصوص المهدية لم تكن هناك مشكلة. لدي اطلاع اعتبره مُرضياً على تاريخ المهدية ووثائقها الأصلية، وما كتب عنها في الأصول التاريخية. لكن خلفيات الشخصيات الأجنبية اقتضت بحثاً أطول. احتجت أن أقرأ عن حكم الملك أوتو الأول في اليونان والثورة عليه في 1862- وليس هناك كثير متوفر عنه بالعربية على الانترنت- لأدقق في منطقية هجرة الأسرة لمصر. كذلك البحث في التاريخ الاجتماعي المصري كان مرهقاً، فبرغم توفر المراجع فأنت لا تعلم بدقة أين ينبغي أن تبحث.
    هناك جملة عابرة في الرواية تترنم فيها سيدة مصرية باغنية. العثور على اغنية مصرية بها دلال وغرام، ومشهورة في منتصف القرن التاسع عشر كان أمراً مرهقاً، بعكس الاغاني السودانية التي وردت في الرواية.
  • لنتوقف عند علاقتك مع مجموعتك القصصية الاولى النوم عند قدمي الجبل هل توازي مكانتها مكانة شوق الدرويش ؟
    النوم عند قدمي الجبل هي مجموعتي الثانية، واصداري الثالث. كُتبت أغلب قصصها في ذات الفترة التي كتبت فيها “شوق الدرويش”، وهو شيء متعب. الانتقال من حالة لحالة. والتنقل بين نوعين من أنواع الأدب. لكن كانت هناك التزامات نشر أجبرتني في النهاية على انجازها.
    المجموعة لم تحظ بقراءة كشوق الدرويش، وهو أمر قد يزعجني على المستوى الشخصي. فأنت في النهاية تكتب ليقرأك الناس. لكني أقدر اهتمام الناس غالباً بالرواية على حساب القصة، كما انه من العسير أن تنافس نفسك بعملين يفصل بين تاريخ نشرهما اسبوع واحد. فسوء حظ المجموعة قد يجعلني أنحاز لها من باب النصرة. لكن بالتأكيد فان الأهم من تقييم الكاتب هو تلقي القراء. ظل الطيب صالح يعتبر مريود عمله الأجمل، بينما أصر القراء على تقديم موسم الهجرة إلى الشمال.
  • حدثنا عن سيرة امدرمانية ؟
    تلك مجموعتي البكر. كُتبت ما بين 1997 و 2008 عام نشرها. هي تجربة مهمة بالنسبة لي. فصدور عملك الأول هو الذي يدشنك ككاتب. بعد وضع اسمك على غلاف مطبوع لا تعود الأمور كما كانت بالنسبة لك. حتى وعيك واسلوبك يصبحان مؤهلين للتطور.
  • الى مدى شكلت طفولتك نصوصك السردية ؟
    طفولتي شكلت علاقتي الكلية بالسرد. كنزي الأول كانت جدتي لأمي، الحاجة بتول بابكر الريح. الجدة النموذجية كما يمكنك أن تتخيلها. بشلوخها، وشفتها السوداء، وابتسامتها المشرقة. الجدة التي تمتلك مفاتيح متعة الحكاية. هي من تعرف ما حدث لهيلوة وأمهاتها السبعة، وجرقاس الكلب الذي شرب البحر، وتميز بين محمد ود السرية ومحمد ود العربية. وهي من تعرف لماذا أحب محمد فاطمة.
    كنت طفلاً وحيداً لأبوين مثقفين. أب –بحكم عمله السياسي- لديه مكتبة تاريخية وقانونية، وأم محبة للأدب تقتني نجيب محفوظ والطيب صالح واحسان عبد القدوس. فتسلقت مكتبة أبي صعوداً من أحاجي جدتي. وكان هذا في مدينة أم درمان، المدينة القائمة على الحكايات والقصص والأخبار.
    لكني –بشكل ما – مازلت منجذباً لحكايات جدتي، فارتاح لكتابة الواقعية السحرية. ستجد هذا في روايتي “الكونج” ومجموعة “النوم عند قدمي الجبل”. وحتى اخلاص العاشق في “شوق الدرويش” ربما أخذته عن أحاجي جدتي.
  • هل التجربة الشخصية الحياتية يمكنها أن تخلق عالما ابداعيا ؟
    هذا سؤال مشكل. ربما يحدث أن يبدع شخص بدون تجربة حياتية. قد يحدث. وقد يكون للمرء تجربة حياتية ثرة لكنه يعجز أن يخلق منها عالماً ابداعياً. ربما يستخرج من تجربته عملاً ابداعياً، لكن هل ينجح في خلق عالم كامل؟ حقيقة لا أعرف.
    لكني مؤمن أن التجربة الحياتية مهمة. ربما ليست شرط صحة. لكنها ضرورية، على الأقل للاستمرار. خاصة اني غير ميّال للكتابة الذاتية المتمحورة حول الكاتب وشخصه. فللخروج من هاوية الذاتية عليك أن تكون واسع التجربة. عشت ورأيت وعرفت. حينها يمكنك – حين تحكي – أن تخرج من نفق التحدث عن نفسك لبراح التحدث عما حدث.
  • على صعيد التقنية الروائية حدثنا على ملامح التى اسست بها تجربتك فى شوق الدرويش ؟
    هذا أمر يحسن النقاد الكلام عنه خير من الكاتب. فالروائي رغم انه – بشكل ما – “صنايعي”، لكنه لا يصنع عمله وفق “كتالوج” تقنيات سردية محددة بدقة. انما يتحرك في براح تحده الخطوط العامة للنوع الروائي ومعالم تقنيات السرد التي اكتسبها.
  • هل هناك اى تميزات من حيث البنية والمضمون واللغة بين القصة والرواية ؟
    بلا شك. فكل منهما جنس أدبي قائم بذاته. المشكلة – أو لعله توجه جديد سيصبح قاعدة ولن يعود مشكلة – اننا نعتبر القصة رواية قصيرة، أو تدريب على الرواية، او استراحة من طول الكتابة. فكأن الفرق بينهما في الطول. سومرست موم كان يكتب القصة، في حجم النوفيلا.
  • يحكى عن زمن الرواية اليوم، وعن “لا زمن الشعر”، الى متى يعود هذا الرأي، إلى رواج الروائية أم الى تراجع الشعر؟
    يقولون هذا عن الرواية والقصة. ولا أفهمه. فللقصة وجودها في كل العالم. أليس مونرو حصلت عل نوبل العام الماضي عن كتابتها القصصية. أما الشعر فهو في السودان – على ما أظن – يغلب الرواية والقصة. المزاج السوداني مزاج شعري. وهذا يظهر حتى في الكتابة الروائية من حيث الاحتفاء باللغة وتطريزها، ربما حتى على حساب الموضوع والحبكة.
    وعن نفسي فلست رجل شعر. لذلك لا أقدر أن أحكم على تراجع الشعر عالمياً أو تقدمه على الرواية.
  • من من المؤلفين ترك بصمة فيك ؟
    وكيف يمكن أن تقرأ لأي كاتب – كبُر أو صغُر- ولا يترك فيك بصمة؟ ما لم تكن مقلداً فأنت لن تقدر أن تصطفي من الفسيفساء الأدبية التي تشكلك بصمة خاصة لكاتب. لما صدرت روايتي الكونج قال الروائي المصري أحمد صبري أبو الفتوح عنها : “هناك عدد من الأدباء يقفون على حافة هذا العمل ويبتسمون”.
    لكني مازلت شديد الإعجاب بثلاثة خلبوا لبي. ماركيز، ومحفوظ، والطيب صالح.
    *هل الرواية كتابة بالفطرة أم صنعة ثقافية ؟
    الحكاية – وأنا أعتبرها الجزء الأكبر والأهم في الرواية – فطرة. التقاط الحكاية الممتعة من زخم تجاربك، واجادة حكايتها هو فطرة. يقولون ان الاشياء تحدث لمن يستطيعون حكايتها. لكن اجادة كتابة الرواية هو صنعة. فالرواية ليست حكاية خام. انما هي جهد ابداعي يصنع من الخام عالماً حياً على الورق.
  • ماهى أسباب غياب الرواية السودانية عن المشهد العربي؟
    هناك أسباب عديدة لكن ربما أكثرها بديهية هو أن العمل الثقافي أصبح صناعة كاملة. دور نشر تحتاج للربح، نقاد، سوق قراء لهم مزاجهم الخاص، اعلام يقوم على الدعاية وتسليط الضوء، جوائز ومسابقات. هناك عالم كامل يحيط بأي رواية تكتب. بينما تغيب هذه الأشياء عن الأدب السوداني. لاحظ اننا نطلق لقب الأديب على من ينشر عدد من القصص في الصحف، ويقرأ اسم الوردة.
    لكن المؤكد عندي – بحكم تجربتي خارج السودان – ان هناك تشوّق على الأقل لدى المثقفين المصريين للقراءة للسودانيين.
    *البعض يرى أن الطيب صالح سقف الرواية السودانية ؟
    لا اعتبرها أزمة. رغم انه من المستحيل – منطقياً – أن يصل انسان الى مرحلة لا يتجاوزها الاتين بعده. لكن فقط دعنا نقل ان التنافس غير ضروري. هل دافنشي هو سقف الفن الايطالي؟ هل توقف المصريون عن الكتابة لأن محفوظ هو سقف الأدب المصري؟ لماذا يجب أن أتفوق على استاذنا الطيب أو أكون دونه؟ هل يقرأ الناس الأدب السوداني للبحث عمن هو أفضل من الطيب؟ ليس دورنا أن نتجاوزه، دورنا أن نكتب ونقدم أدباً ممتعاً جميلاً. بعدها فليكن فوق سقف الطيب أو دونه.
  • هل تعانى من قلق وهاجس عند الشروع فى الكتابة ؟
    قلق وهواجس وتوتر، حتى أصبح شخصاً لا يطاق. ربما أكثر من حالتي المعتادة كشخص صعب المعشر. أنت تشرع في خلق عالم. الكتابة بها لذة الخلق. متعة تكوين الشخصيات. الاحساس بها. تصويرها والتحكم في مصيرها. الشخوص تتحرك داخل رأسك وتتعارك وتضحك وتبكي. هذا الشعور مع ما فيه من غرور وانتفاخ ذات يضطرب داخلك مع قلق “ماذا لو فشلت؟”، “هل سأحكي حكايتي هذه بشكل يعجب القارئ؟”.
    كيف يمكن ألا تنتابك الهواجس وأنت تحس نفسك متحكماً في المصائر ككاتب، وفي ذات اللحظة تشعر بخوف التلميذ الذي سيصحح له القراء، الذين لا يعرفهم، عمله.
    قلق الكتابة هو المتعة التي تنصح بها كل من تحب. وهو الوجع الذي لا تتمناه لحبيب.
    *انت تكتب القصة القصيرة والروائية وكتابة المقالات والاعمدة الصحفية لماذا كل ذلك ؟
    القصة والرواية من أنواع الابداع. جنسان مختلفان، نعم. لكن لا أعتقد ان الجمع بينهما شديد الصعوبة. أما الكتابة الصحفية فهي أمر مختلف. هي كتابة مباشرة عن مواضيع عامة. وبشكل ما أعتقد ان العمل الصحفي هو الأقرب لروح الروائي/القاص، أو لنقل أقرب لعالمه.
    *ليس من الممكن ان تكون هناك ايه قصة او رواية بدون هدف معين مالذى تسعى اليه من خلال كتاباتكم ؟
    هدف واحد؟ هناك أهداف عدة، خلف مشروع الكتابة كله، أو خلف عمل معين. لكن دعني أقل لك ان الهدف الأهم عندي هو أن أحكي حكاية ممتعة.
    أي شيء غير هذا هو أمر نسبي. أن تطرح روايتك أسئلة أو لا. أن تقدم منظوراً مختلفاً عن العالم والأشياء أو لا تفعل. هذه أمور نسبية. لكن الثابت الرئيسي هو أن يصل القارئ للصفحة الأخيرة وهو يحس بالمتعة.
    لذة الحكي، نشوة القص. لا تستهن بهما كهدف.
    *ادبا نسائيا واخر ذكوريا .. هل انت مع هذه التسميات ؟
    هذه تقسيمات موجودة. لا أقدر أن أرفضها. ليس هذا مكاني. لكني مهتم أكثر بتقسيم “عمل أدبي مكتوب بشكل جيد” و “عمل أدبي لم يكتب بشكل جيد”. هذا أهم من نوع الكاتب، أو المنظور النسوي أو الذكوري للعمل.
    *هل ترى ان الاستغراق فى المحلية تساعد الروائى فى نقله الى العالمية ؟
    هكذا يقال، وأظنه صحيحاً. المشكلة – وهذا يرجعنا لغياب الأدب السوداني عن المشهد العربي – كيف نفسر “الاغراق في المحلية” ؟
    الأدب المحلي الذي يطرح أسئلة انسانية هي في حقيقتها عالمية، وبشكل يمكن أن يفهمه من هو من بيئة ثقافية مختلفة، هو ما يوصلك للعالمية.
    لا تحتاج أن تكون مصرياً لتستمتع بزقاق المدق. بل انها تحولت لفيلم مكسيكي. رغم انها تحكي عن زقاق مصري. لكن حقيقتها تحكي عن الانسان الذي يمكن أن تجده في أي مكان.
    البعض يظن الاغراق في المحلية هو أن تكتب ” وقف البطل أمام البيت مضطرباً، دنكل سفته الأخيرة وتحرك”. التنافر بين الفصيح ودارجية “دنكل سفته” مغري وممتع للقارئ المحلي. لكن عليك أن تتوقع أن يصدم القارئ غير السوداني ويغلق أمامه العمل.
    *كيف تقيم لنا تجربة جيلك من الروائيين السودانيين الشبان ؟
    هذا سؤال لا أراني مؤهلاً لاجابته. فمن ناحية المعاصرة حجاب. فهي تمنعك للأسف من تلقي المكتوب بشكل أكثر حيادية مما يكتبه غير مجايليك. ومن ناحية أخرى أنا بعيد عن الوسط الثقافي السوداني ، حدثت فيها متغيرات كثيرة لم أتابع أغلبها عن قرب وبدقة.
    لكني سعيد جداً لحركة الكتابة الواسعة التي أعرف طرفاً منها عبر الانترنت، أو يطبع بعضها في القاهرة. وأعتقد ان هذا الاتساع هو ما سيشكل “جيل ” حقيقي. بدل اطلاق لفظ جيل على كاتبين أو ثلاثة. النشر يطور صاحبه. كما انه يخلق حالة من التنافس والتفاكر ويفتح مغاليق للمجايلين. لذلك دعنا نترك التقييم للآتين بعدنا، ونكتفي بسعادة أن الكتّاب الشباب اليوم تحركوا خارج دائرة النشر في الملفات الثقافية الصحفية

التعليقات مغلقة.