دنقلا العجوز وطنجرة البليلة

دنقلا العجوز وطنجرة البليلة
  • 08 مايو 2021
  • لا توجد تعليقات

عواطف عبداللطيف


زيارتي الاولي لقرية القدار كانت مغامرة وكثير اندهاش فاللوري تحول لمكان إعاشة كاملة ليومين وهو يتمايل ويتهاوى بصعوبة ليتجاوز كسبان الرمال كانت رحلة تتجاوز الإرهاق فهي مشوقة وممتعة ربما بسبب ما اختزنته من حكايات آمي بت كانور طيب الله ثراها وحكاوي الاهل في ضيافتنا للمجاملات الاجتماعية والعلاج ولطلب العلم ..وصلنا لمرسى البنطلون والشمس تكاد تتوارى ليزاحمها القمر وإضاءت تتلالى خافتة لفوانيس يتحلق حولها الصبايا لانجاز واجباتهم المدرسية .. نهضت باكرا علي اصوات صياح الديكة وعصافير وعجول ونوق وبعضه لثور فحل وصغار ماعز تتقافز باريحية وسط أسرتنا.. خرجت بباب سور خلفي مطل علي فضاء وخضرة علي امتداد البصر وأغصان النخيل تتمايل بعنجهية ودلال وكأنها في ساحة تنافس أيهما تحمل باكتافها أكبر عنقود لتمور ما زالت بين الخضرة والاصفرار ..ونسمة الهواء تتساقط التميرات الهشة ” الدفيق ” تصنع منه الفتيات عقود ذات رايحة مميزة وتؤكل كلما نضجت حبيباته …
اخترت المشي بداخل مجرى محازي للبيوت الطينية قيل انه شيد منذ الحكم التركي تحرس أطرافه شجيرات الليمون وتحفه تعريشات للماعز والابقار … اسرعت الخطي متحاشية الأشواك المتشاكسة لاصل لحافة النهر ..
لاحت السنة خافتة للشمس وهي تترأي من خلف السحاب لينعكس شعاعها علي سطح النهر وكأنهما في عناق خجول لرباط ازلي بينها والمياه العكرة منظر خلاب ياسر القلوب ويدعو للتأمل. سرقني الوقت وانا استنشق هواءا نقيا يلسع ألاطراف بلمسة برد منعشة ..
التفت فإذا بالسنة دخان وسط الحقول وزرايب الاغنام فغفلت راجعة فاذا بنت عمي وهي تحلب أضرع بقرة فعرجت ناحيتها وانا بالكاد ازيل اغصان الشجيرات المتمردة لأجد موطيء لقدمي …
سألتها عن تلك الادخنة فاخذتني لحفرة عميقة ملاتها بروث الأبقار وأشعلتها بالنار وما أن خف الدخان تحول الروث لجمر احمر وضعت عليه حلة بها لوبيا غمرتها للنصف بالماء وأحكمت غطاءؤها بعجينة سميكة من طحين القمح ..
قبل أذان المغرب خرجت نساء القرية لإحضار حلة البلبلة التي نضجت علي نار هادية بايسر واسهل اختراع بلدي لا يحتاج لغاز ولا جازولين .. وساعة الافطار تنافست خالاتنا من حلة الحمنتني .. و الدربوق و المسيد ولتي وساكني حلة ود درار لتناول اطيب انواع ” المأكولات ” ما تختزنه الأسر من تمور خاصة لاستهلاكها الخاص …الجميع يلح لاتناول بليلته بنكهة الشمار والبصل الاخضر من اجود البقوليات لا ينافسها إلا مشروب الحلو مر المعتق.. المدهش أن التمر و البلبلة سيدة سفرة افطار رمضان .. فدمعة الدجاج واللحوم بقراصة القمح واللبن الريال هم وجبة انصاف الليل بعد جلسات السمر علي ضوء القمر الذي يلف القرية بوجهه الصبوح تعطرها نفوس صافية نقية.. ما احلى رمضان في بقاع تسير حياتها باختراعات تطوع البيية لتسهيل معيشتها بعيدا عن ضجيج المدينة واختناقاتها المعيشية وتلونها بنكهة الطيبة والحنان .
عواطف عبداللطيف
Awatifderar1@gmail.com

On Sat, 8 May 2021 at 6:51 pm, Awatif Abdelatif awatifderar1@gmail.com wrote:
دنقلا العجوز وطنجرة البليلة
زيارتي الاولي لقرية القدار كانت مغامرة وكثير اندهاش فاللوري تحول لمكان إعاشة كاملة ليومين وهو يتمايل ويتهاوى بصعوبة ليتجاوز كسبان الرمال كانت رحلة تتجاوز الإرهاق فهي مشوقة وممتعة ربما بسبب ما اختزنته من حكايات آمي بت كانور طيب الله ثراها وحكاوي الاهل في ضيافتنا للمجاملات الاجتماعية والعلاج ولطلب العلم ..وصلنا لمرسى البنطلون والشمس تكاد تتوارى ليزاحمها القمر وإضاءت تتلالى خافتة لفوانيس يتحلق حولها الصبايا لانجاز واجباتهم المدرسية .. نهضت باكرا علي اصوات صياح الديكة وعصافير وعجول ونوق وبعضه لثور فحل وصغار ماعز تتقافز باريحية وسط أسرتنا.. خرجت بباب سور خلفي مطل علي فضاء وخضرة علي امتداد البصر وأغصان النخيل تتمايل بعنجهية ودلال وكأنها في ساحة تنافس أيهما تحمل باكتافها أكبر عنقود لتمور ما زالت بين الخضرة والاصفرار ..ونسمة الهواء تتساقط التميرات الهشة ” الدفيق ” تصنع منه الفتيات عقودا ذات رائحة مميزة وتوكل كلما نضجت حبيباته …

اخترت المشي بداخل مجرى محازي للبيوت الطينية قيل انه شيد منذ الحكم التركي تحرس أطرافه شجيرات الليمون وتحفه تعريشات للماعز والابقار … اسرعت الخطي متحاشية الأشواك المتشاكسة لاصل لحافة النهر ..
لاحت السنة خافتة للشمس وهي تترأي من خلف السحاب لينعكس شعاعها علي سطح النهر وكأنهما في عناق خجول لرباط ازلي بينها والمياه العكرة منظر خلاب ياسر القلوب ويدعو للتأمل. سرقني الوقت وانا استنشق هواءا نقيا يلسع ألاطراف بلمسة برد منعشة ..
التفت فإذا بالسنة دخان وسط الحقول وزرايب الاغنام فغفلت راجعة فاذا بنت عمي وهي تحلب أضرع بقرة فعرجت ناحيتها وانا بالكاد ازيل اغصان الشجيرات المتمردة لأجد موطيء لقدمي …
سألتها عن تلك الادخنة فاخذتني لحفرة عميقة ملاتها بروث الأبقار وأشعلتها بالنار وما أن خف الدخان تحول الروث لجمر احمر وضعت عليه حلة بها لوبيا غمرتها للنصف بالماء وأحكمت غطاءها بعجينة سميكة من طحين القمح ..
قبل أذان المغرب خرجت نساء القرية لإحضار حلة البلبله التي نضجت علي نار هادئة بايسر واسهل اختراع بلدي لا يحتاج لغاز ولا جازولين .. وساعة الافطار تنافست خالاتنا من حلة الحمنتني .. و الدربوق و المسيد ولتي وساكني حلة ود درار لتناول اطيب انواع ” المأكولات ” ما تختزنه الأسر من تمور خاصة لاستهلاكها الخاص …الجميع يلح لاتناول بليلته بنكهة الشمار والبصل الاخضر من اجود البقوليات لا ينافسها إلا مشروب الحلو مر المعتق.. المدهش أن التمر و البلبلة سيدة سفرة افطار رمضان .. فدمعة الدجاج واللحوم بقراصة القمح واللبن الرايب هم وجبة انصاف الليل بعد جلسات السمر علي ضوء القمر الذي يلف القرية بوجهه الصبوح تعطرها نفوس صافية نقية.. ما احلى رمضان في بقاع تسير حياتها باختراعات تطوع البيئة لتسهيل معيشتها بعيدا عن ضجيج المدينة واختناقاتها المعيشية وتلونها بنكهة الطيبة والحنان .

Awatifderar1@gmail.com

التعليقات مغلقة.