في بغض التاريخ

في بغض التاريخ
  • 23 يوليو 2021
  • لا توجد تعليقات

د.وجدي كامل

 سن الانجليز في عام 1924 قانونا يحرم الاتجار بالرقيق. و في عام 2018 اثار النائب البرلماني بارود صندل نقدا حول تقرير من وزارة التنمية الاجتماعية  يقر بتوزيع احد بنود  مصارف الزكاة على( في الرقاب ) ما يعني استمرار الظاهرة في المجتمعات السودانية وعدم اخضاعها للقانون وخضوعها لسلطة قرار التحريم الذي صدر.واذا ما كانت الدراسات والبحوث، ومن اهمها مؤلف سكرتير الحزب الشيوعيي السابق محمد ابراهيم نقد والموسوم بعلاقات الرق في المجتمع السوداني حيث اشار وفصل في قدم الظاهرة منذ الممالك النوبية واتفاقية البقط بتضمين ( العبيد) كبضاعة تبيحها المعاملات التجارية واستمرار ذلك عبر مملكة سنار التي شغلت تجارة الرقيق فيها الضلع الاقتصادي الابرز. اقول اذا ما اكد كل ذلك على فعالية الظاهرة فان علاقاتها الاجتماعية والثقافية وانساقها الاشكالية في مستوى السلطة السياسية قد استمرت كضمير مستتر للكثير من حقائق التاريخ السياسي المعاصر للسودان، ما يلزم مضاعفة الجهود البحثية والتوثيقية لها بوصفها احدى قلاع ثقافة الكراهية والعنصرية (العنصري المغرور) التي تستدعي التفكيك وفق اليات اخرى ليست من بينها لجنة التفكيك باى حال من الاحوال. لفت  محمد ابراهيم نقد النظرالى حقيقة بالغة الاهمية تستوجب  اخذها في الاعتبار البحثى عندما وثق لذلك عبر وثيقة لمذكرة رفعها السيد عبد الرحمن المهدي والسيد على الميرغني والشريف يوسف الهندي، في 6 آذار (مارس) 1925، إلى مدير المخابرات البريطاني، يعترضون فيها على  قانون إلغاء الرقّ، قائلين: (نرى أنّه من واجبنا أن نشير إليكم برأينا في موضوع الرقّ في السودان، بأمل أن توليه الحكومة عنايتها”، وقد ذكر الزعماء الثلاثة الكبار في مذكرتهم بالنص: “بما أنّ هؤلاء الأرقاء ليسوا عبيداً بالمعنى الذي يفهمه القانون الدولي، فلم تعد هناك حاجة إلى إعطائهم ورقة الحرية، إلّا إذا كانت هناك حاجة إلى إعطائها لملّاك الأرض الذين يعملون لهم، وإنه لمن مصلحة كلّ الأطراف المعنية، الحكومة وملّاك الأرض والأرقاء، أن يبقى الأرقاء للعمل في الزراعة). حتى وقت قريب كانت العنصرية تعطي اوضح تعبيراتها عبر الرمز السياسى الاول بالبلاد معلقا على خبر اغتصاب الجنود العروبيين الاسلامويين على النساء في حربه على اهل دارفور. وفي تسريبات لبعض من اصدقاء تعاملوا معه في مراحل من مهادنات الانقاذ لخصومها ذكروا انه كان لا يستحى في اطلاق كلمة عبد وخادم على البعض في غيابهم. وقد لا يبدو مناسبا هنا استعراض حقيقة اندلاع تجارة الرق والرقيق على كامل مسرح التاريخ القديم والحديث للسودان (الدويلات النوبية المسيحية و من بعدها دولة الفونج الاسلامية كما الدولة المهدية والحكم الثنائي). ارقام مهولة توفرها المؤلفات التى تعرضت للرق تؤكد بيع ملايين السودانيين بسوق النخاسة وتهجيرهم من اراضيهم الى شتى بلدان العالم ومنها مصر والهند واميركا والجزيرة العربية للقيام  بالخدمة العسكرية، وبالاعمال الشاقة،  والوظائف الوضيعة وبقائهم كعبيد فيها. ومن الظواهر المتولدة التي تستحق الحوار والنقاش بين السودانيين موضوع االآثار الثقافية للرق والرقيق. فالتمكين الثقافي المعاصر الحي لظاهرة الرق وتجارة الرقيق يتم على ذات معايير التمييز العنصري بواسطة رسوخ مفاهيم نهائية تخفض لقيمة الانسان وتضعه ادني السلم الاجتماعي.ومن بنية ونفسية التمييز العنصرىي تذيع وتنتشر مفردات معاملاتها اللغوية في الحياة الاجتماعية وافرازات مخاطباتها الراهنة واشتغالها على الحكايات و الامثال الشعبية ( سجم الحلة الدليلها عبد) ما يعني فساد سلطة ذوى البشرة السوداء. وعلى الرغم من ان منتج المثل غالبا ما كان من ذات لون البشرة الا ان التصور الذي حكم نظرته الى هويته الخاصة كان ينزعه لسبب غامض من ذلك السياق اللوني والهويات المتصلة به.  وفي سياقات ضبط الظاهرة وتعطيل مفعول اثارها على المجتمعات السودانية يلزم الامر اجراء بحث تاريخي عن حواضنها الاجتماعية والثقافية وتشكلاتها والذي افردت له الاوراق والبحوث ولكن في تناول جاء محدودودا. ففي متن الدراسات النقدية  المنادية بالتحرر من الظاهرة الاشارة الى ان البناء الاجتماعي في المهدية كان يدين بالاعتراف بتجارة الرقيق التي تحولت وبعد قرون من استمرار الممارسة الى بنية ثقافية ومفاهيمية لم تنفصل عن التفكير السياسي والثقافي الاداري للمهدية باحتواء راتب المهدي نفسه على مفردات، ومسميات تستسهل الظاهرة وتدين بطبيعيتها واعتياديتها وهذا ما انعكس في التقسيم االجغرافي الاحيائي للبقعة، او مدينة امدرمان ( حى العرب – حى الضباط  – المسالمة (المسلمانية في الاصل) والعباسية والموردة وحى ودنوباوى  والتي كانت تعتمد التقسيم على الاصل والنسب العرقي والجهوي لساكنيها). هنا لا بد من الاشارة الى ان الاصول الثقافية للظاهرة وفي جذرها التاريخي قد حملت ذات مفاهيم الثقافة العربية المولدة لامثلة بالغة العنصرية في مثال هجاء ابو الطيب المتنبي لكافور الاخشيدي والذي قيل ان محمد طغج مؤسس الأسرة الاخشيدية، قد اشتراه كأحد الرقيق من الحبشة. (لا تشتر العبد الا والعصا معه ان العبيد لانجاس مناكيد).    ويبدو ان من  مفردات سادت، وربما تسود في قاموس المخاطبة الاجتماعية الى يومنا هذا ك: سيد وعبد،  وحرة وخادم، ان الوطنية المتوخاة، منذ قرون، قد فقدت اهم شروط اقامتها وظهرت بنحو اوضح في الصراع المولد للخيانة (الوطنية) بالتاريخ السوداني الحديث في تجربة جمعية اللواء الأبيض وصراعات التيارات الادبية من الهاشماب والابروفيين، حتى الغابة والصحراء حيث تم اعلاء المفهوم المركزي فيها على سؤال الهوية ( عرب- افارقة) لتتطور متولدات الظاهرة وتستحكم حلقاتها في حكم الاخوان المسلمين والذي لم يدرج فقط على احياء سلطة القبيلة، بل ثقافة الكراهية على اساس العرق واللون ( عرب افارقة، زرقة – عرب) لييشتد اوار الحروب باشعال نارها من الموروث الثقافي البغيض. اما الثقافة الاخرى فلم تقف سلبا تستقبل الاساءات التاريخية من الاسترقاق حتى التمييز السلبي في ظاهرة خدم المنازل، والمهن الوضيعة التي خصصت للسكان الهامش من الجنوبيين و الدارفوريين والمنحدرين جبال النوبة وجنوب النيل الازرق، فقد انتجت في قاموسها المكافئ المضاد لثقافة القهر السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي مسميات قطعية لتصنيف الاخر المعتدي بالجلابة والمنديكورو على الرغم من ان التعريفات  والدلالات الخاصة بتلك المفردات ظهرت تاريخيا كتعريفات لممارسي انشطة اقتصادية بعينها اعتمدوا على الجلب واستجلاب البضائع او استيرادها من بلدان واقاليم تجارية اخرى ولكنهم اتصفوا بالتوحش وغلاء الاسعار في عرض بضائعهم.ان تخفيض الاحتقانات التي تسربت عن طريق اللغة والوصف اللساني من مفردات ومصطلحات يحتاج الى تخفيض ضغوط القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المسببة له.ذلك ما فاجأت به جموع الثوار والثائرات الانقاذ في اندلاع ثورة ديسمبر ٢٠١٩ والتي شكل انتصارها فرصة ذهبية للقضاء على منظومة الثقافة العنصرية المتبادلة فكانت تنتظر جهازا عدليا يلتقط مضامينها ويحولها الى قوانين، وكانت تتوقع جهازًا ثقافيا يفتح الحوار بين المجتمعات السودانية بنحو جديد يتيح خلق التعارف الوطني الامثل فيما بين مكوناتها التي ظلت على اغتراب حاد، عميق، طويل الامد مما خلق سوء التعارف الذي بسببه، ومن ثقوبه خرجت الحروب والويلات الوطنية الفادحة.السودانيون يحتاجون الى صناعة تعارف ثقافي جديد، لن تنتجه مؤسسات الدولة القديمة، او الوعي السياسي القائد القديم، بل بانتاج الدولة الديمقراطية الحديثة واقتصاد ومجتمعات المعرفة الحية المتفاعلة مع فكرة التنمية المتوازنة والعادلة المستوعبة لمستجدات العصر من منتجات المعلوماتية والتقنية، وتغذية الوعى الاجتماعي الاهلي بفوائدها وتعريفه على اساليبها التى تعينه في صتاعة واقع جديد يلبي طموحات الشعوب السودانية في التطور والحياة الآمنة، الرغدة الممعنة في الرفاه.wagdik@icloud.com

الوسوم د.-وجدي-كامل

التعليقات مغلقة.