أفغانستان: عودة طالبان ماالذي يخفيه الأمريكان؟

أفغانستان: عودة طالبان ماالذي يخفيه الأمريكان؟
  • 18 أغسطس 2021
  • لا توجد تعليقات

محمد الأمين أبوزيد


عقب أحداث هجمات 11/9/2001 التي استهدفت ضرب العمق الأمريكي من الداخل وتحطيم أسطورة الأمن الأمريكي والتي تبناها تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من أفغانستان ملاذا له.
خاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية انتهت بإسقاط نظام حركة طالبان الأصولي المتخلف الذي حكم البلاد من 96-2001،

نصبت الولايات المتحدة عميلها حامد كرزاي رئيسا للبلاد. منذ ذلك التاريخ لم تشهد أفغانستان حالة الاستقرار السياسي والأمني، حيث اتجهت طالبان المتحصنة بالجبال إلى خوض حرب عصابات واستنزاف طويلة الأمد ضد القوات الحكومية والأمريكية على السواء، وقد استطاعت انهاك القوات الأمريكية وتكبيدها خسائر فادحة بحكم معرفتها بالطبيعة الجغرافية والاجتماعية للبلاد. وتمددها عبر الحدود مع باكستان التي كانت ملاذا لزعيم القاعدة أسامة بن لادن حتى قتله جراء غارة أمريكية موجهة.

إن قراءة الوضع الحالي تنطلق من حالة الفشل الأمريكي على مدى عشرين عاما في أفغانستان، حيث فشلت استراتيجية أمريكا في تثبيت نظام أفغاني يضمن مصالحها ويحافظ على التوازن الدولي لصالحها في المنطقة، التي تشهد تنافسا دوليا حادا بينها والصين وروسيا.

منذ أواخر ولاية الرئيس الأمريكي ترامب فكرت الولايات المتحدة في الانسحاب من أفغانستان بضوء الكلفة العالية للتواجد الكبير هناك، وبضوء ضعف السلطة الحكومية وعجزها عن مواجهة طالبان ومليشياتها التي استطاعت أن تحرز تقدما ميدانيا كبيرا بالاستيلاء على الولايات والمدن.

عملت الولايات المتحدة إلى الاتفاق مع طالبان على خطة للانسحاب الأمريكي مترافقة مع محادثات للسلام مع الحكومة الأفغانية تضمن تسوية سياسية وشراكة في الحكم، تعاملت طالبان بذكاء تكتيكي عالي مع الموقف الأمريكي قبلت به،ودخلت جولات تفاوض عديدة في الدوحة، وظلت تنظم صفوفها وتحرز تقدما عسكريا بارزا على جبهات القتال.

الموقف الأمريكي والدولي حقيقته وخلفيته:
وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان اتفاقا بتاريخ 29/2/2020 شكل أرضية لقراءة مايحدث الآن،وضوء أخضر أتاح لطالبان السيطرة على الأوضاع برضى أمريكي، نص الاتفاق على خمسة بنود تمثلت في:
-انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14شهر.
-تخفض الولايات المتحدة قواتها في أفغانستان إلى 8600 في غضون 135 يوم.
-تسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها جميع قواتهم من خمسة قواعد عسكرية في غضون 135 يوم.
-إزالة العقوبات عن أفراد طالبان بحلول 27 أغسطس 2020
-إطلاق سراح 5000 سجين من طالبان، والي مايصل إلى 1000من الطرف الآخر بحلول 31 مارس 2020.

في زيارة للرئيس الأفغاني أشرف غني للولايات المتحدة في شهر يونيو الماضي ظهر جليا للمتابعين تخلي الأمريكان عن أفغانستان ومحاولتهم الخروج من المستنقع الأفغاني بأسرع ماتيسر ويظهر ذلك من خلال تصريحات المسؤلين الأمريكان إبان الزيارة:
-أكد بايدن كنوع من الدبلوماسية للرئيس الأفغاني(استمرار التعاون الاقتصادي والعسكري)ولكنه أشار في ذات الاتجاه إلى أن قواته ستغادر، ولكن هذه ليست نهاية دعمنا لأفغانستان حسب ماذكر.
منذ أبريل الماضي وضعت أمريكا خطة لسحب حوالي 2500 جندي و16الف متقاعد مدني بحلول سبتمبر القادم الذي يوافق الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر.

وفي ذات الزيارة قال بايدن لنظيره الأفغاني أشرف غني (سيتعين على الأفغان تقرير مستقبلهم وماذا يريدون) مشددا في ذات الاتجاه على مهمة صعبة للغاية للقادة الأفغان تتمثل في وضع حد للعنف.
هذه التصريحات تقرأ مع الهدف الأمريكي المعلن أن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى ملاذا للجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدا للأراضي الأمريكية.

وزير الخارجية الأمريكي إبان الزيارة المشار إليها قال:تشهد أفغانستان تصاعد للهجمات من قبل طالبان ضد القوات الأمنية الأفغانية، تتكثف بشكل مقلق، لكن بقاء الوضع على ماهو عليه ماكان سيساعد!!!!

أشار تقريرلwall street journal لتقرير للاستخبارات الأمريكية يرى، أن حركة طالبان يمكن أن تستولي على كابول خلال ستة أشهر، ومعلوم ماهي أهمية الاستخبارات في صناعة القرار الأمريكي. بالرغم من أن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ أشار إلى أن :قرار بايدن بسحب القوات يترك شركاءنا الأفغان وحدهم في مواجهة التهديدات الخطيرة والسيىىة.!!

هذه الخلفيات تؤشر بوضوح أن الولايات المتحدة ظلت على قناعة تامة بترك الساحة الأفغانية وحلفاءها في مواجهة مصيرهم، وتركت أشرف غني يواجه عزلة دولية والذي أشار دبلوماسي غربي إلى أن غني لايستمع الا لثلاثة أشخاص من حكومته هم مستشاره الأمني ومدير مكتبه وزوجته!! وكان غاية طموحه بعد تدهور الأوضاع هو إقناع طالبان في القبول بدور في حكومة وحدة وطنية انتقالية وتقاسم للسلطة معهم، في الوقت الذي اغري التقدم الذي تحرزه الحركة على استلام السلطة. في ظل الانسحاب الأمريكي والضعف الحكومي.

انعقد في 13/8 الجاري مؤتمر دولي في الدوحة بشأن الوضع في أفغانستان حضرته أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الحكومة الأفغانية وطالبان.
أكد المؤتمر في بيانه الختامي على:
-عدم الاعتراف بأي حكومة يتم فرضها بالقوة.
-عبر عن التوجس الدولي من طالبان.
-ضرورة وقف العنف فورا والتوصل لتسوية سياسية.
-وقف تداعيات العنف المتمثلة في القتل خارج القانون من قبل طالبان.

وفي ذات الأثناء حذر مجلس الأمن من قلقه بشأن الوضع الأفغاني ودعا لتسوية تفاوضية، من جانبه حذرالاتحاد الأوربي بأن طالبان ستواجه عزلة وعدم اعتراف حال سيطرتها بالقوة على مقاليد البلاد.
على صعيد طالبان تعاملت الحركة بتكتيك سياسي عالي جدا حيث لم تبدي تعنتا سياسيا إزاء كل محاولات التسوية السياسية، ولم تبدي رد فعل سلبي إزاء تصريحات دولية من أي جهة كانت، وأكدت على أنها لن تفرض اي شي بالقوة على الشعب وأن باب الحل السياسي مفتوح وأنها حريصة على علاقات دولية متوازنة مع الجميع، ترافق هذا التكتيك السياسي مع تكتيك عسكري بخطف السيطرة والمبادرة العسكرية حيث سقطت كل الولايات والمدن حتى كابل دون قتال أو مقاومة وانسحبت كل أجهزة الدولة الأمنية أمامها في تراجيديا غريبة، الأمر الذي يفسر شيئا ما سيظهر مقبل الايام.

إن ماحدث في أفغانستان أشبه بماحدث في فيتنام بعد الانسحاب الأمريكي عام 1973 وبعد عامين سقطت حكومة فيتنام الجنوبية التي دعمتها واشنطن لتسقط بأيدي القوات الشمالية.،ولكن هنا أشبه بالتسليم والتسلم.

إن تحليل الموقف الأمريكي يمكن قراءته من خلال عدة زوايا أولها ربما اطمئنان الولايات المتحدة الأمريكية لنهاية تنظيمات الإرهاب الديني المتطرفة(القاعدة وداعش، وتنظيمات الجهاد الأفغاني وغيرها) وهي كلها بالمناسبة نشأت داخل الحاضنة المخابراتية الأمريكية في مرحلة ما. وبالتالي عدم قدرتها على تهديد الأمن الأمريكي وقصقصة أجنحتها. ومن جانب آخر فإن تفاصيل تنفيذ اتفاق 29/2/2020 تشير إلى التزام طالبان بعدم إتخاذ الأراضي الأفغانية كمهدد للولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، إذا ماعلم أن للولايات المتحدة مصالح دائمة وليس حلفاء دائمين، هذا مايفسر الغزل المتبادل وفتح الطريق والتخلي عن الحلفاء العملاء القدامى(الحكومة الأفغانية) وللأسف هذه الاتفاقية برغم وضوحها في إعطاء الضوء الأخضر لطالبان بالتقدم، لم تقرأها الحكومة الأفغانية كماينبغي وظلت في عزلتها إلى لحظة السقوط.
إن ماحدث في أفغانستان يشير بوضوح إلى اتفاق دولي عام بدليل أن الموقف الدولي بدأ يتجه نحو التعامل مع الأمر الواقع والاقرار بانتصار طالبان، وهذا مايقرأ من خلال الموقف الأمريكي والصيني والاتحاد الأوربي وروسيا.

من جانب طالبان السؤال المطروح بقوة هل ستظل طالبان في محطة 96 ام ستغادرها وتتغير ويتغير خطابها السياسي والفكري ونظرتها للحكم والدولة بعد عشرين عاما من الغياب؟؟برغم بروز مؤشرات على ذلك في الخطاب الطالباني خلال اليومين الماضيين، لكن مقبل الايام ستكشف عن المزيد.

ثمة سؤال جوهري هل سقطت نظرية الاستعمار والغزو الأمريكي وتنصيب العملاء التي بدأت مع بداية الألفية الجديدة التي دشنت في العراق وأفغانستان والتي استهدفت تعميم النظرة الأمريكية للحياة،إلى غير رجعة؟ وهل التطورات التي حدثت في أفغانستان مرشح حدوثها في العراق في ظل فشل عملاء أمريكا هناك عن قيادة الدولة؟وهل تغيرت سياسة التدخل العسكري المباشر لدى أمريكا بكلفتها الباهظة إلى سياسة الاحتواء والترويض.هذا كله ستجيب عليه الايام القادمة…

التعليقات مغلقة.