رحلتي إلى ٱخر الدنيا 8-مغامران في المتوسط الهائج

رحلتي إلى ٱخر الدنيا 8-مغامران في المتوسط الهائج
  • 06 سبتمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

جمال مهندس فني إريتري يحمل جنسية سودانية عاش طويلا ببلاد النيلين يختص بمجالات التشييد والسباكة وهو صديق الأسرة يتولى كل ما يمت بصلة لمجاله في بيتنا هنا منذ سنين يساعده روبيل وهو إريتري وكلاهما أمريكي في الوقت الراهن.

عكفا قبل فترة على تشييد مخزن بالبيت وتهيئته وبالطبع كنت معهما دوما خاصة في فترات الوجبات والاستراحة.

سألتهما في ساعة صفاء طرائق قدومهما لأمريكا فاتسمت حكايتاهما بالإثارة والاعتبار لذا رأيت مشاركتكم في سردهما الشائق .. التفاصيل إليكموها:

جمال

وصل ليبيا عبر الصحراء القاحلة من السودان في رحلة حفتها الأخطار والعطش والجوع فلجأ إلى سودانيين عزاب وبقي في طرابلس شهرا وعزم متابعة الرحلة إلى أوروبا.

لم تسعفه ظروف لإدراك القارب الذي كان مخططا السفر عليه لكنه سرعان ما سمع انقلابه بمن فيه وغرقهم جميعا ولأن مثل هذه الأخبار الصادمة باتت معهودة لم يكترث فلحق بقارب ٱخر تحرك بهم في جنح الليل وكانت سعته 24 شخصا لكنه حوى ضعفه بينهم نسوة وأطفال.

كان القارب ” السنبك ” يسير بطيئا بسبب حمولته الزائدة وصغر محركه وسط جبال الأمواج العاتية التي تعلو كالجدران المتلاطمة فتبتلع قاربهم في جوفها الذي يظهر مجددا من بين فك البحر المتوسط المفترس.

الماء للركاب بمقدار كذا الطعام والرعب يستبد وفي يومهم الثالث عادت بهم عاصفة للوراء حتى خشوا العودة للساحل الليبي بعد أن كانوا قد لمحوا بصيص ضوء بعيد شمالا لكن قاربهم تقدم مجددا مع هدأة الطقس نسبيا المكشرة أنيابه دوما.

ليل اليوم الرابع كان الطعام والشراب قد نفدا وعلا اليأس وفقد أحدهم عقله حتى بات يصيح مشيرا للبحر:
دي إيطاليا .. وصلنا

محاولا القفز فيمسكون به.. أخيرا صادفتهم دورية خفر السواحل المالطية واقتادتهم إلى سجونها وهي جزيرة تابعة للاتحاد الأوروبي صغيرة يتحدث قرابة نصفها العربية خاصة مع تدفق سياح المغرب العربي وغيرهم فضلا عن الوجود العربي المتصل منذ قرون.
كان المعسكر مكتظا بالأفارقة والعرب بينهم سودانيان من حلفا صنفتهما سلطات المعسكر بأنهما جنجويديان لذا قررت حبسهما سنة و8 أشهر ينظر بعدها في إعادتهما للسودان أو إطلاق سراحهما.
إزاء هذا الظلم والاعتساف لم يجد الحلفاويان بدا من التسلل ونتيجة لتخابث أفارقة اتهم جمال بالتواطؤ معهما لكنه نفى ذلك وفند مزاعمهم وأوضح أنهما لا يمتان بصلة للجنجويد وأنهما قدما معهم على القارب بحثا عن الرزق وأوضح ظروف قدومه ونتيجة تبينهم صدقه فكوا أسره.

في نهاية المطاف وبعد 4 سنين عجاف من الكد والعمل في عاصمتها فاليتا وصل إلى أمريكا لاجئا وهو يكاد لا يصدق.

روبيل

لم تختلف رحلته إلا في التفاصيل عن جمال’ منها أنه أخذ ومجموعته إلى سجون إيطاليا التي عمل فيها 9 سنوات مترعة بالكفاح ليوفر قيمة التذكرة التي حملته جوا من روما إلى كراكاس عاصمة فنزويلا في أمريكا الجنوبية إذ لم يكن متاحا غيرها بحثا عن الأفضل’ علما أن فنزويلا الدولة الثانية في قائمة جرائم القتل عالميا التي تتصدرها هندوراس غير البعيدة.

كانوا 3 إريتريين تنقلوا من دولة إلى أخرى مستخدمين خفية المركبات والمشي في الغابات والصعود في الجبال الوعرة وقطع الأنهار ثم انضم إليهم 7 صوماليين منتصف الرحلة الشاقة عالية الخطورة بينهم من ترافقه أسرته .. تصوروا!

أخيرا بعد شهرين من الاختباء والسير المنهك والعذاب وعبور 7 دول تتمثل في كولومبيا وأقطار أمريكا الوسطى وصلوا المكسيك المتاخم للولايات المتحدة’ التي ألقى القبض عليهم جنودها وهم يحاولون التسلل عبر الحدود بمغامرة حيث اقتادوهم إلى السجون في مدن مختلفة.

كان نصيبه قضاء 6 أشهر في مدينة حدودية وبعد المعاينات والاستجوابات المتعددة أطلق سراحه ليواجه الحياة في بلاد غريبة في ظروف غير مواتية.

.. وبعد

مهما تكالبت الضغوط في رحاب الوطن فإن حضنه أرحم ما لم تجد وسيلة رسمية للعبور للخارج قياسا بمواجع الصحراء وفواجع البحار وقسوة معسكرات اللجوء في الوجهات المختلفة الصارمة الصادمة أوضاعها.
وقديما قال أهلنا في أمثالهم:.
بلدا ما بلدك أرنب ياكل ولدك!

صفحة أشواط العمر في فيس
جريدة التحرير الإلكترونية

سياتل

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.