جنوب كردفان موعودة أم متوعدة؟

جنوب كردفان موعودة أم متوعدة؟
  • 06 سبتمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

العالم دقاش

ابدأ في حياتي لا ايأس مهما صعب علي تحقيق الهدف، بل لا أتشائم مطلقاً، كما قد توحي به المفردة الاخيرة من هذا العنوان. ولكن بين هذا وذاك أحرص في أن أكون مفتوح العينين متيقظ لما هو آت أو قد يحث وذلك بقراءة الواقع بتأني وما يفرزه من معطيات ومهددات.

دأب الناس على إطلاق كلمة واعدة (Promising ( عندما تكون التوقعات مبشرة بالخير. فجنوب كردفان التي هي جزء من كردفان الكبرى بخيرها الجوه وبره رغم محاولات العبث التي تجري لتقسيمها ومحو اسمها التاريخي بالتقسيم والتوزيع ، تحت شعارات ومبررات لا معنى لها و باسم إتفاقيات السلام ، وبدعة مسار الوسط ، ترضية و تلبية لطموحات مجموعة من المتنطعين السياسيين والانفصاليين الذين يتسابقون للصعود على أكتاف الصابرين. إن السلام لا يصنعه العاطلين عن العطاء على الارض بابتداع مشاريع حلول لقضايا تقاصرت دونها همتهم و قاماتهم السياسية. لكن مواطن كردفان لهم بالمرصاد، وحتى الآن لم يقل كلمته في ذلك. ولن تقيده سلاسل صنعت لتكبيل ارادة إنسان كردفان الذي سيقف معه كل السودان. أتركونا واتركوا لنا كردفان الكبري بإنسانها البديع و تاريخها وماضيها الجميل. اي حرية وتقرير مصير وتمكين يريده القادمون .هذه مقدمة كان لابد منها وسيتبعها فعل من الكردفانين إذا لزم.

تاريخ الحضارات العظيمة القديمة يقول أن بُناتها هم الجبابرة والطغاة وليس غيرهم. الذين سخروا شعوبهم لتنفيذ ما يرون ربما بالحديد والنار، والنتيجة فقد تركوا بصمات ظلت شاهد باق الى اليوم. وكيف لنا توفيق ذلك مع الحداثة الممعنة في حرية الفرد العاطل عن الانتاج والابداع، ورغبتنا في بناء مدنية راقية في حكم حضارة. وايهما الامثل في بناء المجتمعات ؟ مع هذه الصورة القاتمة عن حكام الدهور الغابرة ، فإن الاحفاد ظلوا يتغنون بهذا التاريخ والانجازات العظيمة ويتفاخرون بها. الم ينشد شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدته ” مصر تتحدث عن نفسها” متفاخراً بماضيه القديم والحديث وفراعنته الشداد والتي مطلعها:

وقف الخلق ينظرون جميعاً **** كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الاهرام في سالف الدهر **** كفوني الكلام عند التحدي
نعم حضارة مصر القديمة فخر لهم وحق لهم أن يتفاخرون بها، لكن هل تسائلوا كيف حمل عمال بناة الاهرامات في ذلك الزمان ضخور وزنها بالاطنان الى أعالي هرم يبلغ ارتفاعه أكثر من مائة وثلاثون قدم، تعجز رفعه أكبر آليات اليوم!! لقد فعلوا ذلك واي كانت الوسيلة والاسلوب، سُخرة او استعباد لشعوبهم. لكن في النهاية أحُتسب ذلك لهم اليوم انجازاً حضارياً ومجد يفتخر به جيل اليوم.

بل لقد قرأنا ايضاً في ملحمة “جلجماش ” في ارض الرافدين بالعراق التي كتبت على اثني عشر لوحاً من الطين في الالف الثامن عشر قبل الميلاد. حيث سجلتً عنف الصراع والدماء التي اريقت بين افراد الاسرة الواحدة الاب /الزوج/ الابناء من أجل تثبيت شوكة الحكم وهي بلغة اليوم هيبة الدولة، والمحصلة كانت شموخ المنتج وابداع حضاري خلد اسماء مثل اشور بن بعل ونبوخز نصر وحمورابي وآخرين بعدهم وفي حكمهم. تلك هي سير الغابرين الذين نحتوا الجبال بيوتاً. رغم ماقد نستنتجه من ظلم وقهر فهل هناك ما هو وسط بين هذا وذاك يحفظ كرامة الانسان مع تحقيق مثل هذه الانجازات العظيمة ؟ لهذا فقد أهتم المستعمر الاوروبي بدراسة تاريخ واثار الشعوب المستهدفة ليتعرف عليهم ويجيب على سؤال أي نوع أنت من الشعوب؟ وما هي الطريقة الانسب لحكمك؟ فهل لنا أن نوفق بين الحرية وجدية العمل من أجل البناء والنماء في سودان اليوم.

لقد فجر الشعب السوداني في عصره الحديث، ثلاث ثورات عظيمة ضد الظلم والقهر.كان آخرها ثورة ديسمير المجيدة 2019م. كلها جاءت بالحرية معطونة في دماء الشهداء ومملوحة بدموع الثكالى، وتغنينا بهذه الانجاز والمجد والعالم يصفق لنا دون أن تستثمر ثمن هذه الحرية الغالية في بناء الوطن. فأختزلين معنى الحرية في حق أن أقول وافعل ما اريد. فسرقنا الزمن ونحن نمشي ببطى نحو الهدف النبيل، وأدعينا أن الثورة قد سرقت أو أختطفت لكنها لم تختطف وانما نحن الذين اضعناها تحت احجار المتاريس وجلسات ميادين شرب الشاي.

لا اشك أبداً أن قيمة الحرية تعلو فوق كل القيم، لكن مع التحفظ في أن الحرية المطلقة بلا ضوابط لا تبني الاوطان بل هي الفوضى. صحيح أن حكومة الثورة قد حققت انجازات عظيمة خارجياً في إعادة تعريفنا للمجتمع الدولي وقبوله لنا بعد أن رفضنا طويلاً لسوء السلوك. لكن على المستوى الداخلي كان أداؤنا متواضعا الى حد العدم بسبب الخلط بين مصلحة الوطن ومصالح تنظيماتنا السياسية التي علت فوق كل الاولويات. نتصارع ونستهلك انفسنا فتضيع علينا فرصة أن نضع طوبة في البناء.

لم ار في هذا البلد من يعمل فيها بجد واخلاص ، إلا رجل المرور الذي تحاصره المركبات وتلفحه اشعة الشمس ويتخذ قراره في تنظيم الحركة حتى في غياب مساعدة إشارات المرور الضوئية. التحية لكم اصحاب السترات البيضاء من افراد وضباط شرطة حركة المرور.

نعود ال ولايتنا جنوب كردفان الم نقل تفاؤلا ًوبحسابات الواقع والموارد أنها واعدة ؟ إن المكلف بادارة شئون هذه الولاية الدكتور حامد البشيرهو أكاديمي متخصص في علم الاجتماع السياسي يضاف الى ذلك أهتماماته القديمة بقضايا المنطقة. فقرائته للواقع ومدخله لمعالجة مشاكل المنطقة قطعاً قد يكون مختلفاً. إن طرح شعاراًالتنمية الفضفاض يكلف الحاكم كثيراً، اولها فقدان المصداقية لتعذر امكانية تحقيق اي مشروعات تنموية إلا بعسر شديد. والوالي أصلاً يعرف أنه قد كلف واعطي حبالاً بلا بقر، وبمعني آخر بلا تمويل. لكن حسنا ًفقد قبل التحدي كغيره الكثيرين وظل يقول أنا موجود حيث نفذ الى المواطن اجتماعياً قبل أن يدغدغه بحلم التنمية وتوفير المفقود من الخدمة. بل كان متفهما لحيز المناورة الضيق. فبدأ بالمتيسر له وهو معالجة الواقع الاجتماعي بترميم نسيجه المتمزق بتركيزه على المصالحات الاجتماعية. أملاَ في توفير بيئة للسلام الاجتماعي كمدخل لجذب مشاريع التنمية الهاربة بسبب عدم توفر الامن والاستقرار. وفي رأي أنه قد نجح بقدر كبير في تأسيس قاعدة وبنية تحتية إجتماعية متصالحة ، رغم المهددات القبلية التي أخذت تتفجر الغاماً هنا وهناك. لقد هدأ معارضوه الذين تبين لهم لاحقاً أن الرجل جاء في ذهنه أن مرجعيته السياسية هي مواطن جنوب كردفان. بل تأكد للكثيرين أنه متحرراً من اسر القبيلة التي التي ساء اهله ذلك، لعدم بره لهم بميزة. ولماذا لا يكون مبدأ أهل الولاية هو تحقيق مصلحة الولاية و الوطن. ومن ثم دعم وتأييد أي والي يتولى أمرها سواء من الحركة الشعبية أو أي قوى سياسية أخرى، طالما كان متصالحاً مع مكوناتها الاجتماعية حريصاً على ثوابت المنطقة والوطن.

من هذا المعطيات اعلاه نقول أن الولاية ورغم التحديات الراهنة المتمثلة في تصاعد نبرة القبلية المفتعلة ، هي ولاية واعدة ففيها الزراعة والمراعي الواسعة. ارض تحتضن في باطنها المعادن النفيسة ويمشي على مروجها أنسانها الطيب المتسامح. اليست كل هذه المقومات جديرة بأن تجعلها ولاية واعدة المستقبل. وفوق هذا وذلك انقل اليكم آخر وبعض المبشرات الواعدة المجدولة في مصفوفة التنمية لهذا العام ، والتي تضمنت خطط لتنفيذ مشاريع نوعية طموحة وهذه المرة لا نقول “حبالاً بلا بقر” لان ورائها مستثمرين بمعدل مصداقية وجدية عالية. وهم الاتحاد الاوروبي/ البنك الاسلامي للتنمية/ الدولة السعودية وآخرين. حيث شملت مصفوفة هذه المشاريع التنموية تمديد خط السكة الحديد ليتفرع من مدينة أم روابة ويتمدد جنوباً ليمر عبر عدة محطات داخل جنوب كردفان/ بناء مطار اقليمي بمدينة ابوجبيهة الخضراء الجميلة / تنشيط استئناف العمل في الطريق الدائري الذي توقف في ابوجبيهة ليكمل دورته المرسومة جنوباً / بناء مصنع لتعليب الخضروالفواكه وعصائرها في مدينة تاندك/ إقامة مدبغة للجلود بجوار أكبر سوق في افريقيا للقطعان و الابل في الحاجز. هذاإضافة الى مشاريع أخرى لتأهيل مصانع النسيج في الدلنج وكادوقلي وتأهيل محالج القطن المتوقفة. وغيره من المشاريع وللتفصيل ايها القارئ الكريم أسأل حكومة ولايتك.

الخلاصة أن الدولة لابد لها من انياب لأن الحرية المطلقة بلا ضوابط لن تبني وطناً ولن تثبت اركان دولة هشة التكوين. بل لابد من معينات أخرى وأهمها حمل الناس واقناعهم على احترام النظام وفرض القانون بالقوة. وارشادهم الى الطريق الذي يؤدي الى مواقع الانتاج. وإلا بخلاف ذلك ستسود الفوضى باسم الحرية وستختفي الدولة المناط بها توفير الامن والاستقرار اللازمين لحركة الانتاج والنماء.

دعونا نرجع الى لبداية المقال لتأكيد ضرورة الحرص والتيقظ. فامامنا تحديات ومتاريس أخذت تطل علينا بقوة وهي دولة القبيلة والتفلت. وهذا ليس في جنوب كردفان أو كردفان الكبرى بل في كل السودان شرقه وشماله بل داخل العاصمة الخرطوم، ولنا من قبل في دار فور الكبرى سوابق. نعم لقد تعالت نبرة ارضي وحدودك، وإجلاء هذه القبيلة أو تلك. وهذا بلا شك لو سمح له بالتصاعد دون الحسم بقرار مركزي يسنده القانون الصارم وتحرسه القوة ، فيعني ذلك أن هناك حرب قبلية قادمة ستصل حتى داخل العاصمة الخرطوم. وقد يعاد ترسيم الحدود حيث يرى البعض أن حدوده قد اقتطعت أو عدلت لصالح اقليم دون آخر.

رغم كل هذه النُذر استطيع أن أقول إن الوطن أوتاده ثابتة. ولن يستمر عبث العابثين ، حتى لو أقتضى الامر إعادة التعريف بمقاصد ثورة ديسمبر العظيمة من جديد. وأقول مين يحرس حدود هذا الوطن غير جيشنا العظيم ، ومين يمنحه العز والالق غير الوطنيين الصادقين، ومين يبنيه غير سواعد شبابنا العصي على الذل والاستسلام ، وفينا حواء الثائرة التي رابطت في الميادين مشاركة بقوة وهي تلهب حماس الجماهير الهادرة عندما يحمى الوطيس.. نعم والله أن اوتاد هذا الوطن ثابته ولن تتزعزع وفينا أحفاد شيكان وكرري وأم دبيكرات العبَرة. وإن وحدة الوطن باقية تاجها حق المواطنة وديننا الحنيف وهو المتعايش مع معتقداتنا الكريمة في هدوء. فذلك هو التنوع والتعايش بتراض. والم يقل ديننا في محكم التنزيل .يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات: 13) فذلك منهج ولنجتمع عليه كمواطنين تحت ظل وشوكة الدولة العادلة. فالحرية المطلقة في غياب الضابط هي الفوضى وفي حكم طفل يتعلم المشي بحركة متعثرة فإن لم يجد الرعاية والمتابعة دمر ما حوله وقد يؤذي نفسه. وإلى غد أجمل يا حبيبنا يا سودان.

الوسوم العالم-دقاش

التعليقات مغلقة.