أفضل وأسوأ سيناريوهات الأزمة السياسية الراهنة

أفضل وأسوأ سيناريوهات الأزمة السياسية الراهنة
  • 30 سبتمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

د. محمد عبد القادر سبيل

ليس من المتوقع أن تستمر العلاقة بين جناحي السلطة الانتقالية في السودان بشروطها الراهنة بعد ان دخلت الأزمة بينهما مرحلة القطيعة والتحدي وما صنع الحداد.
قادة التيارات اليسارية الأربعة يراهنون على المواجهة بالمواكب المليونية والمتاريس بجانب الدعم الدولي. بينما العساكر يراهنون على تصاعد تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية وسوء الخدمات بصورة متزايدة في ظل استمرار عجز الحكومة الانتقالية حتى لتكاد تكون (حكومة نظريات واحلام ) منتظرة الى الأبد بما في ذلك النجاحات الاقتصادية النظرية التي لم تتنزل على حياة المواطن بالتغيير للافضل ( استقرار العملة وانخفاض معدلات التضخم والحصول على معونات دولية مليارية ورفع العقوبات الاقتصادية الدولية).
وفِي الحالتين فإن غمار الشعب وكالعادة مازالوا يعضون على جمر المعاناة وانتظار الفرج.
فما هي السيناريوهات المُحتملة لمستقبل هذا الصراع المحموم حول السلطة؟.
الاحتمالات عديدة والسودان دون سائر بلاد الله تعالى يفاجئك دائما بما ليس في الحسبان ويكون مع ذلك طبيعيا ومألوفاً حين يقع.
مهما يكن فسوف لن نرجح حدوث أي سيناريو بعينه، ولكننا سننبه الى أسوأ السيناريوهات المحتملة سائلين الله عز وجل ان يجنبها السودان.

اولاً عناد الطرفين وتشددهما في المواقف من شأنه أن يفضي الى العلاقة الصفرية فتقع البلاد برمتها في الفوضي والمواجهة، خاصة اذا وقفت بعض مليشيات الحركات المسلحة ضد العسكر او حدث تدخل دولي مسلح او لجأ الشبان المحتجون الى العنف والتخريب.

السيناريو الأسوأ الثاني هو أن يزهد قادة الجيش وينسحبوا من السلطة تماماً نافضين يدهم عن الحكم ليخلص الأمر للقوى السياسية التي تنازعه الآن فيأنف العسكر عن القيام بأي دور لحفظ الأمن والاستقرار في ربوع البلاد فحينئذ سيغرق قادة كيانات التحالف اليساري الحاكم في شبر ماء خاصة اذا نشطت ضدها قوى النظام الاسلامي السابق بجانب ضغوط الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا وتصاعدت أزمات المواطن المتعلقة بتدهور الخدمات العامة كالعلاج والتعليم والكهرباء والماء والوقود ووسائل النقل وتوفير السلع الاساسية بأسعار مخفضة و هذا كله متوقع بقوة في المرحلة المقبلة بعد انقطاع الطريق الحيوي الذي يربط الخرطوم بميناء بورتسودان على البحر الأحمر وهو بمثابة شريان الحياة وقد قطع من جانب قوى قبلية يمكن ان تتحول الى مسلحة وهي ترفض استمرار الحكومة المدنية الانتقالية وتنادي بتسلم العسكر للسلطة.
والأهم من كل ذلك انعدام الخطة الاستراتيجية الواضحة والمعلنة من جانب حكومة الدكتور عبد الله حمدوك لتجاوز الظروف المعيشية القاسية حاليا.
هذا السيناريو يعد جحيما لا يطيقه الا المستفيدون من استمرار الحكم بصيغته وظروفه الراهنة وهي قوى الحرية والتغيير (قحت ) المتنازعة فيما بينها حول حصص السلطة والنفوذ نزاعاً أشد من نزاعها مع العسكر وذلك بسبب هيمنة قوى محدودة بلا وزن جماهيري على الفرص وتحكمها في الدولة باسم الثورة والثوار.
وينبغي أن نشير الى ان مكمن خطورة هذا الاحتمال هو انك ستسلم السلطة كاملة لمن فشل بوضوح في ادارة نصف السلطة وتسلم السلطة كاملة لمن يرفض خوض أية انتخابات تحدد مشروعيته ووزنه السياسي حتى اذا منع حزب المؤتمر الوطني البائد من المشاركة فيها. فقط يريدون السلطة كاملة لهم وحدهم ( التنفيذية والسيادية والتشريعية والقضائية) على مدى اربع سنوات فأكثر، ثم يتوقعون بعد هذا ان يقف جميع خصومهم ومنافسيهم والجيش والشرطة والأمن تعظيما وخضوعاً مخلصا بحجة انهم قادة الثورة.

السيناريو الثالث هو اعلان تحالف سياسي جديد يضم الجيش والدعم السريع مع الحركات المسلحة بجانب الاحزاب الاخرى خارج السلطة الحالية فضلا عن الإدارات الأهلية ومن شاء من تنظمات ( قحت) لتحكم فترة انتقالية جديدة تعقبها انتخابات عامة
فهذا المعطى من شأنه ان يفرز مجازر اخرى لا تقل بشاعة من مجزرة القيادة العامة للجيش التي حدثت في يونيو ٢٠١٩م.
لماذا؟
لأنه يعني استبعاد مجموعة الأربعة احزاب من صدارة الحكومة المدنية
وهذه مسالة حياة او موت بالنسبة اليهم حيث لهم غايتان لا يتنازلون عنهما ولذلك سيستقتلون من اجل الاستمرار.
اما الاولى فهي فرصتهم النادرة التي حصلوا عليها فجأة وفي ظروف استثنائية مكنتهم من تسنم حكم السودان وسوف يعضون عليها بالنواجذ مهما يكن الثمن.
وأما الثانية فهي اجتثاث شأفة الإسلاميين بحزم والانتقام منهم وقطع طريق عودتهم مستقبلا.
ولذلك فلا تنازل ولا مساومة حتى الموت..
يبقى ان نوضح سبب هذه الأزمة الاخيرة المتصاعدة بين الجيش والمدنيين انها الضغوط التي يتعرض لها رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق اول عبد الفتاح البرهان من داخل المؤسسة العسكرية وخارجها من اجل اقالة الحكومة الفاشلة وفض الشراكة مع الاحزاب القليلة الحاكمة ومهيمنة دون تفويض انتخابي .
حسناً ، بعد هذا كله فماهو السيناريو الأفضل في نظرنا؟
أن يتواضع الجميع على مايلي:
اولاً حل حكومة حمدوك وتكليف حكومة جديدة من الكفاءات الوطنية المستقلة برئاسة الفريق اول عبد الفتاح البرهان.
ومجلس سيادة جديد من مكوناته الحالية برئاسة الدكتور حمدوك.
ثانيا تشكيل محكمة دستورية ومحكمة فساد بعد اجازة قانون محاربة الفساد فورا دون تاخير
ثالثا تشكيل المجلس التشريعي ٥٠٠ عضو من خمسة مكونات بالتساوي هي: رجال المقاومة ، الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا، احزاب قوى الحرية والتغيير، الاحزاب السياسية غير المؤتمر الوطني ، ثم حصة لتوازن المجلس يقوم بتعيينها كل من رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء مناصفة.
رابعاً إلغاء استحقاقات مسارات الشرق والوسط والشمال في اتفاقية جوبا ومعالجة نتائج الالغاء بصلاحية تعيينات الرئيسين.
خامسا إنفاذ جميع قرارات لجنة ازالة التمكين فورا واستلامها من جانب وزارة المالية وتحديد موعد لحل اللجنة بعد انشاء محكمة الفساد.
سادسا الاعتراف بحزب المؤتمر الوطني وقواعده إنفاذا لشعار الثورة (حرية سلام وعدالة) بعد تعهد قياداته غير المتهمة باحترام مبادئ واهداف الثورة ومواثيقها والموافقة على عدم خوض انتخابات ٢٠٢٤ واحترام نتائجها .
الباب الذي تأتيك منه الريح سده واسترح.

د. محمد عبد القادر سبيل
خبير ادارة استراتيجية وباحث اقتصادي

التعليقات مغلقة.