السودان: السلطة والتراث (الآن بالمكتبات)

السودان: السلطة والتراث (الآن بالمكتبات)
  • 12 ديسمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

د. أحمد إبراهيم أبوشوك

مقدمة
السودان: السلطة والتراث (الآن بالمكتبات)
الجزء السابع
الناشر: أمدرمان: مركز عبد الكريم ميرغني، 2021م
أحمد إبراهيم أبوشوك


يحتوي الجزء السابع من سلسلة “السُّودان: السُّلطة والتُراث” على مجموعةٍ من الدراسات الأكاديميَّة والمقالات، التي نُشرت في مناسباتٍ متنوعةٍ وعبر وسائط نشرٍ مختلفةٍ؛ لكن آثر المؤلف جمعها وإعادة نشرها في سلسلة “السُّودان: السُّلطة والتُراث”؛ لتكون متاحةً للقارئين والباحثين في الشأن السُّوداني. وقد اقتضى تنوع موضوعاتها وتقاطعاتها مع السُّلطة والتُراث من زوايا متعددةً، ضرورة تصنيفها إلى فصلين، هما: السياسة والثورة، والتاريخ والتراث. ويبدأ الفصل الأول منهما بمقاربة تاريخية-تحليلية “لمؤتمر القمة العربي الرابع في الخرطوم 1967م”، والذي وصفه بعض الباحثين بمؤتمر “الصمود والتحدي”، محتجًا بلاءاته الثلاثة، التي رفضت الاعتراف بدولة “العدو الصهيوني”، أو التفاوض، أو التصالح معها؛ بينما نَعَتَ فريق آخر من الباحثين المؤتمر بمؤتمر بداية التنازلات العربية عن الحق الفلسطيني والتفاوض غير المباشر مع الإسرائيليين. فالدراسة تقدم عرضًا تحليليًا في ضوء هاتين التصنيفين؛ وترتبط من طرفٍ آخرٍ بالمقال السابع، الذي يناقش مبررات انتقال الخرطوم من مربع “الصمود والتحدي” إلى مربع التطبيع مع إسرائيل، وكيف تشكلت ردود أفعال القوى السياسية السُّودانية تجاه هذا الانتقال المفاجئ؟ ويتناول المقال الثاني، الذي نُشر في 30 ديسمبر/كانون الأول 2018م، دوافع “التظاهرات ضد حكومة الإنقاذ”، والتساؤلات عن: “مَنْ هم المتظاهرون؟ وما مسوغات تظاهرهم؟”. ويقدم المقال الثالث مراجعةً تحليليةً لكتاب محمد الحسن ولد لبات، “السُّودان على طريق المصالحة”، بغية الإفادة من شهادة الوسيط الإفريقي، الذي يسَّر عملية المفاوضات بين قوى إعلان الحرية والتغيير ومنظومة الأمن والدفاع، والاستئناس بها في إحداث مصالحة وطنية حقيقية؛ لتجاوز تحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. ويأتي بعد شهادة الوسيط الإفريقي، المقال الرابع عن “الثورة والانتقال الديمقراطي في السُّودان”، مركزًا على دور حركات الكفاح المسلح في الاحتجاجات الثورية التي أفضت إلى إسقاط حكومة الإنقاذ في 11 أبريل/نيسان 2019م؛ وكيف تفاعلت تلك الحركات مع المفاوضات اللاحقة، التي أفضت توقيع الوثيقة الدستورية، وتشكيل الحكومة الانتقالية؟ ويحلل المقال الخامس “اتفاق إعلان المبادئ”، الذي وقَّعه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة مع الفريق عبد العزيز آدم الحلو، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السُّودان- شمال، وتداعيات هذا الإعلان على المشهد السياسي، علمًا بأنَّه في جوهره ينادي بفصل الدين عن الدولة. ويلقي المؤلف في المقال السادس الضوء على تجارب الثورات الشعبية السابقة لثورة ديسمبر/كانون الأول 2018م، وكيف نجحت قياداتها في إزاحة الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة آنذاك؟ مع النظر بعين الاعتبار إلى أنها لم تفلح في إحداث التغيير المطلوب. إذًا ما الدروس والعبر المستفادة من تلك التجارب، وكيف يمكن توظيفها لإنجاح الفترة الانتقالية الحالية، وتعبيد الطريق لإحداث تحولٍ ديمقراطيٍ مستدامٍ. ونختم هذا الفصل بمقال عن عالم السياسة الطيب زين العابدين (1939-2020م)، الذي كتب سلسلة من المقالات المؤيدة لثورة ديسمبر/كانون الأول 2018م، والمحذرةَ في بعض جوانبها من مآلات الانتقال الديمقراطي غير المدروس، وإرتداداته السالبة التي يمكن إفرازها على الساحة السياسية.
أما الفصل الثاني “التاريخ والتراث” فهو عبارة عن تقديمات لأربعة كتب نفيسة عن تاريخ السُّودان وتراثه. ويأتي في مستهلها الورقة التي قُدمت في حفل تدشين كتاب “تاريخ ملوك سنَّار والحُكم التركي-المصري في السُّودان (1504-1872م)”، لمؤلفه أحمد بن الحاج أبو علي (كاتب الشونة)، ومحققه الأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن، الذي أمضى خمسة عقودٍ (1968-2018م) في تدقيق المخطوطة وإعدادها للنشر. وقد أبرزت هذه الورقة أهمية النصَّ المحقق من الناحية التاريخية والتراثية، وأبانت رصانة التحقيق، الذي اتبعه المحقق في التثبت من صحة النصّ، ورفد حواشيه بالعديد من الشروحات والتعليقات والتفاسير والتراجم. ويلي هذه الورقة تقديم الطبعة الثالثة لكتاب “تاريخ السُّودان الحديث (1820-1955م)”، الذي ألَّفه الأستاذ الدكتور محمد سعيد القدال (ت. 2008م)؛ ليكون مرجعًا للدارسين والباحثين في تاريخ السُّودان الحديث. وتتواصل هذه السردية التاريخية، بتقديم كتاب الأستاذة الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه، “تاريخ السُّودان المعاصر (1955-1969م)، الذي يحتوي على مقاربة توثيقية لفترات الحكم الوطني التي أعقبت الاستقلال، وانتهت بانقلاب 25 مايو 1969م. والتقديم الثالث لكتابٍ من جنسٍ آخرٍ، بعنوان “السُّودان المعادة روايته: كتاب فني عن تاريخ ومستقبل السُّودان”، لمجموعة من كُتَّاب الكوميك، ومصممي الجرافيك، والطهاة، ومنتجي الأفلام، والرسامين، الذين اجتهدوا في أنْ يوثقوا لشذراتٍ من تاريخ السُّودان القديم والوسيط والحديث والمعاصر، في شكل قصص مصورة، وحكايات مقروءة، ورسوم تجريديَّة، وصور محسوسة مُعَبِّرة، تشرح مضامينها بعض النصوص التوضيحية المصاحبة لها. ويلقي المقال الخامس الضوء على الحدس التوثيقي للإمام الصادق المهدي (1935-2020م) والآثار المكتوبة التي تركها في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر. ويعقب ذلك إضاءات كاشفة على سيرة عَلَمين؛ ارتبط اسم أحدهما بأدبيات التراث الشعبي وشواغل الريف الحياتية، والآخر بمهنة التعليم والتعلم. أولهما “العُمْدَة إبراهيم محمد أحمد أبوشوك (1930-2018م)، آخر زعماء الإدارة الأهلية في الولاية الشمالية”، والذي دفع نبأ وفاته في 20 سبتمبر/ أيلول 2018م المؤلفَ إلى إلقاء إضاءاتٍ كاشفةٍ على جوانب من سيرة حياته؛ وثانيهما الأستاذ محمد الحسن أحمدون (1935-2019م)، الذي كان مديرًا لمدرسة كورتي الثانوية للبنين (1981-1983م)، عندما كان المؤلف طالبًا بالمدرسة نفسها، وشاهدًا على عطائه الساهر؛ لينير طُرُقَ الفلاح والنجاح لطلبته.
تكمن أهمية هذا الجزء السابع من “سلسلة السُّودان: السُّلطة والتراث” في أنه يعكس تقاطعات التاريخ العالمي والإقليمي والمحلي في السُّودان، إذا قراءنا بإمعانٍ الأسباب الكامنة وراء عقد مؤتمر القمة العربي الرابع في الخرطوم عام 1967م، وإفرازاته السياسية والدبلوماسية، والابتزاز العالمي والإقليمي الذي مورس على الحكومة الانتقالية لدفعها نحو الانتقال من مربع الصمود والتحدي إلى مربع التطبيع مع دولة إسرائيل. كما أنَّ هذا الجزء يؤكد أنَّ تاريخ السُّودان كغيره من تواريخ الشعوب الأخرى، في حالة تواصلٍ دائمٍ لا ينقطع، وإنَّ تقسيمه إلى حقب تاريخية قديمة ووسيطة وحديثة ومعاصرة هو مجرد تقسيم صوري، أو تقسيم اقتضته إجراءات البحث العلمي؛ إلا أنَّ كثيرًا من السياسيين والنشطاء السُّودانيين- إن لم يكن كلهم- ينظرون إلى حركة التاريخ السُّوداني حسب تماهي الأحداث التاريخية مع أجندتهم الفكرية والسياسية، غاضين الطرف عن المقاصد الكامنة وراء عملية الاستمرار والتغيُّر في مسار التاريخ السُّوداني، ولذلك يكرر السياسيون السُّودانيون أخطاء أسلافهم نفسها، دون هُدًى أو كتابٍ منيرٍ. ولعلنا نلحظ في هذا الفصل أنَّ نموذج الاستمرارية والتغيُّر في حركة التاريخ السُّوداني يتجلى بصورة واضحة في مجلدي “تاريخ السُّودان الحديث”، و “تاريخ السُّودان المعاصر”، وكذلك في مقال “تجارب الانتقال الديمقراطي في السُّودان”؛ لأنَّ القراءة الموضوعية لأحداث الماضي وفق مسارَيْ صيرورتها وتغيُّرها المُمْتَدَّيْنِ تُسهم في إنتاج فهمٍ أفضلٍ للحاضر، واستشرافٍ راشدٍ للمستقبل. وتؤسس لرؤية استراتيجية، تُراعَى فيها عناصر القوة وعناصر الضعف في مكونات المجتمع وهياكل الدولة السُّودانية ووظائفها، ومهددات الفترة الانتقالية، والفرص المتاحة لإنجاز تحول ديمقراطي مستدامٍ. فعدم استيعاب تجارب الماضي السياسية الموجبة والسالبة قد دفع مجموعة من أنصار ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018م وشعاراتها القائمة (الحرية والسلام والعدالة) إلى دعوة الفاعلين السياسيين إلى منصة التأسيس التي انطلقت الثورة السودانية منها؛ وذلك لتجاوز تحديات الفترة الانتقالية الراهنة. ومن زاوية ثالثة، نلحظ في هذا الفصل الثاني أنَّ كتابة تاريخ السُّودان وترجمة مدوناته المصدرية لم تكن حكرًا على المؤرخين وحدهم، بل تعدتهم إلى ثلة من المهتمين والهواة، الذين سعوا إلى توثيق الأحداث التاريخية التي تقع في دوائر إختصاصاتهم المهنية، أو إعادة النظر فيها من واقع نظرتهم الفنية لتشكل الأحداث التاريخية والظروف البيئية المحيطة بها، أو لأن لديهم فيها نظرة تختلف عن نظرة المؤرخين الذين وثقوا لتاريخ السُّودان، سواء كان ذلك الاختلاف من حيث الموضوعات التي تناولها المؤرخون، أو المنهج البحثي الذي استخدموه في إنجاز دراساتهم، أو المدونات المصدرية التي اعتمدوا عليها. ويظهر ذلك بجلاءٍ في كتاب “السُّودان المعادة روايته”، الذي أعده رهط من الفنانين التشكليين، ومنتجي الأقلام، والرساميين، والطهاة.
شكر وعرفان
بعد هذا العرض لمحتويات الجزء السابع من سلسلة السُّودان: السُّلطة والتراث وأهميته، تبقى لي كلمة أخيرة، قوامها الشكر والعرفان إلى كل الذين قرأوا مسودات هذا الجزء في مراحل تحريرها المختلفة، وقدموا العديد من التعليقات والتصويبات المفيدة، التي أسهمت في تثقيف النصَّ موضوعًا ومنهجًا، وفي إخراجه للقارئ الكريم بالصورة الماثلة بين يديه. وأذكر منهم: الأستاذ السِّر سيدأحمد (تورونتو، كندا)، والأستاذ محمد إبراهيم أبوشوك (الدوحة، قطر)، والأستاذ محمد عبد الحليم (جامعة قطر) والدكتورة نوار الشيخ محجوب جعفر (الدوحة، قطر). ولا أنسى الجهد المقدر الذي بذله الدكتور صلاح مدني (طوكيو، اليابان) في قراءة المسودة الأخيرة لهذا الكتاب وتدقيقها لغويًا وأسلوبيًا، فله منى جزيل الشكر والعرفان. ويمتد الثناء والتقدير المستحق إلى أسرة مركز عبد الكريم ميرغني بأمدرمان، التي تكفَّلت بنشر الأجزاء الستةً الأولى سلسلة السُّودان: السُّلطة والتراث، وتوزيعها؛ وللأستاذ أسامة عوض الريح، مدير دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع (الخرطوم)، الذي رحب بنشر هذا الجزء السابع من سلسلة السُّودان: السُّلطة والتراث.
أحمد إبراهيم أبوشوك
الدوحة، 6 يونيو/حزيران 2021م
ahmedabushouk62@hotmail.com

التعليقات مغلقة.