خاطرة عن حوار لقمان مع برهان !

خاطرة عن حوار لقمان مع برهان !
  • 15 فبراير 2022
  • لا توجد تعليقات

عبدالرحمن الأمين

شاهدت كامل التسجيل للحوار الذي اجراه زميلنا الاستاذ لقمان احمد مع الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس السلطة الانقلابية في السودان .
من شاهد تلك الحلقة آملًا في جديد فلابد أنه قد تحسر علي ضياع ساعة مستمعا لحديث متناقض ومرئيات متلاطمة من قائد مركب يراها كل الناس تغرق ، الا هو يكابر علي بطلان مايشهد ! تحليليا ، بدا ظاهرا ان البرهان يمشي علي خطي البشير في توهم القوة والقدرة علي مواجهة الامم المتحدة وبلدان الترويكا ومن قبلهم شعب السودان العظيم. فالرجل يعتقد ان القيادة هي ممارسة لعبة الملوص ، وأن يكون حاويا في تخليط الالفاظ حتي يستوي تكذيب الواقع بالكذب علي المستقبل . بالنسبة له فالشعب السوداني وكل الدنيا ليسوا سوي قطيع من الانعام والماعز لم يفتح الله علي عباده من يضحك ويتذاكي عليهم الا هو .
يكفي هذا عن محتوي اللامحتوي!
قبل ان اقول شيئا عن زميلنا الاستاذ لقمان ، يتعين عليّ ان أستجير عن الاستطالة ، واتعوذ من دعاوي علو الكعب ، أو التنطع المهني وتصنع الاستاذية .
أشهد أن الاداء الصحفي للاستاذ لقمان كان مهنيا بامتياز وبرهن عن قدرات احترافية رائعة . أقول ما قلت من منظور التعايش اللصيق مع المخرجات اليومية للعملية الصحافية.

لقد سأل الأستاذ لقمان كل الاسئلة ذات الصلة بالراهن السياسي ، وكان بعضها مدببا وحادا كما ينبغي ، وتقافز بين النقاط بسلاسة لاعب السيرك المتمرس، وربط بين محاور الحديث بحذاقة واقتدار .
نعم ، كانت هناك بعض الاسئلة الاستتباعية Follow up questions التي تمنيت لو انه سألها مستفيدا من تلك الخاصية النادرة التي توفرها الحوارات المباشرة المفتوحة السقف. بيد ان عدم سؤاله عن تلك الاسئلة الاستطرادية المتفرعة ، لم ينتقص من شمولية اللقاء ، ولم يكن ذلك خصما علي مهنية لقمان.

فمثلا ، كنت اتمني ان يتطرق لعلاقة برهان بمصر جراء الفضيحة الداوية التي تسببت فيها تروس الشمال وما أظهرته من نهب مريع لبلادنا . أيضا تمنيت لو سأله عن درجة تنسيقه مع نائبه ، حميدتي ، وإن كان يعلم او يتفق معه مسبقا علي ما سيتم نقاشه في زياراته الخارجية التي تبدو استراتيجيا منجذبة لمحور اثيوبيا – الامارات ، إسرائيل أكثر من تناغمها مع محور البرهان – السيسي-السعودية . بعد ان أفاض البرهان في الحديث عن تماسك الجيش تحت قيادته ، ونفي أي إنزعاج او مشكلة مع الدعم السريع ، تمنيت لو سأله محاوره عن تراتبية حميدتي في هيكل الجيش وهل هو نائب القائد العام ، وعن هيكل القيادة في الدعم السريع ولماذا يأذن لهم بتبني نظام خلافة أسري وتفضيلات قبلية في الترقيات والامتيازات، في تضاد تام لما تعرفه الجيوش من اقدمية وتأهيل ؟ وتمنيت لو انه ختم بسؤال المليون : هل بإمكان البرهان ، كقائد عام ، إخضاع منسوبي الدعم السريع للتحقيق او الاقالة كما حدث لقيادة الشرطة التي تباهي بالحديث عن محاسبتهم؟ وغير ذلك كثير .
الانصاف يستوجب القول ان امثال تلك الاسئلة هي من شاكلة الحديث عن الطريقة التي كان سيدير بها كباتن صالونات الكلام في اليوم التالي ، مباراة جرت البارحة في ميدان آخر له ظروفه الخاصة !

اما من ينتظر موقفي بعيدا عن الاطراء المستحق اعلاه ، اقول ان اللقاء لم يبدل شيئا في مسألة مبدئية أعارضها تماما وهي قبول الاستاذ لقمان للرجوع والعمل في تلفزيون الانقلابيين . فقد انتقدت وسأظل انتقد ، وبشدة، عودة الزميل لقمان احمد لادارة تلفزيون السودان القومي . ان التغريدة التي كتبها بيده علي صفحته بالفيسبوك يوم الانقلاب في25 اكتوبر ، تلخص صحيفة الاتهام الاساسية ضده . فقد كتب الاستاذ ، طوعا وبدون إملاءات وبلا مسدس مصوبا علي نافوخه ، كتب ما نصه (نبقي ملتزمين بخيارات شعبنا الرافضة للانقلابات العسكرية بكل اشكالها ) . وواضح ان هذا الالتزام والكلام الساخن تبخر بعد شهرين في اواخر ديسمبر امام مغريات الرجوع لمنصبه القديم راضيا بأن يتقاسم قرارات وظيفته مع ( عميد ) عينه الانقلابون. جاء في الانباء ان العميد المذكور إستبعد يوما مذيعا ” لم يعجبه” من قراءة نشرة الاخبار غير عابئا او مكترثا برد زميله في المنصب ، المدير العائد . وقالت ذات الانباء ان المدير العائد لقمان رضخ لقرار سعادتو وحجب المذيع من النشرة !!في ذات الاطار ، كان ملفتا بالامس ان الاستاذ لقمان لم يناهض او يسأل البرهان تعمده استخدام مفردات مختلفة ليس من بينها كلمة” انقلاب” التي ظل البرهان يتحاشي النطق بها طوال ساعة الحديث !!
أختم بالقول ان هذه المهنة التي نتشاركها مع الاستاذ لقمان احمد تقوم علي بضعة مبادئ اخلاقية متشابكة ومتكاملة وذات نسق هندسي لا يستقيم الا اذا توفرت كل العناصر . فهي مهنة أساسها الامانة مع الناس ، والشجاعة عند المواجهة ،والصدح بالرأي المخالف بلا تهيب او خوف . أيضا ، هي مهنة تتزين بصدق القالة وإتساق الفرد إذ لا يمكن ولا يجوز ان يتساكن الكذب والصدق في ذات الجوف . مهنة يتوهج القلم فيها بنظافة اليد ولا تجد كلمة تكسب ذاتي في قاموس شرفائها .

بالمختصر ، كما لا يعرف اطباء الولادة نصف حمل ، فالصحافة لا تعرف نصف موقف أخلاقي !

التعليقات مغلقة.