المليشيات المسلحة قنابل موقوتة

المليشيات المسلحة قنابل موقوتة
  • 19 فبراير 2022
  • لا توجد تعليقات

إسماعيل عبدالله

اذا كانت هنالك مشكلة جوهرية تواجه مرحلة الانتقال، فهي وجود المليشيات المسلحة القادمة عبر اتفاق جوبا المثير للجدل، والمنتظرة لتنفيذ اجراءات الترتيبات الأمنية وما سوف يترتب عليها من تسريح ودمج، فمع طول الانتظار تتولد الظواهر السالبة الناتجة عن كون هذه المليشيات غير متوفر في تكوينها عنصر الانضباط، ورأينا ذلك في الانفلات الأمني بحاضرة الاقليم – الفاشر، وما اعقب ذلك من جرائم نهب وسلب لمقر البعثة الأممية المشتركة، زد على ذلك العبء الاقتصادي الثقيل الذي يكلف الدولة مالاً وفيراً لاستكمال مشروع الترتيبات الأمنية، ومن مآسي الحرب اللعينة التي يقودها امراء الحرب أن الثمن الباهظ المدفوع من دم وعرق النازح واللاجيء، يذهب تلبية لطموحات افراد يريدون أن يحصلوا على الرتب العسكرية العليا على حساب المآسي الانسانية، التي تكبدها المواطنون الذين نزحوا داخلياً وسكنوا مخيمات اللاجئين بدول الجوار، عجباً لتلك الاتفاقية المعنية بتحقيق السلام التي تتمخض عنها الوظائف المدنية والعسكرية المحصورة في المجموعات الاثنية والتي لم تخاطب أس القضية.
التكوين القبلي للمليشيات يقف حجر عثرة أمام انصاف القضية العادلة لهذا الاقليم الذي يعادل حجمه ضعفي مساحة دولة فرنسا، والذي يوجد به اكثر من مائة مكوّن اجتماعي، ابطال السلام المستعجلين لضم عشرات الضباط القبليين غير المنضبطين والفاقدين للتأهيل للمؤسسة العسكرية، نسوا شمول مشروع الدمج هذا للون الطيف الاجتماعي العريض لسكان دارفور، وتناسوا أن خطاب المظلومية الذي دخلوا عبره قصور السلطة انطلق أساساً من الظلم الجهوي والعرقي، فكيف يتسنى لهم ممارسة الخُلق الذي نهوا عنه بأن جعلوا قوائم المرشحين للدمج حصرية على جهة جغرافية واحدة بالاقليم، ومحصورة على كيان قبلي واحد من بين عشرات الكيانات الاجتماعية القاطنة للعديد من الحواكير الجغرافية، هذا التكالب الاثني على المؤسسات الأمنية القومية للدولة سيولد الغبن الجهوي، وسيفجر الحنق العرقي للاطراف الاخرى التي لم يشملها تقسيم الكعكة، وهذا بدوره يجعل من تحقيق السلام وبسط الأمن والاستقرار حلماً بعيد المنال، اما الرهان على الاقصاء الاجتماعي سيعيد الجميع للمربع الأول.
لقد نجح اعلام ثورة ديسمبر في تجريد رموز اتفاق جوبا من المسوغ الاخلاقي في تبنيهم لقضية دارفور العادلة، بعد أن انضوى القادمون من عاصمة جنوب السودان تحت لواء عسكر انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، ذلك بأن الانقلابيين انفسهم هم من كانوا اليد اليمنى للعنصري المغرور الباطشة بأهالي دارفور، لقد تساوى المهرولون للمناصب والمكاسب الممهورة بدموع النازحين ودماء اللاجئين، مع الذين كانوا في يوم ما سبباً رئيساً في سيلان هذه الدماء وتلك الدموع، هذا العزل وذلك الفضح للمتسلقين والذي حققه اعلام الثورة الديسمبرية سيزيد من تشبث زعماء سلام جوبا بمنظومة الحكم الانقلابي والاستماتة في خدمتها، فالحواضن الاجتماعية بالاقليم مغبونة من المسلك العشائري الذي سلكه الزعماء، المسلك الذي افقدهم الظلال الوارفة لاشجار المانجو بجبل مرة التي كانوا يستظلون بها، لقد ذهبت تلك الظلال تطلب ود فرسان آخرين عساهم أن يحققوا للارض الجريحة ما سعى لتحقيقه كل من بولاد وخليل، ولعلهم يعيدون لها مجدها الذي أفل في ابوجا والدوحة واخيراً في جوبا.
بعد الحديث الغاضب للرجل الحكومي الثاني – الضامن الحكومي لاتفاق جوبا – توحي جميع الاحتمالات بأن السلاح سوف يتجه غرباً، وتبعاً لذلك تدور عجلة الحرب اللعينة مرة اخرى باعتبار أن الاثنين – الخصم والحكم – هما اللاعبان الأساسيان في ميدان مشروع السلام، وهما القادمان من نفس الجغرافيا التي مازالت مصطرعة بالحرب العبثية اللعينة والضروس، وكلاهما يحملان كل تناقضات القضية الدارفورية بخصوماتها الحانقة وتبايناتها الاجتماعية والسياسية والثقافية الماثلة، فعندما يخفق قاطنو المنزل والبيت الواحد في احتواء خلافاتهم ومشكلاتهم البينية، يلتزم الجيران الصمت ويكتفون بفضول تصويب عدسات كاميراتهم المراقبة لصراع بني العمومة، الصراع الذي اعيا الاجاويد المحليين والوسطاء الاقليميين والحكماء الدوليين.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
19 فبراير 2022

التعليقات مغلقة.