من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين (2) القرية الشعبية .. عبق التأريخ .. ونكهة الأصالة والمعاصرة ..!

من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين (2) القرية الشعبية .. عبق التأريخ .. ونكهة الأصالة والمعاصرة ..!
  • 18 أبريل 2022
  • لا توجد تعليقات

صديق السيد البشير

(1)
ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ
مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ
وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ
إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست
والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة
لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ
والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ًفي أَمَاكِنِهِ
والعودُ في أرضه نوعً من الحطب
فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ
وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ
هكذا كان الأمام الشافي من قصيدة له عن السفر والإغتراب ، يحث الناس على السفر والترحال بلد إلى آخر ، لتحقيق فوائد جمة ، أجملها في نص آخر في خمس فوائد ، تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد ، هكذا كان الشافعي لساني حالي وأنا أكتب ، راويا عن حلقات من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين ، غادرت وطني السودان ارض السمر والنيل والنخيل بعد أن ضاقت بي بلادي بما رحبت ، ميمما وجهي شطر المملكة العربية السعودية ، بلد الحرمين الشريفين ، باحثا عن اكتشاف عوالم أخرى ، ودنيا جديدة ، دولا ، شعوبا ، وقبائل ، بجانب أهداف أخرى تتصل بالكسب الحلال ، عملا ، علما ومعرفة في بلد أمين في مكة مكرمة ومدينة متورة ، نسأل الله لي ولكم التوفيق والنجاح.
(2)
ومساء الأحد التاسع من رمضان 1443ه ، العاشر من أبريل 2022م ، حيث الشمس ترسل أشعتها الذهبية تلوح بالغروب ، كنت هناك في مشوار مسائي لمكان يفوح منه عبق التاريخ ، يزاوج بين اصالة ، ومعاصرة رفقة إختصاصي طب وجرحة الفم الطبيب اليمني بلال ناجي وتابعنا بإحسان صديقي مصطفى عبدالباقي أبوأياد ، يممنا وجهنا شطر حي العريجاء ، تحديدا على تقاطع شارع خديحة بنت خويلد مع شارع أسماء بنت أبي بكر الصديق ، نقصد أسواق القرية الشعبية ، التي تبدو من بعيد بلافتها المميزة ، وتدهش الزائرين ببرجيها المرتفعين إلى 8 أمتار تقريبا ، وشيدا على نسق أبراج القلاع وعلى طراز معماري من الطوب اللبن ، يجمع بين الأصالة والمعاصرة في تناغم فريد ، مبنى ومعنى ، وتقع أسواق في مساحة تناهز 75 ألف متر مربع ، ومنذ أن تأسست في العاصمة السعودية الرياض في العام 1992م ، تحولت إلى مركز تجاري يجذب الزوار من كل حدب وصوب ، مواطنين ومقيمين وعابري سبيل ، ليشهدوا منافع لهم في تلك الأسواق ، أو في ذات القرية بيعا ، شراءا ، سياحة ، أو حتى تنزها عبر ثلاث بوابات كبيرة تدخلك إلى اسواقها وهناك تجد كل شئ يستدعي لك كتاب التاريخ السعودي بصفحات زاخرة ، تحتفي هي الأخرى بالتراث الشعبي ومقتنياته ، سياحة وتسوقا
(3)
وأنت تدخل أسواق القرية الشعبية تكتحل عيناك على مبان شبدت على الطراز الشعبي القديم مع مزيج بين الأصالة والمعاصرة ، بجانب مساحات واسعة بين المحال التجارية التي تتجاوز 500 محل ، ولتمنح السوق بعدا معمارية جميلا ومريحا للزوار ، ،سياحة وتسوقا ، وتغطي اسواق القرية الشعبية اغلب المستلزمات الأسرية من أفضل الماركات العالمية ، وبجودة عالية من ازياء اطفال ونسائية ورجالية ورياضية ، بجانب المفروشات والأحذية لكل أفراد الاسرة ، إضافة للمنتجات الطبية والأدوية والهواتف المحمولة ، التمور والعطور والبخور والمجوهرات وادوات الزينة ، ولفت نظري ، جناح مخصص داخل القرية الشعبية ، يسمى سوق النساء ، يجدن فيه كل أغراضهن ، من ملابس وإكسسوارات ومستحضرات التجميل والعناية بالبشرة ، هكذا هي القرية الشعبية واسواقها ، عالم مختلف ومتنوع من البهجة والمتعة والفرجة والسياحة والتسوق ، قد نزورها لاحقا ، فهي تذكرني باسواق بلدي السودان كسوق ليبيا وسوق امدرمان يضم كل المقتنيات ، قديمها وحديقها ، وكذا اسواق العرب من المحيط إلى الخليج
(4)
ويحيط بالقرية الشعبية واسواقها عوالم أخرى أكثر رحابة ، كحديقة الحيوان تشكل ملاذا لكل افراد الأسرة ، تنزها ،سياحة ، وإستجمام ، بجانب ساحات وميادين لممارسة الأنشطة الرياضية ، كما تقع الأسواق على مقربة من فنادق وشقق فندقية قريبة منها ، الذهاب إلى القرية الشعبية ، يعني لك قضاء وقت عذب من الإمتاع والمؤانسة ، ترفيها ، سياحة ، وتسوقا
(5)
هكذا هي المملكة العربية السعودية ، تجمع بين الفلكلور والأهازيج ، الأمثال الشعبية وأدوات الزينة ، المأكولات الشعبية والقهوة العربية ، هذه ملامح من التراث السعودي ، وحين الخروج من القرية الشعبية بالعاصمة لسعودية لرياض ، كان عبق الماضي وسحر التاريخ وتذكار لبعض مرويات تمجد #السعودية ، تاريخا وجغرفيا ، ملوكا وأمراء ، بلغة مزيج يين عامية وفصحى ، وبنظم اقرب للشعر النبطي ، قد تتحول المفردات حيث تشدو لها حناجر المحبين للديار من أهل الإنشاد إلى لوحة تراثية باذخة الجمال ، والجمال هنا يسكبه الشاعر الأمير خالد الفيصل، متعه الله بالصحة، في نصه (لوحة عاشق) حين يرسم بالكلمات :
قالوا لي العبْ قلتْ ماني بلعوب إلَّا مَزوحٍ عند صافِي الجبينِ(ي)
ألاعبه وأفرح إلـى صرت مغلوب وأشوف وجهه لي غلبني يزيني
وأطرب على ضحكه وهو حيل طَروب وأنادِمه في لحظة أحلى سنيني
حبيبي اللي كل ما فيه محبوب ترخص له الدِّنيا وما كان فيني
اللي يجيني كل ما غاب لهـوب أونس حرارة لاهبه في كنيني
وكني على غيره من الناس مغصوب وكن العمر ياقف بليا ظنيني
وأصير بين يدين الأيام مقضوب والليل يجلد بالسهر موق عيني
يضحك بي الشامت إذا قلت ما أتوب ويحزن صديق العمر مما يجيني
ليته يغطي لوعة العاشق الثوب وإلا عيوني مـا تبيّن حنيني
وإن كان تعذيب المحبين مكتوب على عذاب الحب ربي يعيني
(6)
مـن أرض بـلقيس هـذا الـلحن والـوتر
مــن جـوهـا هــذه الأنـسام والـسحر
مـن صـدرها هـذه الآهـات، من فمها
هــذي الـلـحون ومــن تـاريـخها الـذكر
من «السعيدة» هذي الأغنيات ومن
ظــلالــهـا هــــذه الأطــيــاف والــصــور
أطـيـافها حـول مـسرى خـاطري زمـر
مـــن الـتـرانـيم تــشـدو حـولـهـا زمـــر
مـن خاطر «اليمن» الخضرا ومهجتها
هــــذي الأغــاريـد والأصـــداء والـفـكـر
هـــــذا الـقـصـيـد أغـانـيـهـا ودمـعـتـهـا
وســحـرهـا وصـبـاهـا الأغــيـد الـنـضـر
يـكـاد مــن طــول مــا غـنـى خـمائلها
يـفـوح مــن كــل حــرف جـوها الـعطر
يــكـاد مــن كـثـر مــا ضـمـته أغـصـنها
يـــرف مـــن وجـنـتـيها الـــورد والـزهـر
كــأنـه مـــن تـشـكـي جـرحـهـا مـقـل
يــلـح مـنـهـا الـبـكـا الـدامـي ويـنـحدر
من قصيدة (أرض بلقيس) لعبدالله البردوني
حين رافقته أول مرة ، تذكرت بن بلده المرحوم عبدالله البردوني (معجزة الشعر كما كان أبو العلاء المعري من قبل وطه حسين من بعد معجزة النثر) ، هو ذاته البردوني الذي اطلق عليه لقب (آخر شعراء الكلاسيكية العربية الكبار) بعد وفاة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري ( رحمهما الله تعالى).
أعادني دكتور بلال بن ناجي بن اليمن إلى بلده التي كانت السعادة جزءا من إسمه ، حدثني عن تأثيرات الحرب على الناس هناك من نزوح ولجوء وتشرد وعن أسرته التي توزعت بين مصر واليمن والسعودية، عن آلام وآمال في الشأنين العام والخاص ، وهو الإختصاصي في طب وجراحة الفم بمجموعة المهيدب الطبية بالرياض، رافقني في ذات المساء وتابعنا بإحسان صديقي مصطفى عبدالباقي أبوأياد الموظف بذات المجموعة ، كنا انفقنا وقتا قليلا ، تجولا بين القرية التراثية والإفطار في حدائقها الملحقة قبل ان ينضم رابعنا عبدالعال عمر ، وهو إفطار مكون من أطباق يمنية وعصائر سعودية وفلافل مصرية ، تنوعت بين فول ولحم مطهي بالمكرونة مع عصير خال من السكر وتمر من صنع السعودية بجانب وجبة نسمى (الشفوت) والتي تشتهر بها اليمن دون غيرها في تحضيرها وتناولها ، ووفق تعريف الويكيبديا ، فإن الشفوت تتكون من الخبز الرقيق يسمى اللحوح يفرش في صحن ثم يوضع على هذه القطعة من الخبز كمية أخرى من المكونات مثل اللبن تضاف إليه مقادير مناسبة من البهارات والتوابل والفلفل والكزبرة والكمون والثوم ويقطع عليه الخيار ويطعن الكراث والطماطم عليه وتوضع الخبزة الواحدة وتضاف إليها مقدار من هذه المكونات وهكذا إلى أن يمتلئ الصحن 10-12 قطعة خبز (اللحوح) ثم يغمر الصحن كاملاً بهذه المكونات ويزين بالسلطة والخيار والطماطم والخس والكزبرة الخضراء ثم يبرد تبريدت خفيفت لينقع الخبز بالمكونات مع اللبن ويقدم طبقاً شهياً مع باقي أطباق سفرة الغداء أو العشاء. تقدم باردة ، وتصنع بطريقة مدهشة ، تميزت في طبخها لنا إحدى بنات اليمن التي تعمل ممرضة في مجموعة الطبية ، سعدت بالتعرف عليهم/ن ، وعلى ملامح من التراث الشعبي اليمني والإسهام الكبير للسودانيين في قطاع التربية والتعليم باليمن طيلة سنوات ماضية وربما يعرف الاديب اليمني نزار غانم كل شئ عن العلاقات لسودانية اليمنية ، وفق ما اطلق عليها ( السومانية) ، تحياتي لهم ولكم ، هكذا هي فوائد الأسفار ، ألم يحصيها الإمام الشافعي من قبل ، محبتي للجميع.

  • صحفي سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية

abumaha76@gmail.com

التعليقات مغلقة.