في زمن الحروب… من يسمع بكاء السودان؟ ..(حين لا يكفي أن تموت، بل عليك أن تشرح للعالم كيف متّ)

في زمن الحروب… من يسمع بكاء السودان؟ ..(حين لا يكفي أن تموت، بل عليك أن تشرح للعالم كيف متّ)
  • 01 أغسطس 2025
  • لا توجد تعليقات

د. جوليا فؤاد السيد هارون

حين يُنسى السودان في زحمة الحروب

بينما تتصدر عناوين الأخبار صراعات إقليمية أخرى، تمر الحرب في السودان دون أن تثير ضجيجًا يوازي حجم الكارثة. لا كاميرات ترصد الألم، لا بيانات طارئة تُصدر، ولا حتى تعاطف عالمي متوازن.
لكن الغياب لا يعني أن الموت أقل، ولا أن الخراب مؤقت. بل يعكس توازنات قوى، وتجاهلًا سياسيًا متعمدًا، جعل من معاناة شعب كامل مادةً هامشية لا تليق بـ”الاهتمام الدولي”.

فلماذا لا يُرى السودان كما ينبغي؟ ومن يستفيد من هذا الصمت؟
هذا المقال محاولة لكسر الجدار.

سرد الحروب: من يرسم صورة الضحية والجلاد؟

حين تُروى الحروب في الإعلام العالمي، لا يُروى الألم وحده، بل تُبنى القصة بشكل يخدم مصالح معينة.
تُختار الكلمات بعناية، وتُرسم الشخصيات كضحايا أو جلادين بحسب زاوية النظر، لا الحقيقة.

في حالة السودان، غابت الرواية، وغُيّب معها الشعب. لم تُمنح الحرب هنا إطارًا إنسانيًا واضحًا، ولا وُضعت في سياقها السياسي المعقّد، بل تُركت لتُفهم على أنها “نزاع داخلي” غير جدير بالمتابعة.

هذا الفراغ السردي لم يكن صدفة.
من لا يملك من يروي قضيته، يكتب عنه الآخرون بما يشاؤون.

الإعلام العالمي… من يتحكم في الصورة؟

الإعلام الدولي لا يتعامل مع الحروب كلها بمعيار واحد. تُختار النزاعات التي يُسلّط عليها الضوء بناءً على مصالح الدول الكبرى والضغوط السياسية.
الحروب التي تخدم أجندات تلك الدول تحصل على تغطية مكثفة، بينما تُهمّش الصراعات التي لا تناسب تلك الأجندات.
في السودان، تم قطع الإنترنت، وتراجعت قدرة الصحفيين على الوصول للمعلومة، وتعرقلت تغطية الأحداث بشكل مستقل.
هذا التعتيم الإعلامي ليس عرضًا جانبيًا، بل هو جزء من معركة طمس الحقيقة.

لحظة الحقيقة: هذا ليس مجرد صراع داخلي

“في السودان، لا تُعدّ الجثث، بل تُطوى الأمهات مع الأكفان.
لا تُغلق المدارس فقط، بل تُغلق طفولة بأكملها.”

أكثر من 9 ملايين نازح خلال عام واحد.
نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ورغم ذلك… لا تزال نشرات الأخبار تتثاءب.

مصالح الدول الكبرى… والذهب الذي يلمع في الخراب

السودان ليس فقط موقعًا استراتيجيًا في قلب أفريقيا، بل هو كنز دفين من الموارد الطبيعية.
من الذهب الوفير إلى الخيرات الزراعية الضخمة والموارد النفطية، كل ذلك جعله مطمعًا مغريًا لقوى إقليمية وعالمية.

الصراع في السودان ليس فقط سياسيًا أو قبليًا، بل هو معركة حقيقية حول من يملك مفتاح هذه الثروات، ومن يحق له أن يرسم ملامح مستقبل الشعب.

السودان… عمق استراتيجي لا يُحتمل تجاهله

السودان ليس دولة أفريقية عادية.
إنه مفترق طرق بين شمال وجنوب القارة، ممر حيوي للتجارة والطاقة، وركن لا غنى عنه في معادلة الأمن الإقليمي.

استقرار السودان ضرورة سياسية وعسكرية وأمنية، ليس فقط لدول الجوار بل للعالم كله.
ومحاولة تصويره كـ”صراع داخلي” هي مناورة سياسية رخيصة لتبرير التخلي.

للتاريخ… لا تدع غيرك يكتب قصتك

في زمن كهذا، الروايات لا تُكتب فقط بالحبر، بل تُسلّح.
من لا يوثق تاريخه بأمانة، يتم تزويره له بأقلام المصالح.

يجب أن تُكتب قصة السودان بعيون أهله، وبوجعهم الحقيقي، لا بعدسات المراسلين العابرين ولا تقارير المكاتب الباردة.
فالتاريخ ليس ترفًا… إنه السلاح الأخير في وجه الطمس والتشويه.

في زمن الظلال… من أشعل لنا النور؟

رغم موجات التسييس والتجاهل، لم تُغلق كل الأبواب.
كانت هناك دول بادرت بالفعل، بصدق لا باستعراض.
في مقدمتها المملكة العربية السعودية، إلى جانب دول شقيقة وصديقة، وقفت بما استطاعت، وقدّمت مساعدات إنسانية وسعت لتقريب وجهات النظر.

لكن  وبكل وضوح دعم السودان ليس منّة، بل ضرورة استراتيجية وإنسانية.

> السودان لا ينسى… والتاريخ لا يُمحى.
سيظل هذا الشعب يعرف من كان معه حين اشتدت العاصفة، ويبادل الوفاء بالوفاء، بعيدًا عن الضجيج… وبالقرب من القلب.

الختام: السودان أولوية لا تحتمل التأجيل

الحرب في السودان ليست شأناً داخليًا… إنها ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، يُستخدم فيها الشعب كأداة.

الصمت الدولي يعني استمرار المجزرة، والتجاهل يعزز الانقسام ويُطيل عمر النار.

> السودان بلدٌ عظيم… لا يقل أهمية عن أي دولة تتصدر العناوين.
استقراره ليس رفاهية سياسية، بل ضرورة عالمية.

آن للعالم أن يصغي.
وإن تأخر… فالسودان سيقول كلمته، ولو بصوت متعب، لكنه لا ينكسر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*