أزهري محمد علي غنائية الحنين

أزهري محمد علي غنائية الحنين
  • 22 أبريل 2022
  • لا توجد تعليقات

محمد جميل أحمد

لطالما ظل الشاعر أزهري محمد علي يختبر في تجربته فرادةً غنائيةً غطت نسيجه الشعري بصور ودلالات تحيل مرجعيتها إلى ذاتٍ لا تقبل القسمة إلا على الوطن، وإلى درجة يمكن القول معها: إن غنائية أزهري إذ تطبع هويتها بذلك النسيج تبدو في هذه المجموعة، كما لو أنها مادة شعرية لنص واحد، لكن وحدة النص هنا لا تعكس معنىً مدرسياً للنقد، بل هوية ذاتية للشعر، وفرادة شخصية للغناء. إنها غنائية الشجن الذي يشتبك في الشخصي والعام من حياة الشاعر، ولأن من شأن الشعر أن يُسقط حدود الذات المتقابلة في غنائية أزهري؛ فإن فك الارتباط قد يستعصي أحيانا على مُتلّقي شعره المأخوذ بقوة معانيه واستعاراته وحميمية عناصره الدالة على إحالات ملتبسة في موضوعها وملابسة لهويتها، حيث تتوزع ثنائية الهوية الشعرية بين الوطن الحبيبة، أو الحبيبة الوطن بطريقة يبدو الفرق فيها تأويلاً متبادلاً للإحالات.

(لوْ نَسْمَةْ من عِطْرَ البَلَدْ تَعْبُرْ بِحِلًّتْنَا وتَفوتْ
كانْ تِنْفَلِتْ مِنْ ضَحْكَتِكْ ضحْكَهْ وتَرِكْ بِالرَّاحَهْ في نِيِمَ البُيُوتْ)

لقد ولَّد الحنين مساحات حزن كبيرة من خزين الأمنيات التي تتردد بكلمة ” لو” . حين يخاطب شاعرنا رفيق دربه المغني الراحل الكبير مصطفى سيد أحمد واصفاً حد الفجيعة ومستنكراً لوعة الغياب المر :

” مِينْ سَمَّى تِرْحَالَكْ غِيَابْ؟
والغَيْبَهْ بِتْـزِيدَكْ بَهَا؟
لوْ يَرْتِقْ الحُزَنَ المُصَابْ
كانْ بَعْدَكْ الموتْ انْتَهى”

يَتَدَّبرُ أزهري محمد علي، وصفا معبرا عن مأساة الوطن بمجاز يعكس ضيقها اتساعاً في خراب الذمم:

(ضِيقَ المساحاتْ اتَّسَعْ ما خَلَّى لا عَدُوْ لا صَدِيقْ)

ومع ذلك الضيق يتسع الحنين في ذات الشاعر عبر حدين شخصي؛ باتجاه ماضي الذين تواروا في الغياب وأبقوا حنينه مثل؛ “مُصطفى”، “حُمَّيَد”، ” فاطمة ” – شقيقة الشاعر – و “امتثال” – زوجته الراحلة، وآخرين، وعام باتجاه مستقبل جميل للوطن تؤمن به نبوءات الشاعر – رغم خراب الحاضر-

” يا مَحْبُوبَهْ:
الأفْرَاحْ ماَلَها بِتِتْلاَشى
والأحْزَانْ بِتَجَدِدْ تَوْبَا؟
وكُلْ مَا افْتَحْلِكْ بَابَ الرَّحْمَهْ
بِتَرْجَعِي تَقْفِلي بَابْ التَّوْبَهْ”

وحيث أن القصائد التي تعالجها هذه القراءة من مجموعة ” طوبى للغرباء” صدرت في العام 2014 سندرك اليوم مغزى غناء أزهري للأمل في زمن الظلام الحالك، في قصيدته” أنا بلقاك “

” أنا بَلْقَاكْ
محَلْ ما الشَّمْسِ بِتَشْرِقْ
ويَطْلَعْ مِنِّي الحُزْنَ الطَّوّلْ
ولمَّـا الغَيْمَهْ الحَبْلَى تِنَقْنِقْ
والأيّامْ تَرْجَعْ زيْ أوَّلْ
ويَبْدَا فَرَاشَ الرَّيدَهْ يَحَلِّقْ
فَوقْ نَوَّارْ العُمْرَ الفَضَّلْ
أنا بَلْقَاكِ
ويَبْقَى العَالَمْ جَنْبِكْ أجْمَلْ”

على مدار قصائد هذه المجموعة، يقوم ارتكاز راسخ ويقين لا يتزحزح في نفس الشاعر بتفاؤل مطلق لغد مشرق، رغم سوداوية الحاضر!
إن يقين الشاعر هنا كوة من عالم الغيب، ومن مياه الأحلام الملهمة بقوة المبادئ وانتصار القيم لأنها حنين ألى: (أجْمَلْ الأيّامْ التي لمْ نَعِشَها بَعدْ) بحسب ناظم حكمت.
يقول أزهري:

(عَبّرَنِّي في لَمْحَةْ بَصَرْ
وانَا كُنْتَا رَاجِيهِنْ زَمَنْ
دخَلَنْ عليْ والدُّنْيَا لَيلْ
حَلَّنْ مع الرُّوحْ في البَدَنْ
مرَقَنْ صَبَاحَاتْ الشُّرُوقْ
صَحَّنْ حمَامَاتْ الشَّجَنْ
غَازلْتَهِنْ بَي كِلْمَتَينْ
ضحَكَنْ ضِحِكْ وَشَّ الوَطَنْ
قُتْ لَيْهِنْ ألقَاكِنْ مِتَينْ
قَالَّنِي في الأحْلَامْ: غَدَاً
فَاتَنْ مَشَنْ
فَاتَنْ مسَافَةَ يَلْمَحَنِّي ويِنْمَحَنْ
خَلَّنِي في حُزنْ المَغَارِبْ
وشَرَّقَنْ”

إن مركزية الحزن والحنين تحيل على ذات شاعرة متوهجة باليقين بخلاص الوطن في الغد الاتي لأن الزمن الجميل هو رهان المستقبل. حتى أن الشاعر يطرد هوس الظنون من كلماته متى ما كانت ظنونه أوهاماً منفكةً عن عالم الغد الذي يؤمن به مستقبلاً للوطن؛ حين يقول في قصيدته: “ما تتوصي”:

“ما تِتْوَصِّي
قَيَّلِي في الحَوَاسْ واتْمَسَّي
وافْتَحِي في ظُنُونِكْ شُرْفَهْ
بِالضَّحْكَهْ البِتَفْتَحْ نَفْسِي
خَلِّيكْ واَضْحَهْ
وَلاَّ أمُرْقِي مِنْ هَوَسْ القَصَايِدْ هَسِّي”

إنه ذات المروق الذي يستعد له الشاعر إذا ما أبطأ عليه الفجر ليتحول وهجه النهاري إلى بروق ليلية:

“أمرُقْ مِنَ الوَهَجَ العَلَيْ
وادخُلْ عَلَيكْ زَيَّ البَرِقْ”.

لقد تحول يقين الشاعر في ظلام 2014 إلى هوية وطنية للثورة في ديسمبر ٢٠١٩ فأصبح أزهري محمد عل، بحق، ي شاعر الثورة التي ظل يؤمن بها في ضمير الغيب ولايزال!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،ألقيت هذه القراءة بصوت الزميلة هويدا التوم في الأمسية الشعرية التي أقامتها جمعية الصحفيين للشاعر أزهري محمد علي – والشاعر السعودي عبد الله الصيخان – وبمشاركة عدد من الشعراء – بالرياض يوم
٢١ أبريل ٢٠٢٢ – ٢٠ رمضان ١٤٤٣

التعليقات مغلقة.