الرجل الذى فقد هاتفه النقال

الرجل الذى فقد هاتفه النقال
  • 21 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

د . جمال الشاعر


الرجل الذى فقد ظله ..
والرجل الذى باع رأسه.. والرجل الذى رهن روحه ..
ثلاثة نماذج تستحق القراءة والتأمل
.. فتحى غانم فى روايته الشهيرة
الرجل الذى فقد ظله .. يحكى لنا عن أزمة الرجل الذى استمرأ المكوث فى الظلام
بعيدا عن النور .. بعيدا عن الشمس .. ومعروف أن من لايقف فى النور وتحت الشمس
لا ظل له .. الحكاية كانت قبل ثورة يوليو .. (يوسف السيوفى) صحفى إنتهازى يصعد
على أكتاف أستاذه (محمد ناجى ) ويبيع نفسه من أجل تحقيق طموحه الفردي متخليا
عن كل القيم الإنسانية .. هدفه الوحيد كان الارتباط بطبقة أعلى ممثلة في (سعاد) الأرستقراطية .. وبعكسه تمامًا صديقه (شوقي) ثوري يناضل من أجل بناء عالم جديد
.. النموذج الثانى تجده فى رواية يوسف عز الدين عيسى .. الرجل الذى باع رأسه ..
وهى تحكى عن شاب موهوب ورجل انتهازي، وبموجب ذلك الاتفاق، سيكون كل ما سينتجه الشاب من إبداعات وكل ما سيصل إليه من نجاحات في حياته، ملكاً بنسبة كبيرة لذلك الرجل الذي ينتشله من لحظة يأس وانكسار كادت أن تجعله ينتحر، ويزوده ببعض المال، ويفتح له بعلاقاته ونفوذه، فرصاً عديدة للتعبير عن مواهبه والتألق والوصول إلى قمة النجاح
تتخلل الرواية أجواء فانتازية حيث يراقب المشترى الضحية التى باعت رأسها .. فى كل وقت وكل مكان حتى كاد الأخير أن يجن .. فقال له المشترى لاتقلق .. من حقى أن أطمئن على سلامة رأسك وألا يصيبها مكروه حتى استلمها سليمة وبحالة جيدة يوم يحين أجلك
.. أما النموذج الثالث فهو الرجل الذى رهن روحه للشيطان “فاوست” والتى كتبها الأديب الألمانى جوته .. والقصة تحكى عن الدكتور يوهان جورج فاوست الذي يحقق نجاحاً كبيراً ولكنه
غير راضٍ عن حياته فيُبرم عقداً مع الشيطان يسلم إليه روحه في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة وكافة الملذات الدنيوية .. وهى قصة شبيهة أيضا برواية صورة دوريان جراى رائعة أوسكار وايلد .. عن ذلك الشاب الذى يحمل فى داخله كل المتناقضات.. الطيب٬ الشرير٬ النرجسي٬ البوهيمي٬ الشبق المتهاون، السيئ الحظ
ويقوم دوريان بعقد صفقة مع الشيطان على ألا يشيخ أبدا ويظل متمتعا بالشباب الدائم، وأن تصاب صورته فى اللوحة بالشيخوخة والتجاعيد وتظهر عليها آثار حياته الفاسدة شريطة ألا يراها أبدا
وبالفعل تمتد الحياة بـ”دوريان جراي” ويخوض مغامراتها وكل مفاتنها وملذاتها٬ حتى أنه يضطر للانتقال للعيش في أكثر من مكان حتى لا يلاحظ أحد أنه لا يتقدم في العمر أبدا٬ وما إن يكشف عن سر صفقته مع الشيطان حتى يبدأ في ارتكاب سلسلة من جرائم القتل ليحفظ سره٬ إلا أنه في نهاية المطاف يتقابل وصورته القبيحة البشعة التي كان يخفيها بعيدا عن الجميع وجهًا لوجه .. ويحترق دوريان

.. وعندما نتأمل أنفسنا فى ظل الحكايات السابقة .. يحق لنا أن نتساءل .. هل ارتكبنا
نحن أيضا خطيئة كبرى وبعنا أدمغتنا للعم جوجل ؟ .. كيف تم إقناعنا بتسليم
رؤوسنا لمحركات البحث وللمنصات الرقمية وللتطبيقات المتوحشة فى العالم الافتراضى
.. نحن اليوم لا نستطيع العيش بدونها .. أتحداك أن تقود سيارتك بدون جوجل ماب ..
أو أن تستغنى عن الفيس بوك والتيك توك .. وكلها تطبيقات تطلب منك السماح لها
بالدخول إلى محتويات هاتفك النقال واللاب توب
.. وأنت لا تملك إلا أن تقول Agree فى استسلام تام
.. وتضطر إلى شراء سحابة جديدة كل فترة لتخزن فيها كل أسرارك
وإبداعاتك .. ذاكرة البشرية كلها أصبحت مرهونة بالسحاب الإلكترونى ..
أحيانا
ينتابنى الرعب عندما أتخيل وقوع كارثة تعطل أو تدمر هذا النظام الرقمى الافتراضى
.. مثلما حدث فى بروفة تعطل الفيسبوك بالشلل لساعات قليلة .. الآن يتوحد الآلى
والرقمى والبيولوجى ويتحكمون فينا
.. بينما نحن نتصور أننا نقود كل شئ
.. إذا كنت لا تستشعر الخطر .. انظر إلى أى شخص يفقد هاتفه النقال ..
ستراه كمن أصيب بحالة زهايمر مؤقتة .. يشعر أنه فقد عقله وهويته وذاكرته
.. ماهو الحل إذن ؟ .. شغل دماغك .. انعش ذاكرتك يوما .. احسبها يدويا أحيانا .. احفظ
القرآن والمعلومات مااستطعت إلى ذلك سبيلا .. وتذكر الحكمة البليغة .. العلم ف الراس
وليس فى الكراس
🌺🌺🌺
منشورة بالاهرام النهاردة الجمعة 19 اغسطس 2022

التعليقات مغلقة.