الشاعر المغني احمد الفرجوني.. نقاء عم عجبنا التراجيدي

الشاعر المغني احمد الفرجوني.. نقاء عم عجبنا التراجيدي
الفرجوني
  • 04 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

يحيى فضل الله

( عندي قصة
فيها حصة
في تصاريف الليالي
تجرح الزول
فوق كبدتو
و تبقي في وردانو
غصة )
في سياق شعري بسيط و بانسياب موسيقي ممتع يضع الفرجوني ملامح
(عمنا الحاج ود عجبنا) امام المتلقي ، من خلال وصف الفرجوني له ، لا اعني ملامح الوجه او الشكل عموما ، و لكنها ملامح للقيم التي هي (عمنا الحاج ود عجبنا) ، يتوسل الفرجوني بكلمة (عمنا ) محرضا في المتلقي حميميته تجاه (الحاج ود عجبنا) ، فهو هنا عمنا كلنا و كما استطاع الشاعر الملحمي حميد ان يحول (عم عبدالرحيم) الي مجموع انساني عريض حين قال
(عم عبدالله الرحيم
يا كمين بشر)
و هكذا من خلال وصف الفرجوني لملامح (عمنا الحاج ود عجبنا ) يمكن القول
انه شخصية تتحرك في الايجاب ، اي انه شخصية ايجابية في محيطه الاجتماعي
و لم يفعل الفرجوني اكثر من انه حمل شخصية (عمنا الحاج ود عجبنا) كل صفات الايجاب التي نراها في النموذج السوداني المثالي
( عمنا الحاج ودعجبنا
هو البشيل
حمل الرباعه
و عندو كلمة
علي الجماعة
في الفريق
باقيلنا تايه
وكل طيب
ليهو غاية
للضعيفالكرامه) ساند
و يقهر الكعب المعاند
عمنا الحاج ود عجبنا
من سنين ايام جهلتو
ديمه في دعوات صلاتو
يسأل المولي السلامه
و سترة الحال و الكرامه)
وهكذا بعد ان يمهد الفرجوني باستخدامه مقدمة تعلن عن غرضه من القصة
و بعد دخوله في وصف تفاصيل ملامح بطله ، يبدأ في الدخول تدرجيا في
دائرة التوتر الدرامي الذي يبدأ بفعل عادي ، عادي جدا ، هو مجئ ضيف لدار (عمنا الحاج ود عجبنا )، ان مجئ الضيف فعل اكثر من عادي لدي السودانيين ، و لكن ماهو غير عادي هو زمن مجئ هذا الضيف ، و هنا و باشارة بسيطة و لكنها موحية يستطيع الفرجوني ان يقول ان عاديات الافعال اصبحت تقترب من الجناية و التجريم ، كل ذلك حين يفسد الزمن السياسي الزمن الانساني المألوف
( عمنا الحاج ود عجبنا
ليلة من ذات الليالي
في زمان حظر التجول
جاهو ضيف
فوق راس حداشر )
يهزني جدا هذا التعبير الدقيق ، – (فوق راس حداشر)- ، ان الفرجوني يمتلك
و بمميزات عالية القدرة علي ان تمتص كلماته تفاصيل العالم الذي يتحدث عنه
، لاحظت ذلك حتي في الونسة معه ، مرة كان يحدثنا عن رحلة بحثه عن كلب من كلاب الصيد بالمواصفات التي يريد ، لاحظت ان الحكاية لدي الفرجوني لا تخلو
مطلقا من التعبيرية الكثيفة ، قال و هو يصف الطقس الذي تحرك فيه في
رحلة بحثه تلك
(كان الدنيا فيها نفس شتاء)
يأتي التعبير الشعري لدي الفرجوني هكذا عفو الخاطر ، اقول يبدا التوتر الدرامي في النص بمجئ الضيف ، في نهاية الوقت المحدد لحظر التجول ، و تزيد حدة التوتر الدرامي حين يواجه عمنا الحاج ود عجبنا عجزه اكرام الضيف
(رحب الحاج بيهو جدا
فرشولو
و نزلوه
و كاسو للعشا
ما اتلقالو
ما الرغيف ممحوق مقصر
و البلد في حال معسر
و عمنا الحاج في مبادو
واجب الضيف
زي فريضه
و هسه ضاقت
بي العريضه
ضيفو كيف يترك عشاهو ؟
و من دي
زايد اختشاهو )
باحساس عمنا الحاج ود عجبنا العادي جدا تجاه الضيف ، بتلك الروح التي تاصلت فيها قيمة الكرم ، يتصاعد التوتر الدرامي و يتجلي هذا التصاعد من خلال صراع (ود عجبنا )مع الواقع الماثل و الذي يتمظهر في حظر التجول، انعدام الرغيف في البيت ، العسر الذي اصاب البلد ، يتكثف التوتر حين يقرر (ود عجبنا) الخروج منسجما مع قيمة اكرام الضيف بالرغم من حصار الواقع
تجاه قيمة الكرم المتأصلة فيه
( و جاتو فكره
يمشي للفرن المجاور
لي لجان العيش يشاور
بس عشا الضيف يا جماعه
ضيفي نازل ليهو ساعه
شاكلوهو
و نهروه
و دفروه
و جاتو دورية الحراسه
و امسي بايت في الحراسه
و ناسو جنو
وين ده روح ؟
لي الصباح
ما عرفو حاجه
و جاهم الخبر المؤكد
ود عجبنا في الحراسه
و ماشي محكمة الطوارئ )
ميزة الفرجوني في هذه القصيدة القصصية او القصة الشعرية انه كلما تقدمت القصيدة الي الامام كلما تكثف التوتر الدرامي ، كلما دخل (ود عجبنا) خطوات نحو سجنه التراجيدي ، كل ذلك مقابل افعال عادية ، حلول الضيف، واجب اكرام الضيف ، البحث عن الرغيف ، افعال عادية في زمن غير عادي، اذن يمكن القول ان بؤرة التوتر الدرامي في ما يسمي بالخطا التراجيدي يكمن في الزمن السياسي الذي استطاع ان يحول القيم الانسانية مثل الكرم الي جرائم يعاقب عليها القانون
( و ناسو
اولادو و بناتو
عرفو حالو
و بدري فاتو
راحو محكمة الطوارئ
و فيها في نص الخلائق
شافو حالا ما هو رايق
عمنا الحاج بي جلالو
فوقو حس السوط يولول
فوق قفاهو
و فوق زنودو
و فوق رجولو
و مره فوق فجج حشائم
اصلو ما قايل بهونن
حتي كان نزلن هجائم

التعليقات مغلقة.