بلاد السودان: أصل التسمية وحدود المنطقة

بلاد السودان: أصل التسمية وحدود المنطقة
  • 20 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

محمد محمود راجي

بلاد السودان “اصطلاح جغرافي عرقي (عنصري) ابتدعه الإخباريون والجغرافيون والرحالة العرب المسلمون، أمثال المقريزي والسيرافي والأسواني والبلاذري واليعقوبي والمسعودي والمقدسي والغرناطي وابن عبد الحكم وابن فاطمة وابن جبير وابن بطوطة وأبو عبيد البكري وغيرهم، وذلك عند ملامستهم منذ بداية القرن التاسع الميلادي تلك المنطقة من أفريقيا جنوبي الصحراء التي تسكنها قبائل سوداء البشرة، فسموها بلاد السودان، أي السود.
تشمل “بلاد السودان”، حزام السافانا الممتد من سهول البحر الأحمر على تخوم الهضبة الأثيوبية شرقاً، وحتى نهر السنغال والمحيط الأطلسي غرباً، ومن النهايات الجنوبية للصحراء الكبرى شمالاً وإلى مداخل الغابات المطرية الاستوائية جنوباً. نشأت في غربها ووسطها ممالك إسلامية قوية، سبقت بعدة قرون ممالك السودان الشرقي (سلطانات الفور والفونج والمسبعات وغيرها)، وتفوق بعضها عليها؛ مدنيّةً وتجارةً وعلماً وفقهاً ذلك أنها استندت على حكم مركزي، ومصادر تراكم مالي مستقرة ومتنوعة، وتجارة نشطة، وقاعدة من حركة روحية فكرية علمية قادها رجال فكر ودعوة، واسهمت بفعالية في نشر الدين الإسلامي، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده في القارة الأفريقية.


أما “أفريقية” الواردة في مصنفات الاخباريين والجغرافيين العرب، فقد كانت اسماً للإقليم الساحلي الذي يضم المساحة التي تشغلها اليوم تونس مضافاً لها بعضاً من غرب ليبيا (إقليم برقة)، وجزء من شرق الجزائر، وهو اسم أطلقه الرومان على تلك المنطقة التي ظلت جزءاً من إمبراطورتهم المترامية الأطراف، منذ أن دخلوها في 146 قبل الميلاد، وحتى فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي.
أما الساحل الشرقي لأفريقيا فقد أطلق عليه أولئك الجغرافيون “بلاد الزنج”، التي حورتها اللغة السواحلية إلى “زنجبار”.
واعتماد اللون كمعيار لتسمية تلك المنطقة من العالم ليس بدعة أحدثها العرب المسلمون، فقبل ذلك بعشرات القرون أطلق المصريون القدماء على الأراضي الواقعة جنوب بلادهم اسم “كوش”، اشتقاقاً من كلمة “كاش” التي تعني في اللغة المصرية القديمة “”ذوي البشرة السوداء”، ومنذ نهاية النصف الأول للألفية الثانية قبل الميلاد، أصبحت الكلمة متداولة بين المصريين والأشوريين، وكذلك جاءت في العهد القديم “التوراة” في أصله العبري والارامي.


وفي النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد، أطلقت الأدبيات الإغريقية، على المجموعات السكانية سوداء البشرة التي استوطنت جنوب مصر اسم “الأثيوبيين”، وهي تسمية مشتقة من مقطعين اغريقيتين: “ايثو” بمعنى يحرق، و”أوبس” بمعنى مظهر أو شكل فيصبح المعنى “ذوي الوجوه المحروقة أو البنية اللون”. وقد ورد اللفظ مرتين في الإلياذة، وثلاث مرات في الأوديسة. واستخدمه المؤرخ اليوناني هيرودوتس لوصف الأراضي الواقعة جنوب مصر، وشملت السودان الحالي والحبشة وبلدان الساحل الأفريقي. ولاحقاً أطلقت هذه الأدبيات اسم أثيوبيا على كل كافة الأراضي التي يسكنها سود البشرة، فسموا الهند “أثيوبيا الشرقية”، وأطلقوا على “كوش” “أثيوبيا النيلية”. وفي وقت لاحق استبدل المترجمون كلمة “كوش” بكلمة “أثيوبيا” عندما ترجموا “التوراة” من العبرية والارامية إلى الاغريقية واللاتينية. إشارةً إلى أن الحبش في بداية القرن العشرين اتخذوا من كلمة “اثيوبيا”، اسما لدولتهم التي عرفت تاريخياً باسم Abyssinia “الحبشة”. واستناداً على كل ذلك فان “ترجمة لفظ “كوش” أو “أثيوبيا” إلى الحبشة، على النحو الذي نجده في بعض الترجمات العربية للكتاب المقدس، يعد خطأ فادحاً. وأما اسم الحبشة فهي نسبة إلى قبيلة “حبشت” التي هاجرت من اليمن إلى مرتفعات القرن الإفريقي بعد انهيار سد مأرب، واختلطت بالسكان المحليين من الحاميين.

التعليقات مغلقة.