محاولات اغتيال الشخصية.. الصادق المهدي نموذجاً

محاولات اغتيال الشخصية.. الصادق المهدي نموذجاً
  • 05 فبراير 2019
  • لا توجد تعليقات


يعدّ تضليل النظام في مواجهة من تراه يمثلون خطراً على وجوده واستمراريته مفهوماً ومبرراً، كما أن الكيد السياسي على عدم أخلاقيته سلوك يمارسه بعض القوى السياسية، إلا أن ممارسته في وقت يتطلب السمو من في منعطف تاريخي خطير يمرّ به الوطن تعني وضع تلك القوى والنظام في اتجاه واحد معادٍ للخط الوطني.

 والمتابع لمجريات الأحداث في السودان يشعر بوضوح أن حزب الأمة القومي ورئيسه السيد الصادق المهدييواجهان هجمة شرسة،ومحاولات تضليل وتشكيك حول الموقف من الحراك الثوري، الذي انتظم داخل وخارج السودان ضد النظام في طريق التغيير، بل يمكن وصف ما يتعرضان له من استهداف مباشر بمحاولة اغتيال الشخصية.

تأتي هذه الهجمة بشكل أساسي من الحكومة وأجهزتها الأمنية لما يشكله موقف حزب الأمة ورئيسه مع حلفائه في نداء السودان من دور في مواجهة النظام.جاءت آخر محاولات التشكيك من خلال تصريح رئيس القطاع السياسي في المؤتمر الوطني د. عبد الرحمن الخضر في برنامج حال البلد على القناة سودانية (24)وهو يعلق على خطبة الجمعة بتاريخ 25/1/2019م التي أكد فيها الإمام حق الشعب الدستوري في التظاهر وتأييده ودعمه للانتفاضة وما وجهه من نداءات للقطاعات الشعبية والقوات النظامية للانحياز جانب الشعب.

أشار د. الخضرإلى ما أسماه بالحوار المتواصل مع السيد الصادق المهدي منذ فترة وحتى قبل يوم من خطبة السيد الصادق المهدي، الأمر الذي تم تكذيبه وفضح مراميه من خلال البيان الصادر عن حزب الأمة القومي بتاريخ 29 يناير 2019م.

وأوضح البيان أن موقف المهدي ظل ثابتاً في كل حواراته مع القوى السياسية ومن بينها مع بعض منسوبي المؤتمر الوطني، إذ أكد لهم جميعاً وما زال أن النظام فشل، وعليه تسليم السلطة، نافياً أي اتفاق من ذلك الذي أراد الخضر أن يلمح إليه لضرب وحدة قوى المعارضة، ومن ثم الثورة المباركة التي كانت وليدة واقع مزرٍ صنعه النظام طوال 30 عاماً.

في الجانب الآخر،هناك أيضاً بعض أدعياء المعارضة ملأوا ساحات التواصل الاجتماعي ضجيجاً وصراخاً في محاولات بائسة بالسير في ذات الطريق والتشكيك في مصداقية حزب الأمة القومي ورئيسه لأغراض حزبية وسياسية لا صلة لها بمواجهة الطغيان، وهؤلاء فريتهم ما أسموه بلحاق السيد الصادق بركب الانتفاضة لخطفها وقطف ثمارها بل هناك من ذهب الى أن الصادق ظهر لإجهاض الثورة باتفاق بينه وبين النظام.

إن كل هذه الافتراءات لا يمكن لها أن تصمد أمام حقائق مسيرة حزب الأمة ورئيسه، وأود هنا الوقوفعند سبعمحطات رئيسة ذات صلة بهذا الأمر لاستجلاء الموقف.

المحطة الأولى: هو اعلان موقف الحزب من انقلاب الإنقاذ ، فبعد ثلاثة أيام فقط من الانقلاب وبتاريخ  3 يوليو 1989م وجه السيد الصادق مذكرة إلى قائد الانقلاب العميد عمر البشير مخاطباً له بقوله: (لقد استوليتم على السلطة مخالفة للشرعية الدستورية، ونحن وآخرون من القوى السياسية والفئوية ملتزمون برفض ما فعلتم وإبطاله بموجب التزامنا للدستور والقانون)، وأضاف:(وهكذا نشأت في بلادنا التي تخوض حرباً وتتعرض لتآمر أجنبي، نشأت فيها مواجهة بيننا وبينكم ومعكم القوة ومعنا الحق. وحرصاً على مصير البلاد رأيت أن أقترح مخرجاً سلمياً قوامه أن الديمقراطية هو الخيار الشعبي، مع ضرورة مناقشة سلبيات قائمة نوقشت على المستوى القومي يتعلق ببرنامج التنمية وإعادة التعمير ودعم القوات المسلحة والقوات النظاميةوبرنامج السلام والسياسة الخارجية والاقتصاد)، كما أوضحأيضاً أن كل ذلك قابل للنقاش والتعديل بما يشكل مخرجاً للوطن وأنهم – أيحكومة الإنقاذ- إن اختاروا  الطريق الآخر يتحملون مسؤوليته التاريخية  -وما شاه الله كان-.

كان هذا الخطاب هو أول موقف معلن لحزب سياسي ضد الانقلاب يحدد خيار الشعب رفضاً للانقلاب، وتأكيداًللخيار السلمي القومي الديمقراطي لقضايا الوطن،الأمر الذي لم يسبقه إليه أيحزب أو قيادة سياسية.

هذا الموقف المبدئي التزم به الحزب طوال مسيرتهالمعارضة من خلال قراراتمؤسساته المنتخبة،وظل الحزب مهموماً بقضايا الوطن،فما من قضية أو مسألة تمس أمن البلاد وسلامة ووحدةأراضيه أو تتصل بمعايش الناس ومصالحهم العامة والفئوية ، إلا وكان للحزب فيه موقف وطنيغير حزبي، معلناً وموثقاً.

المحطة الثاني: حزب الأمة القومي هو الحزب الوحيد الذي لم يدنس أو يشوه تاريخه بالمشاركة في حكومة الإنقاذ،رغم ما عرض عليه من مغريات،في الوقت الذيهرعت معظم الأحزاب والجماعات إلى المشاركة لتحصدالهشيم في نهاية الأمر.

وهذا الموقف غير مستغرب لكل متابع منصف للأحداث أو لديه خلفية عن تاريخ الحزب العريق الذي  يستمد قوته من منبته الوطني وجماهيره ومؤسساته وموافقه المبدئية في مقاومة الحكومات العسكرية والديكتاتوريات.

المحطة الثالثة: السيد الصادق المهدي من أكثر القادة الذين قدموا تضحيات سجناً وتشريداً لموافقه المعلنة ضد النظام،وأثناء اعتقاله بواسطة الانقلابيين وبتاريخ 2 أكتوبر 1989م أخذته سلطات الأمن الى جهة غير معلومة وطلبوا منه تسجيل الاعتراف بفشل الديمقراطية مهددين بتقديمه لمحاكمة ميدانية قد يؤدي إلى إعدامه إن لم يفعل. كان رد السيد الصادق أن الديمقراطية لم تفشل، وأنكم الفاشلون،والديمقراطية راجحة وعائدة وسوف تحصدونالهشيم ، وتبع ذلك تهديدات متواصلة وممارسة ضغوط كبيرة عليه داخل السجن بواسطة قيادات نافذة في الإنقاذلم تغير في مواقفه.كما قال الامام محمد أحمد المهدي (المنايا في طي البلايا والمنن في طي المحن)، وهي مقولة يرددها السيد الصادق دوماً فقد كانت نتيجةهذه المحنة التي عاشهافي السجن أن أصدر كتابه (الديمقراطية راجحة وعائدة)،وقد وثق في مقدمة الكتابالممارسات البائسة للنظام الانقلابفي أثناء فترة اعتقاله.

المحطة الرابعة:بتاريخ 7 يوليو 2013م وفي حشد غير مسبوق من أعضاء حزبه والمواطنين خاطب السيد الصادق المهدي الأمة السودانية بخطاب عنوانه (الفرقان الوطني) تناول فيها سوءات النظام، وما أتبعه من سياسة الاحتكار والاقصاء والتمكين، وفرض السيطرة الحزبية على مؤسسات الدولة المدنية والنظامية، كما أشار أيضاً إلى أن الخلاص الوطني يتطلب نظاماً جديداً بسياسات جديدة وبقيادة جديدة؛ مؤكداً أن استمرار النظام بسياساته وأشخاصه بنذر بألا يكون هناك وطن، وان النظام صنع بالسودان ما صنعت البصيرة أم حمد عندما أدخل ثور رأسه في (برمة)،وكان عليها أن تخرجه فقطعت رأس الثور ثم كسرت البرمة لتخرجه.

قدم السيد الصادق في هذا اللقاء (تذكرة التحرير) التي أجازتها مؤسسات الحزب وأستهلها بقوله (النظام الذي استولى على السلطة بالانقلاب الخادع، واستمر فيها بالتمكين والإقصائية أفقر الناس، وأهدر الحقوق ومزق البلاد، وأخضعها للتدويل، فاستحق أن يطالب بالرحيل. وقال:ارحل، نحن نعمل لإقامة نظام جديد يحرر البلاد من الاستبداد والفساد، ويحقق التحول الديمقراطي الكامل والسلام العادل الشامل، وسيلتنا لتحقيق ذلك التعبئة والاعتصامات وكافة الاساليب. ودعا السيد الصادق المهدي الشعب إلى الاحتشاد والتوقيع على (تذكرة التحرير)،مع دعوة الجماهير إلى التأهب للاعتصام في الساحات العامة في اليوم الموعود، ودعوة كافة المهجرين الاستعداد للتوقيع على تذكرة التحرير والاعتصام أمام سفارات السودان بالخارج ، كما خاطب النظام بقوله (العاقل من أتعظ بغيره والحكيم من إذا أبصر ما لا بد منه يقول بيدي لا بيد عمر.

المحطة الخامسة: بتاريخ الجمعة 29 أبريل 2016م أصدر الامام الصادق المهدي (نداء الواجب) مخاطباً الشعب، يا شعبنا الصامد الصادق المبتلى بطاعون الطغيان (صار الواجب الوطني على كل وطني ملتزم بمصلحة الوطن، وكل مؤمن غيور على حرمة الدين، بل كل حريص على حقوق الإنسان، أن يتحرك تظاهراً واعتصاما وإضراباً ضد الاستبداد والفساد دون عنف أو تخريب ليقف شعبنا موحداً كما فعل في كل مفاصل التاريخ لتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقبلون). ناشد الامام في هذا النداء باسم الشعب القوات النظامية رفض البطش بأهلهم والانحياز للشعب، مطالباً الحكام أن تكون القدوة في الفريق عبود وقادة القوات النظامية، وأن أمامهم قدوة أسلافهم في رجب أبريل 1985م .

المحطة السادسة: في المؤتمر الصحفي الذي عقد بدار الأمة بتاريخ 22 ديسمبر 2018م أوضح السيد الصادق أن (التحركات السلمية مشروعة قانوناً ومبررة بواقع تردي الأحوال المعيشية، نؤيد التغيير السلمي وندين القمع المسلح، ونناشد القوى الأمنية عدم البطش بالمواطنين، وننادي الى تسيير موكب جامع تشترك فيه كل القوى السياسية والمدنية بأعلى ممثليها لتقديم مذكرة للرئاسة تقدم البديل، لنقل الأمر من العشوائية الى التخطيط، وإن لم يستجب النظام عليه مواجهة الانتفاضة وغضبة الشعب).

المحطة السابعة: إعلان السيد الصادق المهدي في خطبة الجمعة بتاريخ 25/1/2019م التأييد للحرك الشعبي والدعوة إلى تجنب أي مظاهر للعنف المادي واللفظي، وإدانته لقتل الأحرار، والعنف المفرط الذي مورس ضدهم، بتشجيع من فتاوى حكام باطلة وظالمة تبرر العنف والقتل واستخدام الرصاص الحي ضد مواطنين عزل. وهذه هي المحطة الأخيرة هي التي وسمها أصحاب الغرض بلحاق المهدي بالثورة لقطف ثمارها، ونسجوا حولها في مخيلتهم كل اتهام باطل.

لقد كان لحزب الأمة القومي شرف رفع شعار (حرية سلام وعدالة   الثورة شعار الشعب) منذ فبراير 2010م وهو مطلع قصيدة شاعر الأمة زروق العوض التي ظل يتغنى بها شباب وشابات صالون الإبداع، وأصبح جزءاً من هتاف الشارع منذ ذلك التاريخ حيث يقول فيه:

حرية سلام وعدالة

الثورة خيار الشعب

أقدام وصمود وبسالة رغم البمبان والضرب

صيحتنا هتافات داوي

من جوه أعماق القلب

مطلبنا الحكم الراشد

والسلطة تكون للشعب

ونعيش أحرار في وطنا

وبيناتنا يسود الحب

المحطاتالسبع التي وقفنا عندها هي مؤشرات لحراك يومي ومستدام طيلة مسار الحزب، ساهم به بشكل تراكمي فيما يحدث اليوم، وما بذله السيد الصادق المهدي وحزبه في تهيئة المناخ لهذه الثورة المباركة من خلال المساهمة مع زملائهم في المعارضة بجمع الصف المعارض من أحزاب وقوى ثورية ومدنية من خلال إعلان باريس، ثم نداء السودان، ووضع هيكل للمعارضة مع الاتفاق على التغيير بوسائل سلمية خالية من العنف لا ينكره إلا من في قلبه مرض.

هذا كله بجانب تغرب السيد الصادق المهدي لأكثر من عام ونصف العام بالخارج على فترتين مرافعاً ومدافعاً عن الموقف الشعبي السوداني أمام لجان حقوق الإنسان والمؤسسات الإقليمية والدولية والدول المهتمة بالشأن السوداني، ومخاطبة الحضور السوداني الكبير في الخارج الذي يمثل أكثر من ثلث السكان ممن أسماهم ( سودانيون بلا حدود)بوصفهم جزءاً أساسياً من رأس المال البشري الذين سيعتمد عليهم سودان المستقبل .

وختاماً ليسالغرض من هذا المقال الدفاع عن السيد الصادق المهدي، ولكنه محاولة لتوضيح مواقف سيسجلها له ولحزبه التاريخ،ومن الضرورة عكسها لشبابنا، ولكل من فاتهم متابعة هذا الدور خلال فترة حكم الإنقاذ الغاشم التي وجهت سهام إعلامهاالمسموم في هجمة شرسة ممتلئة بالأكاذيب تجاه الرجل وحزبه، وقدرسخ كثير منها في أذهان بعضنا على أنه حقائق، في ظل غياب إعلام حر يعكس المواقف الوطنية الحقيقية، ويكشف الافتراءات، والأكاذيب، والممارسات الفاسدة، والظلم، والطغيان.

التعليقات مغلقة.