احتجاجات السودان والجزائر.. أين تلتقي؟ وأين تفترق؟

احتجاجات السودان والجزائر.. أين تلتقي؟ وأين تفترق؟
  • 13 مارس 2019
  • لا توجد تعليقات

بعد ثماني سنوات على انطلاق شرارة ما عرفت بثورات الربيع العربي، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة النطاق في السودان أولا، ثم تلتها بأسابيع الجزائر؛ لتعيد للأذهان الانتفاضات الشعبية التي شهدتها تونس ومصر واليمن وسوريا. ورغم أن الأسباب التي ولدت الاحتجاجات السودانية مختلفة نسبيا عن نظيرتها الجزائرية، واختلاف معطيات البلدين السياسية، فإن الحراكين الشعبيين يشتركان في الكثير من النقاط.

أوجه الالتقاء
– رفض المنظومة: يرفض المحتجون في كلا البلدين المنظومة السياسية ورموزها التي تحكم السودان والجزائر منذ عقود، ويسعى المتظاهرون في البلدين إلى تغيير حقيقي للنظام يتيح المجال لبديل ديمقراطي يخرجهما من حالة الانسداد السياسي والاقتصادي.

– الطابع السلمي: تتسم الاحتجاجات في السودان والجزائر بالطابع السلمي والحضاري، وهو ما فوّت الفرصة على السلطات للتذرع بحالة العنف التي تشوه الاحتجاجات لقمع الحراك، وهو ما يفسر عدم تسجيل حالة اصطدام خطيرة بين قوات الأمن والمتظاهرين في الجزائر والسودان، رغم تسجيل قتلى في مظاهرات البلد الثاني.

– مساهمة الطلاب: كان لافتا إسهام الطلاب في تقوية زخم الاحتجاجات في كلا البلدين، وهو ما دفع وزارة التعليم العالي في الجزائر قبل أيام إلى تقديم موعد العطلة الربيعية وتمديدها شهرا كاملا، في خطوة وصفت بالتعسفية وغير المسؤولة، وتم ربطها بدور الطلاب في الحراك الشعبي.

– التشكيك وغياب الثقة: رغم التنازلات التي قدمتها السلطة في البلدين تحت ضغط الاحتجاجات المتصاعدة لتهدئة الشارع، فإن المحتجين قابلوا هذه التنازلات بالتشكيك والتخوف من أن تكون وسيلة للالتفاف على مطالبهم، وأن تكون أداة للمناورات لامتصاص غضب الرأي العام دون تنفيذ إصلاحات حقيقية.

إذ تعالت التحذيرات من إعادة النظام في الجزائر إنتاج نفسه من خلال مهلة تأجيل الانتخابات، والإتيان بأسماء جديدة تخدم المنظومة نفسها التي حكمت البلاد منذ عقدين تحت قيادة بوتفليقة.

وأدى هذا التشكيك والرفض لاستمرار المظاهرات في الجزائر والسودان، التي رفضت مضامين ما جاء في بيان بوتفليقة وخطاب البشير، ومنه فرض حالة الطوارئ لمدة عام.

– من رحم اليأس: ويرى إبراهيم فريحات أستاذ إدارة النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا أن الحراكين في السودان والجزائر هو مواصلة لجانب من جوانب الربيع العربي، الذي اعتقد الكثيرون أنه أصبح شيئا من الماضي بعدما حدث للثورة السورية من انتكاسة وانتصار لنظام الرئيس بشار الأسد.

ويضيف فريحات في تصريح للجزيرة نت أن الاحتجاجات في السودان والجزائر خرجت من رحم اليأس والإحباط مما آلت إليه الثورة السورية وباقي ثورات الربيع العربي، إذ انتصرت فلسفة الثورات المضادة والأنظمة الديكتاتورية.

ويضيف الأستاذ المتخصص في إدارة النزاع أن الحراك في البلدين هو نتاج حركة احتجاج داخلية بعيدة حتى الساعة عن أي تدخل أجنبي، ويضيف أن الجماهير التي تحتج في السودان والجزائر استخلصت الدروس من الماضي بالحرص على الابتعاد عن العنف، وما يطعن في سلميتها، كما لم تتسلل إلى صفوف المتظاهرين عناصر متطرفة موالية لتنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية.

أوجه الاختلاف
– قيادة الاحتجاجات: تقود الحراك في السودان منذ أواسط ديسمبر/كانون الأول 2018 قوى مدنية ونقابية، لا سيما تجمع المهنيين السودانيين الذي أبان عن قدرة تنظيمية كبيرة في تأطير الحراك وضمان توسعه أفقيا وعموديا في مختلف شرائح المجتمع ومناطق البلاد، وإيجاد أشكال متعددة ومختلفة للتعبير عن الموقف السياسي المطالب برحيل البشير ونظامه.

والتحقت أحزاب المعارضة الرئيسية في السودان بهذا الحراك الشعبي بعد أسابيع من اندلاعه.

في المقابل، لا توجد في المجتمع الجزائري حاليا قوى سياسية تؤطر الحراك الذي مرت على بدايته 15 يوما، وذلك بسبب افتقار القوى الحزبية الحالية -سواء المشاركة في السلطة أو المعارضة- للرصيد الجماهيري، ولذلك ظهرت دعوات في الفترة الأخيرة -لا سيما عقب خطاب بوتفليقة- للاتفاق على شخصيات مستقلة تحظى بشعبية لتكون ناطقة باسم الحراك في مواجهة السلطة.

وتتعرض أحزاب المعارضة في الجزائر لحملة انتقادات وتشكيك في مصداقيتها، وذلك بسبب افتقارها للرصيد الشعبي بسبب مشاركتها في منظومة الحكم لسنوات.

وهذا الطعن في مصداقية أحزاب المعارضة في الجزائر دفع العديد من المجموعات الشبابية المشاركة في الاحتجاجات إلى دعوة أربع شخصيات مستقلة في الجزائر لتمثيل الحراك والدفاع عن أهدافه والمساهمة في تأطير الشباب ليكون فعالا في العملية السياسية، وهذه الشخصيات هي مصطفى بوشاشي وكريم طابو وفضيل بومالة وأحمد بن بيتور.

كما دعت مجموعة من الصحفيين الجزائريين إلى عقد لقاء تشاوري مفتوح لدراسة آفاق الحراك ودور المجتمع المدني المستقل في مواجهة سياسات السلطة وأحزاب المعارضة.

– حاجز الخوف: بخلاف الحالة السودانية التي اعتادت فيها العديد من القوى السياسية والاجتماعية والنقابية الاحتجاج في السنوات الماضية، فإن المحتجين في الجزائر كسروا حاجز الخوف من الاحتجاجات، لا سيما في قلب العاصمة، وذلك في ظل الحساسية المفرطة للسلطات من الاحتجاجات في العاصمة وتخويفها المستمر للرأي العام من مغبة العودة إلى حقبة العشرية الدامية في تسعينيات القرن الماضي، التي راح ضحيتها عشرات آلاف القتلى.

ويقول إبراهيم فريحات إنه من جوانب الاختلاف بين الحراكين أن خيارات السلطة تجاههما مختلفة؛ ففي السودان لا يتوفر الرئيس البشير على خيار الخروج المشرف من السلطة في حالة التنحي عن السلطة، لأن المحكمة الجنائية الدولية ستكون له بالمرصاد، في حين أن احتجاجات الجزائر توفر لنظام بوتفليقة مخرجا مشرفا دون الخوف من المتابعة القضائية.

ماذا تحقق؟
بعد أسبوعين من الاحتجاجات، أعلن الرئيس الجزائري في 11 مارس/آذار الحالي تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل، وعدم ترشحه لولاية خامسة في تلك الانتخابات، كما قبل استقالة الوزير الأول أحمد أويحيى، وعين وزير الداخلية نور الدين بدوي وزيرا أول.

كما دعا الرئيس بوتفليقة إلى ندوة وطنية مستقلة وجامعة بصلاحيات واسعة لاعتماد كل الإصلاحات الضرورية، ومنها تعديل دستور 2016، على أن تشرف عليها شخصية وطنية مستقلة، ويشارك في الندوة مختلف ألوان الطيف السياسي ومكونات المجتمع المدني.

وأما في السودان، فطلب الرئيس البشير من البرلمان تأجيل مناقشة تعديلات دستورية كانت تسمح له بإعادة الترشح لفترات رئاسية جديدة خلافا لما ينص عليه دستور 2005.

كما أعلن الرئيس في الثاني من فبراير/شباط الماضي حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام كامل، وعيّن نائبا له هو وزير الدفاع عوض بن عوف، وحل الحكومة بمستوييها الاتحادي وفي الولايات، وتسمية حكام ولايات جدد يغلب عليهم الطابع العسكري، أملا في إخماد زخم الحراك المطالب بنهاية حكم البشير.

ويشير أستاذ إدارة النزاع إبراهيم فريحات إلى أنه من أبرز إنجازات الاحتجاجات في البلدين النفس الطويل في التظاهر والقدرة على الثبات والمواصلة، وذلك راجع للضيق الشديد من الأنظمة الحاكمة واستخلاصهم دروس الماضي.

كما أنه من إنجازات المحتجين في البلدين أن تقهقر النظامان أمام مطالب المتظاهرين، خاصة في الحالة الجزائرية، في حين أن ما تحقق يبقى متواضعا في السودان.

ما لم يتحقق
يرى فريحات أن الاحتجاجات الشعبية في الجزائر والسودان لم تستطع حتى الساعة إحداث تغيير شامل في البلاد؛ ففي الجزائر وعقب خطاب بوتفليقة أمس الاثنين، قال السياسي الجزائري المعروف مصطفى بوشاشي إن ما أعلنه بوتفليقة هو انتصار جزئي للحراك الشعبي، لأن مطالب المحتجين لم تقتصر فقط على إسقاط العهدة الخامسة لبوتفليقة وتأجيل الانتخابات.

ويضيف بوشاشي أن المحتجين يطالبون بمرحلة انتقالية تحت إشراف حكومة توافق وطني وانتخابات حقيقية وديمقراطية حقيقية، على أن تشكل هذه الحكومة عقب مشاورات واسعة مع شخصيات لها مصداقية في الشارع الجزائري.

وفي السودان، يؤكد تجمع المهنيين أن مخططات السلطات “لن تكسر عزيمة المحتجين في المضي قدما لتحقيق أهدافهم، وهي سقوط النظام وانتقال البلاد إلى حكم انتقالي مدني يخاطب قضايا معاش الناس وأمانهم وسلامهم وحريتهم”.المصدر : الجزيرة




التعليقات مغلقة.