أعداء الحرية والجمال.. و”ماي وكوربن”

أعداء الحرية والجمال.. و”ماي وكوربن”
  • 04 يونيو 2017
  • لا توجد تعليقات

محمد المكي أحمد- رئيس تحرير صحيفة" التحرير" الالكترونية

 القاسم المشترك الذي يربط بين أهداف أعداء الحرية والجمال والتسامح والتعايش، يكمن في أنهم يختارون بدقة لافتة مواقع الاشعاع الثقافي والفني والحضاري والديني، ليضربوها بقسوة، ليثيروا الخوف والفزع في نفوس الناس، في محاولات مميتة ومستمرة، ترمي الى إطفاء مشاعل النور، لتنتشر الفوضى، وتسيل الدماء، من أجل أحداث الانقسام بين الناس .

بتأمل المواقع التي ضربها الإرهاب في بريطانيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، يبدو جلياً أن الإرهابيين حددوا خريطة الأهداف واختاروا الأماكن التي تعبر عن قيم الحرية و الديمقراطية والجمال والفن.

 في حادث الدهس بسيارة، قتل الإرهاب أبرياء على جسر ويستمنستر و طعن ضابط شرطة بريء، اثناء أداء عمله  في 22 مارس 2017، كان الحدث البشع  أمام البرلمان، أعرق موقع ديمقراطي، وأروع ساحة يفاخر البريطانيون وعشاق الحرية في كل مكان بمكانتها،  ودورها في بناء مجتمع تسوده العدالة والحرية والتسامح.

في مانشستر في 22 مايو 2017 اختار الارهاب موقعاً فنياً، هناك في قاعة “مانشستر ارينا” للحفلات الموسيقية احتشد الناس، من كل لون وجنس ودين، من أجل ” الفن”، ففي بريطانيا تشكل الفنون، والثقافة بمختلف أشكالها ومجالاتها مصدر عشق واثراء، لحياة أناس يعيشون حياتهم، كما يريدون، لا كما يريد أعداء الحرية، بمختلف مسمياتهم وعناوينهم، سواء كانوا حكاماً ديكتاتوريين، أو ” مصاصي دماء”.

في العملية الإرهابية التي حدثت مساء السبت  3 يونيو 2017، جرى قتل أرواح بريئة، واراقة دماءً على جسر ” لندن بريدج”، وهو موقع رائع في لندن التي تطل على نهر “التميز”، كما ارتكبت جريمة إرهابية في الوقت نفسه، في سوق قريبة من الجسر أيضا، يرتادها الناس والسياح. صادف فعل الإرهابيين مساء السبت، ليلة من ليالي رمضان لدى المسلمين، الذين يتمتعون بحقوق ملموسة ومحسوسة، يكفلها القانون، في بلد ديمقراطي، تسوده قيم الحرية والعدالة.

مصادفة غريبة حدثت عشية وليلة الاعتداءين بالدهس والسكاكين في لندن والسوق، إذ وجه مسجد ” اكلس” في مانشستر عشية الحدثين دعوة لغير المسلمين لتناول الإفطار الرمضاني في المسجد يوم السبت 3 يونيو.

روح التلاقي والتفاعل في المسجد تزامنت مع ليلة الاعتداء الإرهابي في لندن، وكانت دعوة المسلمين في مانشستر إخوانهم في الإنسانية، لتناول الإفطار في المسجد رسالة مهمة وحيوية، عبرت عن  روح التسامح السائدة بين المسلمين والمسيحيين واليهود واللادينيين، الذين يتمتعون بحقوقهم الإنسانية في مانشستر وفي بريطانيا.

 اللقاء في مسجد بمانشستر عكس رسالة محبة، يرفعها من يجسدون قيم الإسلام، دين التسامح بالمعاملة ، في مواجهة من يرفعون السكاكين أو يدهسون خلق الله في الشوارع من دون رحمة أو ذرة من ضمير.

المسلمون في بريطانيا أمام تحديات متزايدة في ظل استمرار الهجمات الوحشية التي يشنها متطرفون بأساليب لا إنسانية، وموغلة في النهج الدموي، ضد من يسير على الطريق، ويمكن أن يكون الضحية مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً، أو أي شخص بدون دين، لكنه انسان.

التحديات تعني أن تتضافر جهود المسلمين مع كل الناس، لتعميق روح التلاحم والتضامن والمحبة والتنوير، في مواجهة نبض الكراهية والانقسام، في مجتمع يتمسك قادته وسياسيوه وشعبه بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة والتعددية الدينية.

 التفاعلات الجارية في لندن الآن تؤكد أن ” الأمن ” شكل ويشكل عنوانا بارزا في اهتمامات البريطانيين، حكومة ومعارضة، ليس بعدما شهدت لندن عملية إرهابية على جسر ” لندن بريدج”، بل منذ سنوات كان الأمن في صدارة الأولويات، لكنه بات اليوم عنواناً ساخناً في صدارة العناوين والأولويات .

  يكفي الإشارة الى أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي (حزب المحافظين) التي تخوض الانتخابات الخميس المقبل (8 يونيو) في مواجهة  أقوى منافسيها  زعيم حزب العمال ( المعارض) جيرمي كوربن، قد أعلنت عقب الحادث الإرهابي ( 3 يونيو)  أنها ستسعى الى ” مراجعة استراتيجية بريطانيا في مكافحة الإرهاب”.

هذا معناه أنها ستتخذ إجراءات جديدة وصارمة  في حال فازت بالانتخابات، و المؤكد أن كوربن سيتخذ الإجراءات  نفسها لحماية البريطانيين وكل الناس من مخاطر قتلة،  يقتلون الناس من دون أن يرف لهم جفن.

 في ضوء كل هذه التفاعلات، فرضت المسألة الأمنية وجودها وحضورها المؤثر على الانتخابات العامة التي ستشهدها بريطانيا الخميس المقبل (8 يونيو)، ومن دون أدنى شك ستؤثر الهجمات الإرهابية في تحديد خيارات الناخبين.

المتنافسان القويان هما ماي وكوربن، فاذا فارزت تيريزا ماي، فإنها ستكون أقوى قيادة وأكثر تفويضاً من أي وقت مضى ، سواء لتنفيذ استراتيجية أمنية جديدة أو في  سياق مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعدما كان البريطانيون قرروا في 23 يونيو 2016 الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي.

ماي قالت في اطار حملتها الانتخابية أنها تريد مملكة متحدة ومتضامنة في نهاية عملية ” بريكزيت” (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، وهي تسعى ضمن أهداف أخرى الى التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب، لكنها قالت للبريطانيين أن ” أي صوت لي هو من أجل قيادة قوية ومن أجل استقرار اقتصادي ” (الخ)، واذا فازت ستكون إمراه حديدية  قد تفوق قوة الحديدية مارغريت تاتشر” إبنة البقال” كما كانت تصفها الصحافة الريطانية ، وستشكل  ماي في حال فوزها  قيادة تاريخية بكل المقاييس.

أما كوربن فشدد ضمن تأكيدات عدة في لقاءاته الانتخابية على أنه لن يتهاون في موضوع الأمن والإرهاب، وبدا واضحا أنه يراهن من أجل الفوز على كسب تأييد قطاعات عريضة من المجتمع، بينها الطلاب والآباء والأمهات وكبار السن والبريطانيين من أصول عربية و آسيوية وافريقية.

 اذا رجح الناخبون كفة زعيم حزب العمال جيرمي كوربن، فالحدث سيكون تاريخياً بكل المقاييس وسيقلب معادلات الداخل والخارج، إذ أن لديه سياسات تختلف جوهرياً عن سياسات المحافظين ، ويمكن الإشارة  على سبيل المثال الى أنه وعد البريطانيين بعدم زيادة الضرائب ومعاملة المهاجرين بإنسانية والغاء الرسوم الجامعية وإعادة المنح المالية للطلاب وزيادة الحد الأدنى للأجور،  وبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة، هذا إضافة الى توجهاته في السياسة الخارجية، وهي تختلف عن سياسة المحافظين.

أيا كان الفائز في الانتخابات، فان الديمقراطية في بريطانيا هي الفائز والمنتصر الأول، والبريطانيون ومن ينعم بالحياة على أرضهم هم الرابحون، رابحون في دولة الحرية والعدالة والتعددية السياسية والثقافية والدينية.

إنها دولة المؤسسات، ما يعني أن أي تهديد إرهابي يواجه المملكة المتحدة هو تهديد لكل الناس، الذين ينعمون بحياة آمنة مستقرة عادلة، تسودها سلطة القانون، لا سلطة القمع والكبت والقهر.

الانتخابات في بريطانيا، كما هي في أميركا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول غربية حافلة بدروس وعبر، لأنها انتخابات حقيقية، تعكس إرادة الناس، وتتم في أجواء يغمرها مناخ الحرية، وتضبط إيقاعاتها سلطة القانون.

هذا درس  قديم جديد لمن يمارس  القمع والكبت والقهر..

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.