درس الفيفا !!

درس الفيفا !!
  • 09 يوليو 2017
  • لا توجد تعليقات

سيف الدولة حمدناالله

إن كان هناك ثمة حسنة لقرار الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” بتجميد نشاط كرة القدم وتوابعها  بالسودان فهي أن القرار قد وضع عدسة مكبرة رأى بها الشعب (وبينهم كثير من المُنكرين) رؤى العين المنهج الذي تُدار به شئون الدولة، ولو أن “الفيفا” كانت مثل غيرها من المنظمات الدولية التي لا تملك سلطة وأدوات تنفيذ القرارات التي تُصدِرها بحرمان الفرق الوطنية من المشاركات الدولية، لما رأيت كل هذه العويل واللّطم والتحرُّك السريع على مستوى رئاسة الجمهورية وكبار المسئولين بمحاولة معالجة الأزمة، فالذي منع هؤلاء المتاعيس هذه المرة من “المُقاوحة” كما فعلوا حيال القرارات الأممية السابقة، كأن يقولوا بأن تدخل “الفيفا” يمُس السيادة الوطنية (كما حدث في البداية) أو يقولوا أن عليها ما قالوه في غيرها، ما منع حدوث ذلك، أن سلطة الدولة لا يُمكنها حجب الأثر المباشر لقرار “الفيفا” بتجميد الرياضة لأن الذي يقف وراءها جمهور لا يرحم.

وقد وقفت على حجم هذه الحقيقة (ولاء الجماهير للرياضة) قبل بضعة شهور خلال متابعتي على التلفزيون لندوة قام بتنظيمها نادي الموردة الرياضي لمناقشة أسباب هبوط الفريق للدرجة الثانية، ومن بين المتحدثين وقف رجل كبير في السن وقال بصوت مُتهدّج وعيناه تورقان بالدموع: “أشهد الله أن زوجتي حينما توفت لم أحزن عليها مثل حزني على هبوط الموردة”.

خطأ “الفيفا” أنها تأخرت كثيراً في الوصول لحقيقة أن النظام يتدخل في ديمقراطية الرياضة، ذلك أن الفريقان اللذان يتصارعان اليوم في السيطرة على إتحاد كرة القدم كلاهما من صُنع وإنتاج المؤتمر الوطني، فما يحدث بينهما لا يعدو أن يكون إنتطاحاً بين معيز في حلبة واحدة، تذوّق الأول الحليب ولا يريد أن يترك الثدي لقرينه، والذين ينقسمون في مؤازرة وتشجيع أيّ من الفريقين يفعلون ذلك من واقع المسافة التي يقف فيها أيّ منهما (معتصم جعفر وسرالختم) من الأندية الكبرى.

في ظل ظروف طبيعية ونظام حكم رشيد، أيّ إنتخابات نزيهة تُجرى في إتحاد كرة القدم دون تدخل جهاز الدولة لا يُمكنها أن تأتي بأيّ فرد من الفريقين، فالذي جعل معتصم جعفر رئيساً في الإنتخابات الماضية ويريد للفريق سر الختم أن يخلفه في المنصب هي نفس الجهة التي كانت قد جعلت شخص مثل إبراهيم غندور من قبل رئيساً ل “عُمّال” السودان وهو طبيب أسنان، وجعلت الطيب هارون نقيباً للمحامين والرزيقي نقيباً للصحفيين.

العقلية التي عزلت السودان من محيط الكرة هي ذاتها التي عزلت الوطن من المحيط الدولي برمته وجعلت رئيس الجمهورية – لسنوات – وهو وهو لا يستطيع التحرّك إلا لزيارة الجيران (السعودية – إثيوبيا – مصر وبالعكس) وعاجز عن تمثيل الدولة في المؤتمرات الدولية وحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ذات المنهج الذي أدّى إلى مقاطعة السودان ووضعه ضمن الدول الراعية للإرهاب وأصحابه يريدون اليوم أن يجعلوا من معالجة تلك الأخطاء (إن نجحوا في ذلك) إنجازاً وبطولة.

جذور مشكلة الرياضة في السودان إنتهت بالصراع على إتحاد كرة القدم، ولكنها لم تبدأ منه، فالذين يسيطرون على رئاسة الأندية الرياضية الكبرى هم أسْ الأزمة، وهؤلاء يظفرون بتأييد جماهير الأندية برغم علمهم بتاريخهم لمجرد سخائهم في الصرف على الأندية، وقد كتبت مرة عن حصول رئيس أحد أندية المقدمة (وهو في الأصل أفندي غلبان كان يعمل ضابط بجهاز الأمن) على لقب “الرئيس الأكثر شعبية في الوطن العربي” وهو لقب يُشبه إلى حد كبير لقب (الرئيس المحبوب) الذي كان يُطلق على الرئيس “كيم إيل سونغ” رئيس كوريا الشمالية الأسبق، والذي كان سبب حصوله عليه، أنه كان قد تخلٌص من جميع الكوريين الذين لم يكونوا يحبونه، وذلك بإعدامهم وإزالتهم من الوجود، ومثل اللقب الذي حصل عليه رئيس هذا النادي، لم يحصل عليه أيّ من  رؤساء أندية السودان العظماء السابقين مثل الطيب عبدالله والحاج عبدالرحمن شاخور وحسن أبوالعايلة وفؤاد التوم ..الخ، الذين إستطاعوا تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها الفرق الرياضية، فجماهير النادي، أي نادي، تحسب قيمة ووزن القائمين على أمره بالنتائج التي يحرزها الفريق لا بالثروة التي يتمتع بها رئيسه، اوالطلاء الذي يُصبغ به الملعب او المقصورة التي تُبنى لتناسب اولاد الذوات والوجهاء والمسئولين.

لولا مقدرة “الفيفا” على تنفيذ القرارات التي تُصدرها، لما ظهرت شجاعة الفرسان الذين تراهم اليوم يأخذون على النظام خطئه بالتدخل في شأن الرياضة بالمخالفة لقواعد المنظمة الدولية، فالنظام لديه من يستطيعون محاولة إقناع الشعب بأن النعجة ثور، فحينما فرض النظام في بداية حكمه حظر التجول ولعدة شهور من السابعة مساء حتى فجر اليوم التالي، كتب أبواق النظام أن الشعب سعيد من حبسه في البيوت، وذكروا أن كثير من المواطنين قد كتبوا للقصر وللصحف يشيدون بحظر التجول ويطالبون بإستمراره، لأنهم وجدوا الوقت لمساعدة أولادهم في إستذكار دروسهم والخلود إلى زوجاتهم.

لا ينتهي هذا المقال دون الإشارة إلى دور وكيل وزارة العدل “عباس الرزم” الذي قبِل على نفسه، دون إكتراث، أن يكون القرار الذي أصدره بإخلاء مقر إتحاد الكرة بالقوة الجبرية بمثابة السكين التي أجهزت على روح المحتضر، وقد بنى الإتحاد الدولي لكرة القدم  حيثيات قراره إستناداً على قرار وكيل وزارة العدل الذي قدم لها تحت سقف واحد كل البراهين على تدخل جهاز الدولة في النزاع حول الإتحاد.

مهما يكن من أمر، فإن كرة القدم ليست أغلى على أي مواطن من الوطن نفسه، فالذي ينبغي على الجميع عمله أن نتضافر على ردم بركة الناموس لا أن نكتفي بتناول دواء الملاريا، فالذي حدث في محيط الرياضة ليس أقسى على الأفئدة من الظلم الذي طال أبناء الوطن، فالذين يتصارعون ليقوموا بتمثيلنا هم الذين مثّلوا بنا ونهبوا أموالنا وتقاسموها فيما بينهم ومزقوا الوطن.

saifuldawlah@hotmail.com

  • مستشار قانوني

 

 

التعليقات مغلقة.