في زياراتي الأولى من البلد للخرطوم محل الطيارة تقوم والرئيس ينوم لفرط ما سمعت عن قصص النشل والتحايل والخداع والسطو فيها ظللت شديد الحرص على نفسي، قابضا على جيبي بقوة خاصة عند اعتلاء المواصلات، قليل التبسط مع أهلها.
لكن حين استقر بي المقام فيها سنوات اكتشفت أن ناس الخرطوم طيبون يألفون ويؤلفون نادر شاذهم، بل اعتقدت بعد حين بثقتي الزائفة أنني صرت عاصميا معصوما عسير النيل مني، لكن إلى حين!
اعتدت في طريقي اليومي من الجامعة لسكني التأمل في لافتات المحال التجارية وحركة الناس والمركبات تزجية للوقت.
ذات مرة استوقفني منظر ” لمة” يمين الشارع الرئيس فوقفت بدافع حب الاستطلاع فإذا بهم ينهمكون في لعبة مسلية من يصيب الهدف فيها يربح ومن يخطئ يخسر وبدت لي سهلة ميسورة وأمامي جنى بعضهم مبلغا فحدثتني نفسي أن أجرب حظي ففعلت لكني أخطأت في محاولتي الأولى فطلبوا دفع مبلغ زهيد لكني لم أجد الفكة فسلمت ورقتي النقدية الوحيدة فئة 100 جنيه وبي إصرار على النجاح، الذي نلته في المرة التالية وكان بمقدوري مزيد من الإصابات غير أن أحدهم صاح بهم:
نحن تأخرنا يا جماعة، هيا!
فانفض الجمع بسرعة خاطفة مهرولين فأدركت المطب فأسرعت خلفهم صائحا:
يا بوليس الحرامية!
فازدادت سرعتهم ولم يكن بالموقع أثر لشرطي غير شخصين برزا فجأة كأنما انشقت بهما الأرض يستفسران:
ما لك يا زول خيرا؟
فأوجزت بسرعة الحاصل دون أن أتوقف فقالا:
يظهر عليك ود ناس، ديل مجرمين، لو حصلتهم سيؤذوك، ولو بلغت الشرطة سيعتقلوك لأنك شاركتهم!
هنا همد حيلي وانسد أفقي وتيقنت من فقدان مبلغ مؤثر في ميزانيتي لكن لم يكن بوسعي سوى تجرع مرارة سذاجتي، ولكل جواد كبوة، و” ياني البكر الغشيم “، أي كما أجاد وردي في إحدى روائعه النوبية ” أيتا دووش كقيلليه ..” .
توجهت فورا لعمنا الوجيه محمد عثمان فقير ” أقترى ” في دكانه القريب المختص بتجارة المحاصيل حيث تقصده لواري منطقتنا محملة بالتمور والفول فرحب بي باسما كعادته فجلست أحكي له ما جرى من احتيال فقال ضاحكا:
يا أستاذ ديل نصابون حتى الشخصين تبعهم .. كيف لا تعرف جماعات لعبة الملوص؟
قلت مذهولا :
أهي الملوص؟!
لم أرها إلا اليوم!
هنا نادى ولده:
يا نصر الدين دور العربية .. وقال لي:
الليلة حتمشي معانا البيت وقد كان حيث استقبلتني زوجته، بنت عمه الطيبة زهرة بحفاوة بالغة وعتاب:
ليه ما تجينا يا أنور طوالي، أنت ما بتعرف أنا عمتك؟!
بعد الغداء تمددنا فحكى لي العزيز محمد عثمان بلطفه المعهود كيف بدأ التجارة في البلد، وحين انتقل إلى سنجة اكتشف مدى جهله بأسرارها وعندما أتى للخرطوم كيف دخل سنة أولى تجارة واسعة وأضاف:
إنني بكل سنواتي وتجارتي ومحالي التي تعرف مازلت أتلقى ضربات تماسيح أسواق الخرطوم فضحكنا وكان لإيناسه السلوى والتسرية!
بعد يومين نشرت لي جريدة الأيام واسعة الانتشار حيث كنت أكتب فترتئذ مقالا ضاجا بقصة الملوص المثيرة وكان لها دوي هائل!
أيقنت مذاك أنني مجرد قروي تلقائي في المدائن المخلبية مهما سولت لي نفسي أحيانا بأنني صرت جزءا من البندر لذا أرفع درجة التأهب القصوى سواء كنت في خرطومنا الحبيبة عاصمة الضفاف ال 6 أو في سائر مدائن الدنيا الرحيبة ال حدادي مدادي!
.. ما أحيلاك قرانا الوادعة السابل سترها، الوافر نعيمها!
لمسة لغوية
شاء: أراد
إن شاء الله: إن أراد الله
إنشاء: تكوين، خلق، تأسيس
إنشاء الله: خلق الله
معقول?!
خطأ كارثي يقدح في العقيدة
إذن الصواب
كتابة العبارة ” مفرقة “
إن شاء الله