وادي حلفا كيف تُظلَم مرتين؟؟
نداء للعدالة التاريخية والتنمية الوطنية

وادي حلفا كيف تُظلَم مرتين؟؟<br>نداء للعدالة التاريخية والتنمية الوطنية
  • 09 يونيو 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة – (باحث ومهتم بقضايا الهوية والتنمية )

▪️في أقصى حدود السودان الشمالية ، وعلى ضفاف النيل الخالد، ترقد مدينة وادي حلفا، شاهدة على مجدٍ تليد، وتضحياتٍ جسام، وجرحٍ لا يزال نازفًا منذ ستينيات القرن الماضي.
مدينةٌ كانت يومًا من أجمل بقاع السودان عمرانًا، وأكثرها تمازجًا بين عبق الحضارات وامتداد الأرض، تحوّلت بقرارٍ سياسي إلى ضحية صامتة، اغتُصبت أرضها، وغُمرت بيوتها بالمياه، وهُجّر أهلها من دون تعويضٍ يليق بمقامهم وتاريخهم.

حلفا.. حضارة غمرتها مياه السد العالي

▪️حين قامت اتفاقية بناء السد العالي بين مصر والسودان في ستينيات القرن الماضي، وافق السودان على أن تغمر مياه البحيرة مدينة وادي حلفا القديمة بالكامل. ولم يكن ذلك مجرد حدث عابر، بل زلزال وطني وإنساني بكل المقاييس.
▪️فقد تم تهجير أكثر من خمسين ألف مواطن سوداني من أهل وادي حلفا، نُقلوا إلى أماكن بعيدة عن موطنهم الطبيعي، في واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري التي عرفتها إفريقيا الحديثة.
ضاعت الأرض، وتحتها ضاعت آثارٌ نادرة تعود إلى آلاف السنين، تمثل جزءًا من الهوية السودانية الضاربة في جذور التاريخ.

أين المكافأة على التضحية؟

▪️ومع هذا التهجير والتنازل الكبير عن الأرض لصالح مشروع سدٍ يعود نفعه بالدرجة الأولى إلى الجارة مصر، كان من البديهي ـ بل من المفروض ـ أن تحظى وادي حلفا بمكانة خاصة في بنود تلك الاتفاقية.
▪️أن تُكافأ على ما قُدِّم من تضحيات لا تُقدّر بثمن، ولو في الحد الأدنى بضمان إمدادها المستمر بالكهرباء من كهرباء السد العالي ذاته، الذي أنارت طاقته قُرى ونجوع مصر، في حين بقيت المدينة السودانية التي دفعت الثمن تعيش الظلام والحرمان.
▪️أيُّ منطق هذا الذي يجعل من ضحية المشروع الكبرى، هي أقلّ المدن استفادة منه؟
وأيُّ عدالة تاريخية تُجيز أن تُدفن المدينة تحت الماء، ويُهجر أهلها، ثم يُحرم أحفادهم حتى من إنارة بيوتهم بالكهرباء الناتجة عن المياه التي أغرقت مدينتهم؟

حلفا.. ليست هامشًا بل بوابة وواجهة

▪️وادي حلفا ليست مدينة نائية في أطراف الخريطة. إنها بوابة السودان الشمالية، وشريان تجاري واستراتيجي مع مصر والعالم العربي، ومنطقة يمكن أن تتحول إلى مركز إقليمي للنقل والترانزيت والتبادل التجاري والاستثمار الزراعي والسياحي إذا أُحسن التخطيط لها.
▪️موقعها الجغرافي يؤهلها لتكون منطقة اقتصادية حرة، ونقطة عبور للبضائع والناس، ورمزًا للتكامل بين السودان ومصر.
▪️كيف يمكن إذًا القبول بأن تظل هذه المدينة بلا كهرباء مستقرة، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى كل قرية وكل مدينة لتُسهم في بناء اقتصاد وطني متعافٍ؟

دعوة للحكومة السودانية: آن أوان التصحيح

▪️يجب على الحكومة السودانية، بكل مستوياتها، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والإنسانية تجاه وادي حلفا، وذلك من خلال مسارين:
1- إعادة فتح ملف اتفاقية السد العالي
والتفاوض مع الجانب المصري لضمان إمداد دائم ومجاني أو شبه مجاني للكهرباء من السد العالي إلى وادي حلفا، كحد أدنى من التعويض عن الخسائر الهائلة التي لحقت بالمدينة وأهلها.
2- إنشاء محطات كهرباء
حرارية مستقلة او محطة طاقة شمسية ضخمة، تكون مملوكة للدولة أو بالشراكة مع القطاع الخاص، لتزويد المدينة والمناطق المجاورة بالطاقة، وتحفيز فرص الاستثمار، وإعادة إحياء حلفا الجديدة كمركز اقتصادي مهم.

الإنارة ليست رفاهية.. إنها حق

▪️ الحديث عن الكهرباء في وادي حلفا ليس مجرد ترف أو مطلب خدماتي عابر، بل هو حديث عن إنصاف مدينة، وتعويض أهلها عن جرح لم يُداوَ منذ عقود.
الإنارة هنا تحمل رمزية أكبر من مجرد مصباح يُضيء غرفة أو شارع، إنها تعني إنارة التاريخ المظلم، ورفع الظلم المتراكم، وإعلان بداية جديدة لوادي حلفا، لا كمنطقة منسية، بل كجزء أصيل من مشروع بناء سودانٍ جديد.

العدالة تبدأ من الأطراف

▪️حين تُنصف وادي حلفا، فإنك لا تُضيء مدينة فقط، بل تُشعل شعلة أملٍ في كل أطراف السودان المهمشة.
العدالة لا تبدأ من المركز، بل من القرى والمدن التي تحملت عبء التاريخ وصمتت طويلاً.
▪️وادي حلفا اليوم لا تطالب بصدقة، بل بحَقّ، بل بواجبٍ تأخّر كثيرًا.
آن الأوان أن نُنصفها.. أن نُضيئها.. أن نعيد لها اعتبارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*