برحيل مكي.. نفقد ذاكرةً حية

ببالغ الحزن والأسى، نرثي الفنان النوبي مكي علي إدريس، الذي وافته المنية اليوم في دنقلا في الشمالية في 8 يونيو 2025م. عزائي أنَّه مات في أرض النوبة قرب نيلها ونخيلها. مكي لم يكن مجرد صوت عابر في شرايط كاسيت بيوت الغربة بصورته الأيقونية حاملا طنبورة، بل كان تعبيراً ومكمن سر كم هائل من الذكريات. صوته كان حاضرًا في تفاصيل طفولتي وصباي، فهو جزء من تكوين وجداني وعلاقتي المبكرة بالهوية النوبية.
أستمع لأغانيه كلما شعرت بالحنين، لا لمجرد الاستماع، بل لأختبر ذاكرتي في الكلمات النوبية كلما زاحمتها اللغات الأخرى. صوت مكي كان يوقظ داخلي صورًا كاملة، لا تقتصر على الكلمات أو الألحان، بل تستحضر ذكريات قديمة.. رائحة المكان، ألوان البيوت، الأصوات، ومشاعر يصعب شرحها. مشاعر متعددة الأبعاد. كانت أغانيه تعبّر عن شيء أعمق من الحنين، شيء يربطني بجذورٍ قديمة، ويمنحني شعورًا بالانتماء لا يكتفي بالكتب ولا الصور.
لم يسع مكي إلى الأضواء، ولكنه صار رمزًا بلا تكلف منه. صوته، شعره، حضوره، كله ملتزم ثابت وتتبع أعماله مشيمتك كنوبي بتاريخك. برحيله نفقد فنانًا، ونفقد أيضًا ذاكرة حية، ومصدرًا من مصادر الطمأنينة التي كانت تربطنا بأرضنا وهويتنا.
رحمك الله يا مكي، وجعل ما قدّمته من فن صادق وأصيل في ميزان حسناتك.
إنا لله وإنا إليه راجعون.