هبة المهندس.. عالم جميل !

(1)
أتوا بالنجوم السوامق تسطع، من كل حدبٍ وصوب، أتوا بجورج قرداحي.. وجئنا بهبة المهندس، رمينا بها في عمق لجة عجت بالكبار، وكنا متأكدين بأنها ستعبر إلى الضفة الأخرى وترفع رأسنا عالياً. وفعلاً عبرت بنا وصنعت التأريخ !!
(2)
جلسنا في اجتماع صاخب يبحث خطط تغيير العلامة التجارية، وأتت شركة ما وراء البحار بعلم باذخ وأساطين كبار وعلماء وخبراء ، وطفقوا في إعطاء دروس كيف يكون العلم وحده قادر علي تحقيق النجاح !! قلنا لهم أن العلم وحده لا يكفي ولن يطير بالعملية كلها لتهبط في مرافئ النجاح فلا بد للعلم من جناح آخر بحلق به اسمه الفن ليتحقق النجاح ويستوي على الجودي .
(3)
هزوا روؤسهم في غير اكتراث ثم مضى الاجتماع الصاخب يحدد معالم الطريق لتغيير ناجح للعلامة التجارية الراسخة في وجدان الشعب السوداني والملتصقة به بلا فكاك!! قالوا وقالوا ثم قالوا .
وعندما تقرر أن يكون هنالك مذيع نجم من كل بلد يكون إضافة للعلامة التجارية الجديدة ينتقل ومعه حفل تغيير العلامة التجارية بحضوره الكثيف وعبر الأقمار الصناعية إلي رئاسة المجموعة ومنه تنطلق العلامة التجارية الجديدة!! أتوا بالنجوم العالميين كلهم !!واقترحوا نجم مذيع عالمي، قلنا لهم لا! فنحن عندنا هبة المهندس نجمة يسد حضورها عين الشمس! وتكتمل النجومية ب الطيب عبدالماجد .
(4)
قابلت الطيب وهبة وشرحت لهما المطلوب، وافقا على الفور ولم يسألا عن أي مبلغ ومع ذلك اكتمل التعاقد معهما بدراً تاماً ، وقلنا لهم ( إذا كانت السماء سقفاً لبيتك ، والقمر مصباح غرفتك، إذا كانت العصافير فرقتك الموسيقية وإذا كانت النجوم علبة مجوهراتك ،إذا كانت ..) ضحكت هبة وقد التقطت الفكرة، وقالت إذاً نحن لها !!
(5)
جاءت هبة على جناح السرعة وهبطت الخرطوم. جلست إلينا في مكتبنا بالخرطوم تطلب مزيد من المعلومات عن العلامة التجارية الجديدة قلنا لها ( في العلامة الجديدة سترى العالم بأسره أسرتك ، وستدرك أن العالم عالمك) قلنا ل هبة المهندس (المهم في ما تراه هو ما تتطلع إليه)! ومثل كل يوم من أيام هبة الله المهندس كانت ترى وتتطلع إلي المهم .
(6)
قلت ل هبة وهي ترتشف من فنجان (يسوى الدنيا بحالها) رشفة من قهوة سودانية خالصة كاملة الدسم. قلت لها هل تعلمين يا هبة ماذا حدث للخرطوم عندما افل نجم البرنامج الأشهر من الخرطوم سلام؟ عندما كسى الليل بيوت الخرطوم واتوشح ظلامها ؟ ، قبل أن تجيب قلت لها وقد جاءني من البعيد صوت الصديق العزيز السر عثمان الطيب وهو يدندن ( الخرطوم بدونك / ضهبانة وتفتش لى واحات عيونك / تاهت فى الهجاير باهت لون جبينا / تتلفت تعاين مالى الشوق عيونا / تتعشم تصادفك نظراتها الحزينة / تصغر بين زحامها وتصبح ما مدينة / يكسى الليل بيوتا اتوشح ظلاما / يحكى الحال سكوتا يتبعثر كلاما / فقدت يوم رحيلك طعم الابتسامة / النيل فوق خدودا دمعه بكت عليكى / قبل يحين فراقك / هو اسع مشتهيكى / لو يقدر يغير مجراه ويجيكى / طافت بضفافه كايساه المراكب / قمريات تناجن للعش فى المغارب / والعش يا حليلن عصفتبو الهبايب / ساعة اللقيا عدت / فات ميعاد قطارا / هزت راسها بلعت همها وانكسارا).. وقبل ان أكمل (… النيل فوق خدودها دمعة بكت عليك / يحكي الحال سكوتا يتبعثر كلاما …) رفعت رأسي لأرى هبة وقد غرقت في دموع حكت تدافع موج النيل، تبعثر مني الكلام وبلعت كل هم الخرطوم وانكسارها! وغلبتني مواساة هبة !!
(7)
جاء يوم الإحتفال المشهود ووقفت هبة المهندس جوار الطيب عبد الماجد، تجاوب الجميع مع صوتها (لما سرى)!! ووقف الجمهور يحييها ورفيقها الطيب بالتصفيق الحاد
(
علي الجانب الآخر ومن الكويت العاصمة أطل علينا صوت جورج قرداحي وهو يزيح الستار عن العلامة التجارية الجديدة، تجاوب معه نجوم من كافة أرجاء المعمورة يوم مولد (العالم الجميل).. وكان عالمنا الجميل من الخرطوم من أرض المعارض بري، كان أجمل ولا غرو فقد كان سفير وسفيرة نواياه الطيبة والمفصح عن مكنونه والذي سبر أغواره حاملاً القمر مصباح غرفته، صادحاً مع نغم العصافير الملونة فرقته الموسيقية متوشحاً النجوم علبة مجوهراته، كانت المصفح عن كل هذا الجمال هبة المهندس يرافقها الطيب عبدالماجد .
راهنا علي هبة المهندس والطيب عبدالماجد في المشاركة في صناعة التأريخ، وكان ذلك التأريخ مشهوداً عندما حلقت العلامة التجارية عالياً، عندما صدح صوت هبة منوهاً بأن هنا في الخرطوم وُلد عالم جميل، لا أقول إن ثنائية هبة والطيب طغت علي نجومية جورج قرداحي وزاحمت وجوده، ولكنها ثنائية كانت في ذات السموق والشموخ التي ظهر بها النجوم الآخرين
(9)
أمس اتصلت علي الصديق السر عثمان الطيب بعد غيبة وبادرني بأنه كان يود الاتصال بي في ذات اللحظة، ثم قرأ قصيدة كتبها بمناسبة شفاء هبة المهندس، القصيدة عصماء من أول بيت فيها إلى الختام إلا أنني وقفت طويلاً عند قوله (بي صمودك.. أمضي قدام / لا تهابيها التجربة / فارسة… أمسكي شدي اللجام / أقهري العلل المتعبة) يقيننا أستاذنا السر أن هبة فارسة هزمت المرض بصمود خرافي وقهرت كل العلل المتعبة! كل التقدير صديقي السر عثمان الطيب وأنت ترفع (دعوات كل الأنام / باختلاف لونا ومذهبا) تستجاب على الفور وتشفى الاستاذة هبة.
(10)
أستاذة هبة !
وقد قلتيها صادقة (العلاج، علاج الروح وليس علاج البدن)!! وقد كانت روحك دائماً في عافية ومعافاة ورضا، نقولها بكل قناعة وإيمان عميق بما قلتِ، إن ذات الروح العالية ستحملك إلى مراق شفاء يسعد به الشعب السوداني قاطبة ويفرح ذاك التنوع البديع الذي احتفى بعودتك في لوحة إنسانية باذخة لا تشبه إلا إياك.