بين المطرقة والوتر: هل تُنجب الحِرَف موسيقى؟!!

بين المطرقة والوتر: هل تُنجب الحِرَف موسيقى؟!!
  • 26 سبتمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

كمال إدريس

هل هناك علاقة بين الفن والأعمال الحرفية؟
سؤال يبدو بسيطًا في مظهره، لكنه عميق في جوهره. هل لاحظت العامل أو الفني (يدندن) خلال عمله متبعًا الإيقاع المنتظم للآلة التي يعمل عليها!!؟
النجارة، الحدادة، البناء، الزراعة… عوالم تبدو بعيدة عن قاعات الغناء والمسارح، لكن عند التمعّن نكتشف أنها ليست بهذا الانفصال. فالإيقاع الذي يرافق طرق المطرقة على الحديد، أو وقع المنشار على الخشب، أو تردّد المعول في الأرض، كلّها أصوات تحمل في طياتها بذور الموسيقى الأولى. كثير من الباحثين في الأنثروبولوجيا الموسيقية يؤكدون أن بدايات الغناء البشري ارتبطت بأصوات العمل الجماعي: طحن الحبوب، التجديف، أو دق الطبول في الحقول.
الحداد حين يُشكّل المعادن القاسية، أو النجار حين يصقل الخشب، لا يعمل فقط بيديه، بل يمرّن حسه الجمالي، يختبر التوازن والدقة، ويصنع من التكرار المتواصل ألحانًا خفية. هذه العملية تزرع في الروح “عينًا” و”أذنًا” قادرتين على تذوّق الجمال. لكن، وهذا هو بيت القصيد، الحرفة وحدها لا تصنع فنانًا. فالموهبة، التدريب، والتجربة الحياتية — أوسع من حدود المهنة — هي الشرط المكمل للتحوّل من مجرد صانع أدوات إلى صانع ألحان تطرب الناس.
اللافت أن بعض كبار الفنانين خرجوا من بيئات حرفية. لم يكن ذلك صدفة، بل لأن العمل اليدوي غرس فيهم الإحساس بالإيقاع والقدرة على التجريب. والحرفي، بطبيعته، معتاد على إصلاح الأخطاء والبحث عن حلول مبتكرة، وهذه الملكة حين تُترجم إلى موسيقى قد تولّد إبداعًا غير مألوف.
ومع ذلك، يجب أن نكون واقعيين: ليس كل حرفي يمكن أن يصبح موسيقيًا مبدعًا، كما أن ليس كل موسيقي يمكن أن يمسك مطرقة أو منشارًا بحس الحرفي البارع. لكن بين المطرقة والوتر، بين رائحة الخشب وصوت العود، يظل هناك خيط رفيع يذكّرنا بأن الفن والحرفة أبناء بيت واحد: بيت الإيقاع والبحث عن الجمال.
معظم نماذج المبدعين برزت من خلفية الحرف اليدوية. نعم، من أيادٍ خشنة… حاليًا انظر حولك، هل ترى أيادٍ خشنة!!؟

https://3ctionsport.com
الوسوم كمال-إدريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*