رئيس الوزراء.. الفرحان!!

رئيس الوزراء.. الفرحان!!
  • 19 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

د. عمر القراي

(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) صدق الله العظيم

أبرز ما يميز رئيس وزراء حكومة الأمر الواقع، التي يقودها الإخوان المسلمون من وراء البرهان، أنه شديد الفرح بمنصبه!! فهو حين ركب الطائرة قادماً من الخارج ليستلم منصبه، أخذ يوزع الزهور على ركاب الطائرة!! وحين وصل مطار بورتسودان، ونزل من الطائرة سجد في الأرض شكراً لله!! وهو لم يكن مبعداً من السودان، ولم يكن مطارداً يخشى على حياته، ولم يكن معارضاً سياسياً، يخشى الاعتقال. بل إنه جاء الى وطنه من قبل، عدة مرات، أثناء حكم نظام الإخوان المسلمين بقيادة البشير، وكان يتملقهم كثيراً، يريد منصباً، ولكنهم لم يعطوه له آنذاك.. بل حتى انتخاباتهم الزائفة التي قاطعتها الأحزاب ترشح فيها ولم يظفر سوى بعدة آلاف من الأصوات استغلها الأخوان المسلمون في خداع الشعب بأنهم أناس ديمقراطيون.. فلماذا لم يسجد في المطار حين جاء من قبل، وسجد هذه المرة، لو لا فرحه بالمنصب؟!
والدكتور كامل إدريس لم يكن معروفاً للسودانيين، حتى فضحه الله بهذا المنصب، وفضح من ورائه حكومة البرهان، وأوصيائها من الإخوان المسلمين. فلم يسمع الناس به في الحركة الطلابية في الجامعات، ولم يعرف كمشارك في نشاط فكري أو سياسي، في الثانويات. ولهذا جاء خالي الوفاض من كل فهم، ومن كل تجربة. وليتبين الناس ذلك، يمكن مقارنة خطابه الأول، الذي يفترض أن يقدم فيه رؤيته لمشكلة البلد، وبرنامج وزارته لحلها، مع خطاب محمد حسن التعايشي، رئيس وزراء حكومة تأسيس. فمع أن د. كامل ادريس قد جاء في ظروف غير طبيعية، تشتعل فيها حرب، قتل فيها الآلاف، وتشرد الملايين، ومات الناس بسببها بالجوع والمرض، فإنه في خطابه الأول، أعلن استمرار حكومته في الحرب حتى يتم القضاء على الدعم السريع، بدلاً من السعي الى التفاوض والسلام!! وحين زار الخرطوم وهي خراب، لم يجدوا له مرفقاً يفتتحه، ويظهر به في الاعلام، فما كان منه إلا أن زار أحد “التكايا”، التي يزدحم حولها المواطنون، ليجد الجائع حبات “بليلة” يسد بها جوعه!! وفي غمرة فرحه بالإعلام من حوله، قال لهم أن حكومته ستدعم “التكايا”!! فهل هذا واجبه كرئيس للحكومة، أن يدعم “التكايا”، أم أن واجبه أن يقضي على الجوع، ويوفر للمواطنين سبل العيش الكريم، فلا يحتاج أحد الى هذه “التكايا”؟! لقد ذكر محافظ بنك السودان الذي تمت إقالته مؤخراً، برعي الصديق، أن السودان في الشهور الأخيرة باع 53 طن من الذهب، فأين ذهبت عائداته يا رئيس وزراء الغفلة والفرح؟! بل أين ذهبت الإغاثة، التي وصلت الى بورتسودان، وبيعت بواسطة قيادات من الاخوان المسلمين، قبل أن تصل الى أي محتاج؟ أما كان من الممكن أن تقضي هذه الأموال والإغاثة، على “التكايا” وتطعم سكان الخرطوم؟! ولو كان د. كامل إدريس مثقفاً وطنياً، يؤمن بالحكم المدني، لأصر على حقوق المواطنين. ولكنه يعلم أنه دمية، وأنهم ما جاؤوا به إلا ليوهموا المجتمع الإقليمي والدولي، أن حكومتهم مدنية. ولقد رضي بأن يكون قطعة شطرنج في يد البرهان، وهو يرى أن البرهان نفسه قطعة شطرنج في يد علي كرتي!! على أن كل ذلك لا يهم د. كامل ادريس، لأن همه الأول وفرحه الأكبر، هو المنصب.. ومن هذا الضعف الأخلاقي الظاهر، جره الإخوان المسلمون من أنفه، لينفذ لهم ما يريدون، كما يجر البعير!!
ولعل هذا الضعف الأخلاقي، هو مشكلته الأساسية. فقد درج على الكذب، دون تردد، ودون حياء، وكأنه البرهان!! فحين زار المملكة العربية السعودية مؤخراً، تحدث بعد رجوعه، وقال أن زيارته كانت ناجحة، وأنه عقد اتفاقيات وقدم للسعودية 100 مشروع، قيمتها 100 مليار دولار!!  والحق أن حكومة السعودية، رفضت مقابلته. فلم يتم استقباله رسمياً، ولم ينزل في قصر الضيافة، واضطر الى أن يذهب الى فندق. وفي الفندق مرض، وأدخل المستشفى، ثم حين تم علاجه، وعاد الى الفندق، زاره وزير الخارجية السعودي، ليطمئن على صحته، وأخبره أن ينظم زيارة في وقت آخر، بعد الاتفاق عليها مسبقاً، إذ أنه لم يستقبل لأن الزيارة غير مخطط لها، وغير معلومة للسلطات السعودية!! فكل ما قاله السيد رئيس الوزراء عن نجاح زيارته، واتفاقياته التي عقدها، كانت كذباً بواحاً، قصد به تضليل الشعب. فكيف يمكن له أن ينال ثقة الشعب، أو احترامه، وهو يكذب في أمر، لا يكذب فيه عاقل، لأن العالم أصبح مغطى بوسائل الإعلام.
أما فضيحته الكبرى، فقد كانت عند زيارته الى ارتيريا. فبينما كان يمشي مع الرئيس الأريتيري اسياس أفورقي، بدأ فجأة يهتف (عاش الرئيس اسياس.. عاش الرئيس أسياس)!! وكأنه قد فرح لأن الرئيس الاريتيري استقبله، ولم يهمله كما فعل الرئيس السعودي. ومع أن د. كامل ادريس يجهل الدبلوماسية، ويجهل السياسة، إلا أن هذا لا يبرر فعلته هذه، إذ لم ير من قبل، أي وزير يهتف بحياة رئيس، وهو يزوره في بلده.. فكيف سولت له نفسه، أن هذا أمراً مقبولاً؟! ثم حين عاد أقام مؤتمراً صحفياً، وذكر اتفاقه مع الحكومة الأريتيرية على عدة مشاريع، ومصائد أسماك، وتعاون بملايين الدولارات، ولكن لم يصدقه أحد، لأن أكاذيبه عن السعودية، لم يجف مدادها بعد!!
لقد كشف لنا الكاتب النابه، الأستاذ فتحي الضو، جانباً من شخصية د. كامل ادريس، يكاد المرء يلمح فيه المرض النفسي، حين استعرض طرفاً من كتابه، الذي أفتخر به كثيراً، وقال إنه سيكون برنامج العمل لحكومة الأمل!! أولاً عنوان الكتاب هو (المرشد من أقوالي والمختصر من نظراتي الفلسفية فيما يحتاج الناس من دروس الدنيا والتجربة والسياسة والاقتصاد والمجتمع وعبر التأمل والأخلاق والنجاح والقيادة)!! ألا يدل عدم اختصار العنوان في ثلاث أو أربع كلمات، على عجز الكاتب عن مجرد التعبير؟ ثم أن د. كامل ادريس لم يعط كتابه لشخص آخر يقيمه، ويكتب له تصديراً، كما يفعل الكتاب عادة، بل يخبرنا الأستاذ فتحي الضو، أنه كتب تصدير كتابه بنفسه، وكأنه شخص آخر!! ومما جاء في ذلك التصدير العجيب (إن هذا الكتاب امتاع في القول وجهد فكري وفلسفي وتربوي لتبيان التجاريب العميقة والأفكار الثاقبة والرؤى الفلسفية المقنعة التي عبر عنها العالم المفكر وحامل مشعل التنوير الأستاذ الدكتور كامل ادريس هذا السفر المنهجي المعطاء يصلح ان يكون مرجعاً ثابتاً للأكاديميين والمفكرين والساسة وطلاب النجاح والشباب والصحفيين والإعلاميين والطلاب والمتأملين فضلاً عن كل من يريد صقل تجربة الحياة لعلها رؤية بصيرة شاملة)!!
ولعل أغرب ما في هذا الكتاب المعجزة، الأبواب التي قسم عليها الكتاب. فتحت باب بعنوان “الدنيا” كتب (الاصالة كلعب الأطفال فوق الرمال على ضوء الشمس)!! وتحت باب “التأمل” كتب (ذلة “ويقصد زلة” اللسان الفكرة التي اتسخت في أنبوب التفكير)!! وتحت باب “الغضب” كتب (إذا اردت أن تهزم الغضب فأغضب عليه وأصمت)!! وتحت باب ” السياسة” كتب (السياسة هي تفاصيل الواقع دون منطق.. واللاهوت السياسي أكثر تعقيداً من اللاهوت القانوني)!!  وتحت باب “الصبر” كتب (السالب الإيجابي يمد حبل الصبر)!! وتحت باب “العدل” كتب (العدل ضرورة والظلم أسطورة)!! وتحت باب “المجتمع ” كتب (ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء كردم البحر)!! وتحت باب “الاقتصاد” كتب (مستقبل الزراعة يتفوق على زراعة المستقبل)!!
لقد ذكرني كتاب د. كامل إدريس الشاعر سليمان محمد عثمان، الذي أصر أن يسمع لجنة النصوص الشعرية أحد قصائده العصماء، فلما أعطوه الفرصة قال:
            الليل ليل   *   والضياء ضياء
          والأرض أرض*   والسماء سماء
هذا هو د. كامل إدريس رئيس وزراء حكومة الأمر الواقع، في السودان، والذي كان قصارى ما حققه، هو وظيفة موظف في منظمة الملكية الفكرية، التابعة للأمم المتحدة، والتي فصل منها، بسبب تزويره في الأوراق الرسمية، التي قدم بها للوظيفة.
١٦ أكتوبر 2025م
حبل الصبر)!! وتحت باب “العدل” كتب (العدل ضرورة والظلم أسطورة)!! وتحت باب “المجتمع ” كتب (ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء كردم البحر)!! وتحت باب “الاقتصاد” كتب (مستقبل الزراعة يتفوق على زراعة المستقبل)!!
لقد ذكرني كتاب د. كامل إدريس الشاعر سليمان محمد عثمان، الذي أصر أن يسمع لجنة النصوص الشعرية أحد قصائده العصماء، فلما أعطوه الفرصة قال:
            الليل ليل   *   والضياء ضياء
          والأرض أرض*   والسماء سماء
هذا هو د. كامل إدريس رئيس وزراء حكومة الأمر الواقع، في السودان، والذي كان قصارى ما حققه، هو وظيفة موظف في منظمة الملكية الفكرية، التابعة للأمم المتحدة، والتي فصل منها، بسبب تزويره في الأوراق الرسمية، التي قدم بها للوظيفة.

الوسوم د.عمر-القراي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*