في دروب سوق 25
لاحظت والحافلة تمضي بنا من وادي حلفا جنوبا تمدد سوق 25 الشهير يسارا، الذي يتموضع عند الكيلو 625 من الخرطوم فسمي به، في بطن واد فسيح، الذي يخطف أبصار العابرين ليلا بأضوائه الباهرة، بين بلدتي أبوصارى وسعدنكورتى، محلية دلقو المحس.
بعد استقراري في البلد وجدت بيتي الذي يطل على سكة اللواري الترابية قد تغول الدهر عليه بعد أن كان باهيا يسر الناظرين شأن بيوت المغتربين فقررت هدمه وإعادة بنائه مسلحا ليتحدى صروف الزمن ما اقتضى ترددي على سوق 25 لجلب مدخلات البناء ونحن له أقرب جيران ويمسنا ضره تلوثا وضوضاء وارتجافا للتركيبة السكانية المستقرة ومسلماتها المستتبة ما يعزز المطالبة بترحيله بعيدا، ومن رأى كرة بعد كرة ليس كمن سمع.
عند المداخل مكتب شركة الموارد التعدينية وعدد من محطات النفط، فضلا عن برج اتصالات سامق.
نتقدم بسيارتنا وأمامنا عجلات حديدية ثقيلة لا تكف عن الدوران إلا لماما في مظلات مديدة وهي تطحن الحجارة المتراصة في جوالات، الحاوية الذهب الذهب يكاد عقلي يذهب.
محال تجارية ملء الأفق .. كل شارع يختص بصنف، مثلا جوالات، بطاطين، أوان منزلية، خضار وفواكه ولحوم يحوم حولها الذباب أسرابا ما يشي بتدهور صحة البيئة رغم عدد من الحمامات والمراحيض الاستثمارية، ولا أحسبها وافية، وفي بعض المحال التي يحرص أصحابها على المبيت عند أبوابها حرصا وحراسة تفرغ شاحنات آتية من عطبرة وغيرها حمولاتها، فتباع بأسعار تنافسية أرخى نسبيا.
جالست صاحب ورشة لتصنيع الأبواب والشبابيك ونحوها شايقي فحكى أنه يعمل بالموقع منذ 16 عاما تاريخ إنشاء السوق الذي ينافس سوق ليبيا ضخامة وتنوعا.
ال مافي شنو هنا غير النساء الممنوع دخولهن السوق؟
مقار لتضامن اجتماعي مناطقي لا تخطئها العين لأبناء التاما، الزغاوة، دار حامد، الجعليين إلخ .. وهي بجانب مساندة عضويتها تسهم ماديا في دعم مؤسسات الصحة والتعليم التي تخدمها وأسرها، فالسوق الهائل يضم كل قبائل السودان ” أمم متحدة سودانية “، بل بعض الأجانب مثل الباكستاني الذي تونست معه واتضح أنه من البنجاب (أرض الأنهار ال 5) فذكرت له زيارتي البنجاب الهندية، التي عدت منها قبل بلوغ الحدود الباكستانية تحت وطأة البرد المفترس حيث تفترش الثلوج بساطها.
أين أبناء المنطقة؟
بعضهم يعمل في الخدمات المساندة، ونادر من في وش الفلوس.
أعود ككل مرة بسيارة شحن تنوء بمدخلات البناء ويزداد في داخلي يقين أن السبيل الوحيد للقضاء على بلوى التعدين المضر المتناسلة ينطوي على تراصنا سكوت، محس، حلفا (محافظة حلفا سابقا، وربما لاحقا) فالتصدي الجزئي ثبت ضعف مردوده.
ألا تستأهل مناطقنا الكامنة خيراتها أن نتفق على التعدين النظيف ونستأصل الموبوء فيعود إلى ربوعها صفاؤها ونقاؤها ورواؤها؟


