بعد سقوط الفاشر ما الذي يمنع حميدتي من إعلان دولته المستقلة…؟ كردفان أهم من دارفور عسكرياً ، ومن يسيطر عليها يكسب الحرب ..

بعد سقوط الفاشر ما الذي يمنع حميدتي من إعلان دولته المستقلة…؟ كردفان أهم من دارفور عسكرياً ، ومن يسيطر عليها يكسب الحرب ..
  • 16 نوفمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

حيدر التوم خليفة

قبل الحرب بحوالي عام نشرت مقالاً ، ذكرت فيه أن حميدتي سوف يشن حرباً على المركز زاحفاً من أرض دارفور للاستيلاء علي الحكم ، وإذا فشل فسوف ينسحب غرباً وإعلان دولته في إقليم دارفور ، *وينال شرف المؤسس* ، والظاهر أن الأحداث تسير نحو تحقيق هذا التوقع ، إذا لم تتبدل معطيات السيطرة على الأرض في الأيام المقبلة ..

خطة  وهدف حميدتي الرئيسي ، ومن يقف وراءه هو حكم كل السودان ، وإنشاء دولة *قريش الثانية* (تصحيف لكوش) ، التي تعيش في *العقل الجمعي العربي العطاوي* (الطائي) ، واذا فشلت الخطة الرئيسية فسيتم الانتقال الي *الخطة البديلة ب* ..

وقد كان حميدتي قاب قوسين او ادني من إنجاح الخطة ( أ) ..

ولا احد ينكر انه لولا إنشغال قواته بالسلب والنهب ، والاجتهاد في تدمير دولة الاستقلال ، وممارسات المليشيا العنفية ضد المواطنيين ، والخطاب العنصري الاقصائي ، وتصدر شعار تدمير دولة 56 الصارخ ، وغياب ما يسمي ببرنامج اليوم الثاني (مشروع ادارة الدولة لتدارك اي فراغ سياسي او اداري ، لثقتهم التامة في استلام السلطة) ، مع اصابة حميدتي (او موته) ، الامر الذي عرض خطته الي انتكاسة ترافقت مع صعود عبد الرحيم اب كيعان بوصفه قائد ثانٍ للدعم السريع للواجهة ، وهو شخص فوضوي ، عنصري ، بلا امكانيات فكربة ، او قدرات ادارية ، او افق سياسي ناضج وواسع ، شخص تمكنت منه حياة البداوة تماما ..
مضافاً الي ذلك صمود الجيش واعادة بناء وحداته بنفس طويل ، لكان *الوضع غير*  ..

وهي امور ساعدت في هزيمة الدعم ووقف تمدده في الوسط والشمال ، الامر الذي دفعه الي الانسحاب غرباً ، لاعادة بناء نفسه ..

وقد مكّن له الانسحاب ان يتعافي تدريجياً ، ويعيد تجميع قواته ، وتسليحها كماً ونوعاً ، ولكن الاهم هو توسيع حاضنته القبلية  وامتدادها الي مناطق كردفان ، عبر خطاب عروبي عرقي صارخ ضد المركز ، بلا برنامج واضح غير تدمير دولة الاستقلال ، والتي كان لاحد ابناء كردفان ، وهو الزعيم الوطني اسماعيل الأزهري ، شرف رفع علم إستقلالها عن بريطانيا ..

وكانت هناك فرص كثيرة لدي الجيش لضرب ما تبقي من قوات حميدتي اثناء إنسحابها هاربة بصورة غير منظمة ، ولكن ذلك لم يتم ، لعدة عوامل اذكر منها :

… نفوذ ابناء القبائل العربية ، وحضورهم القوي داخل مجلس السيادة ، وعلي رأسهم الفريق محمد الغالي يوسف ، الامين العام لمجلس السيادة ، والفريق ابراهيم جابر ، عضو مجلس السيادة ، المسئول عن قطاع الطيران في الجيش ، والمتهم (كما راج في الميديا) بأنه قد عمد الي إبطاء فاعلية الطيران وتحجيمه في معارك مصيرية ، ورفضه مراراً مهاجمة حشود الدعم السريع حول المدن ، للحيلولة دون مهاجمتها لقوات الجيش المتمركزة داخلها ، مما عجل بسقوطها ، وهو اتهام اوردناه ولكن لا نحمل دليلا عليه ، ولا نري له صحة ، فالرجل وطني وحدوي ، وعسكري منضبط ، نجح في كل الملفات التي أوكلت إليه ..

ولن من الواضح ان التكوين العرقي للتركيبة الديمغرافية لاقليم دارفور ، (عرب /زرقة)، قد أثر بصورة واضحة علي سير المعارك ، وعلي تقديرات القيادة العسكرية للجيش ، اي ان الكثير من هذه المعارك المهمة التي خاضها الجيش خلال الحرب تأثرت بالموازنات القبلية والعرقية ، وخير مثال لذلك هو معركة الفاشر الاخيرة ، والتي سوف نرجع لها في مقال مستقل بإذن الله ..

وهذا ما يدعونا الي القبول ، ولو جزئياً بالتعليل القائل بان ضرب قوات الدعم المنسحبة من الخرطوم وابادتها يعنى ضمنياً إضعاف موقف القبائل العربية  في دارفورمستقبلاً ، ويجعلها لقمة سائغة للاخرين ، اي انه يصب مباشرة في خانة تقوية قوات الزرقة ، مما يضعف من الموازنات العرقية في اقليم دارفور ..

ويعني تقديم الجيش هدية ذهبية لقوات المشتركة تمكنها من اعادة التموضع ، وتقوية نفسها عسكرياً ، ورفع مطالبها الابتزازية لاقصي حد ، خاصة وان جبريل ومناوي في نظر الجيش شخصيات لا توحي بالثقة ، ولا يُؤمن جانبها ، علماً بان قيادة الجيش كررت مع قوات المشتركة ، نفس خطئها مع الدعم السريع ، وجعلت للمشتركة حضوراً فاعلاَ في مدن الشمال والوسط ، مع طغيان شبه كامل لهم في الشرق ، خاصة مدينة بورتسودان ..

ومن جانب اخر فقد اتجه حميدتي لتغيير سياسته ، خاصة التعبوية ، اذ جعل من حربه *انتفاضة عربية* في وجه المركز ، وحاد بالصراع تماما عن بعده التحرري الخادع ، والديمقراطي المُخاتل كما يدعيه ، وصراع مركز  وهامش ومنازلة فلول ، الي حرب اقصاء وإبادة عرقية موجهة ضد قبائل الشمال بالكامل وبعض قبائل دارفور ، وهو الخطاب الرسمي السائد اليوم لدي مقاتلي الدعم السريع ، والذي تعمل مجموعة من *الحكامات الشعبية* علي ترسيخه ، ويجتهد *الجبوري والكجنجي وعبدالمنعم الربيع* في نشره اعلامياً ، مما اعطي الجولة الثانية من حرب حميدتي الحالية سمات يمكن ايجازها في الاتي ..

… *تمرد شبه كامل القبائل العربية*
… خطاب *عنصري إقصائي* يعبر عن السياسة المعتمدة من الجهات العسكرية والسياسية لمليشيا الدعم السريع …

وهو الامر الذي قاد الي … :

… تقزيم حركة حميدتي من حركة تحررية الي *حركة انتقامية* تسعي الي تصفية حسابات تاريخية ، وتنطلق من *غبائن مركوزة في العقل الجمعي للعنصر العربي* ، وان لم يشمل ذلك كل القبائل العربية في بعض مناطق كردفان ، ولكن بالمجمل هو *طوفان وتمرد عربي* لا تخطئه العين الفاحصة والعقل البصير ..

… الخطاب الاقصائي النافي للاخر ، هو الذي *انتج الدافع الاساسي* لتصرفات افراد الدعم السريع وممارساتهم الاجرامية ، التي تسترخص القتل وتجيد هدر الحقوق  ، وهو الامر الذي دفع وزير الخارجية  الامريكي لرفض التبريرات للمجازر ، والقول بانها تصرفات فردية ، وانزلها منزلها الصحيح بتوصيفه لها بالعمل  الممنهج  المنظم ..

ونقول بانها افعال نابعة من *ثقافة عامة تستكنها الأنفس وتضمرها الخبايا* ، لم تستطع كل *سنوات المعايشة والمواطنة والمصاهرة* ان تزيلها وتجليها  من النفوس …

وهو شئ يدعو للحيرة ، خاصة وان *اغلب عرب كردفان* ، هم اقرب *وجدانيا وعرقياً وثقافيا واجتماعياً واقتصادياً ، لاهل الوسط والشمال* ، منهم الي عرب دارفور  ..

اتوقع ان يواصل حميدتي حربه الثانية لتحقيق نفس هدفه الاول ، وهو تدمير دولة 56 ، اي دولة الجلابة ، والتي إحتوته *كلاجئ تشادي* حسب تصريح الزعيم العربي الشيخ موسي هلال زعيم قبيلة المحاميد في لقاء قبلي حاشد   ..

واذ فشل حميدتي في خيار اسقاط دولة 56 ، سوف يتراجع بقواته غرباً ، ولكنه لن يتخلي ابداً عن حلمه الاخر ، وهو انشاء *دولة قريش الثانية* علي ارض دارفور وكردفان ..

وهذا الامر يقودنا الي الاجابة على السؤال الوارد في عنوان هذا المقال ، وهو ما الذي *يوقف حميدتي عن اعلان دولته المستقلة* ..؟

الاجابة علي ذلك تفيد بوجود سببين هما :

…. انه ما زال يعمل علي مشروعه الاول وهو اسقاط السودان كله تحت سيطرة قواته ، وان كان قد ضعف هذا الخيار ، ولكنه ما زال قائما ويحمل الكثير من المخاطر ، وليس ادل علي ذلك من حملات التعبئة والاستتنفار والإستعداد التي عمت جميع مدن الوسط والشمال لمواجهته .

… والسبب الثاني عدم *إكماله السيطرة علي كامل اقليم كردفان* ، لان السيطرة علي كردفان هي مفتاح تحقيق اهدافه ، سواء ان كان هدفه الاول او الثاني ، وكردفان تمثل *الثِقل البشري بالنسبة للموازنات العرقية في الدولة الوليدة* ، فإعلان دولة في اقليم دارفور وحده ، لا يعدو ان يكون  *هدية من حميدتي للزرقة* ، وتقوية لهم ، فهم يمثلون الاغلبية ، مع وجود قبلي كبير لهم في الداخل وإمتداد مقدر في دول الجوار  ..

أي سيكتشف انه قد أسس *دولة للزرقة* سوف يكون فيها *العرب اقلية* ، اذا قامت علي ارض دارفور فقط ..
وهو ما يعني ان كردفان بثقلها العربي هي *الضامن الوحيد لتحقيق الاكثرية العرقية* في الدولة الوليدة ،  فكردفان تكاد تخلو من قبائل الزرقة الا من جيوب صغيرة لا تمثل تهديداً مباشراً للقبائل العربية  ..

لهذا *لن يقدم حميدتي علي اعلان دولته المستقلة من دون كردفان* ، ولن يتحقق له ذلك من دون اسقاط ما تبقي من مدن كردفانية رئيسية ، وهي *الابيض وبابنوسة والرهد وام روابة* وبعض الجهات الاخري الصغيرة التي سوف تسقط تباعا بسقوط هذه المدن ..

لهذا يركز حميدتي (بالتأكيد من يخطط له) علي *اسقاط هذه المدن* ، واهمها بابنوسة حالياً ، وبعدها الاتجاه شرقاً لام روابة ومن ثم الانعطاف لاسقاط الرهد ، والاطباق علي الابيض ومحاصرتها من جميع الجهات ، *فسقوط الابيض* في اهمبته لدي حميدتي *يفوق سقوط الفاشر* عشرات المرات ..

وهنا علي الجيش الالتفات الي ذلك ، *والتخلي* عن سياسته المتبعة ، والمرتبطة *بإدخار القوة* من دون الاحتفاظ بالارض (سياسة الانسحاب) ، لان *فقدان الارض* هنا مرتبط *بمشروع سياسي* كبير ، له تأثير علي مستقبل كل السودان ، وجوده وانسانه ووحدته ، مع ازدياد حجم مخاطره ..

واذا تم لحميدتي ذلك فسوف يكون في *موقف قوي يتيح له اعلان دولة العطاوة الكبري* ، والتي سوف تشهد *طغياناً عروبياً* ، وابادة للعديد من *قبائل الزرقة* ، التي سوف تتمزق شذراَ مذراً  ..

وسقوط كردفان في يد الدعم السريع يعني *تهديداً مباشراَ للنيل الابيض* خاصة مدن *الدويم وكوستي* ، والتي لن تصمد كثيراَ امام قوات الدعم المتجمعة بمئات الالاف ..

لهذا علي المركز ولافشال هذا السيناريو ان يعمل *علي هزيمة الدعم السريع في كردفان* ، وتحصين المدن الحالية ، والتخلي عن سياسة الدفاع والانكماش ، واستعادة المبادرة واتباع *سياسة الهجوم والتمدد* ، لاستعادة مدن كردفان  وهزبمته بصورة كاملة …

واذا تم للجيش ذلك فمعركة كسر عظم الدعم السريع في دارفور لن تأخذ وقتاً طويلاً لضعف *الحاضنة القبلية* ورجحانها الي جانب الزقة  ..

*فكردفان هي  الخط الاخير للدفاع عن السودان الحالي* ، ومعركتها هي *معركة السودان كله* ، وعرب دارفور يعلمون ان خسارتهم لكردفان ، سوف يجعلهم في *مواجهة مباشرة* مع قبائل الزرقة ، والتي تحتفظ وتطوي في دواخلها الكثير من المرارات والإحن تجاه العرب ، من مساكنيهم وجائلهم ..

وبالمقابل اذا ربح الدعم السريع معركة كردفان فعلي قبائل الزرقة ان *تستعد لليل طويل من الظلم والابادة والتهجير* ، وهو امر قد خبروه قبلاً مع قوات الجنجويد الاولي ، ولكنهم للاسف لا يرون الا *عدواً مُتوهماُ إسمه الجلابة* …

لهذا فلا *اعلان لاستقلال دارفور الا بعد إستبانة معركة كردفان ونتائجها* ..

فمعركة كردفان اما *نصر ومجد وطغيان للعرب ، وإما شرُُ قد إقترب*  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*