بلد بلا مرجعية

بلد بلا مرجعية
  • 16 مارس 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

لا يمكن أن تكون هناك دولة بلا مجلس تشريعي وبلا محكمة دستورية! لا يمكن إطلاق وصف دولة على حكومة (قايمة بروس) بلا مرجعية تشريعية تحكم تشريعاتها ومحكمة دستورية تضبط صلاحياتها، هذا الوضع يمكن ان يطلق عليه لقب حكومة مطلقة، وهي بمعنى آخر دكتاتورية ناعمة، قد يحاول البعض تبرير هذا بكون الوضع هو فترة انتقالية وبأن الحكومة حكومة ثورة وان ملفاتها من التعقيد بمكان مما يجعلها ادعى إلى التخفف المؤسساتي، ولكن ذلك قول مردود، فذات هذه الحكومة أبتدعت بديلا للمجلس التشريعي هو جلسة مشتركة بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، كما عينت اللجنة وزيرا للعدل ورئيسا للقضاء، وبالتالي ليس هناك تخففا بمعنى تجميد العمل بمؤسسات التشريع والتقاضي لمصلحة إنجاز الملفات الثورية، وإنما كما يبدو فهناك تحايلا على الأمر برمته، وهو مؤشر غير مستحب.

لو كانت الفترة الانتقالية ستة أشهر او سنة، لما أصبح غياب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية مقلقا، اما وقد أصبح مدى الفترة الانتقالية قرابة الأربعة سنوات، فإن هذا الغياب كارثي، والتعلل بأي أسباب غير مجدي وغير مبرر، ولا ننسى تصريحات رئيس الوزراء قبل أيام باحتمالية تمديد امد الفترة الانتقالية في حال توقيع اتفاقيات سلام مع الحلو وعبدالواحد، وهو ما يؤشر بأن الفترة الانتقالية قد تمتد إلى ست سنوات وربما اكثر، فهل ستظل الدولة بلا مجلس تشريعي وبلا محكمة دستورية طيلة هذه المدة؟!!!

الحاكمون من مجلس سيادة ووزراء وقحت يضعون تاريخا بعد تاريخ ومصفوفة بعد مصفوفة لتوقيت تعيين المجلس التشريعي، وفي كل مرة يأتي التاريخ المعني ولا يتم تعيين المجلس التشريعي، وحتى الآن لا يعلم احد متى بالضبط سيتم تعيين هذا المجلس التشريعي؟! ليس عسيرا استنتاج ان هذا التردد في تعيين المجلس التشريعي قد يستبطن أجندة خفية للحاكمين الذين لا يريدون رقيبا عليهم من الشارع ولا صوتا مقلقلا لهم من داخل مؤسسات الحكم، فالمعروف ان المجلس التشريعي حال تكوينه سيضم الداعمين للحكومة والناقمين عليها، ولن يرحم الناقمون الحكومة وسيضربونها بألسنة حداد، وهذا بالضبط ما يخشاه أهل الحكم، وهي خشية مؤسفة، فالحاكمين الان كانوا الأشد قسوة على انفراد الإنقاذ بالحكم وتكميمها الأفواه وحرمانها الآخرين من اسماع صوتهم وتمثيلهم في مؤسسات الحكم، فهل يقوم القوم تطبيق ما انتقدوه بالامس؟!

من مصلحة التحول الديمقراطي ان تكون الفترة الانتقالية تمرينا ديمقراطيا مكتملا، لا ناقصا ولا مشوها، ومن مصلحة التغيير أن تواجه الحكومة الانتقالية معارضة قوية داخل المجلس التشريعي تضبط خطواتها وتمنعها من فرض تشريعات تنهك المواطن او تحد من فرصه وحرياته، ومن مصلحة التغيير والانتقال الديمقراطي أن تواجه الحكومة الانتقالية محكمة دستورية تمنعها من تجاوز صلاحياتها الدستورية، من مصلحة الثورة ومستقبل السودان ان لا تستمر الحكومة الانتقالية بهذه الصلاحيات المطلقة غير المقيدة، فالسلطة المطلق مفسدة مطلقة.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.