الطريق نحو الديمقراطية -منظمات المجتمع المدني رأس المال الاجتماعي

الطريق نحو الديمقراطية -منظمات المجتمع المدني رأس المال الاجتماعي
  • 15 أغسطس 2021
  • لا توجد تعليقات

المستشار البشري عبدالحميد


(1)

طلب مني بعض الإخوة في أحد مجموعات التواصل الاجتماعي القيام بتقديم ما أسموه بالمثاقفة العامة لأعضاء المجموعة حول القوانين الخاصة بالنقابات والاتحادات المهنية وبصفة خاصة مشروع قانون النقابات المطروح هذه الأيام للمناقشة العامة . وبعد التدبر في الأمر فضلت أن أوجه اجتهادي لجميع المهتمين بالأمر من القراء بشكل عام كما رأيت أن أوجه أبدأ الكتابة حول الموضوع من خلال إلقاء الضوء على الأسس والقواعد التي تستند عليها مثل هذه المنظمات التي تعتبر جزءاً أساسياً من مؤسسات المجتمع المدني التي تستند عليها البناء الديمقراطي الصحيح بما يمكن القارئ من استيعاب ضرورة وأهمية المنظمات ودورها المجتمعي ومساهمتها في بناء الديمقراطية وتطوره فهما وممارسة.

في كتابه (جعل الديمقراطية تعمل – التقاليد المدنية في إيطاليا الحديثة) تحدث عالم الاجتماع الأمريكي روبرت بوتنام عن العلاقة القوية بين المجتمع المدني والديمقراطية خلص فيها لمجموعة من التفسيرات الممكنة للمجتمع المدني وأورد بينها ما أسماه برأس المال الاجتماعي Social Capital باعتبار أن رأس المال الاجتماعي هو عدد ونوعية منظمات المجتمع المدني مقارنة بعدد السكان ، كما ربط معدلات التنمية الاقتصادية برأس المال الاجتماعي بما يعكس أهمية هذه المؤسسات في البناء المجتمعي والتنمية .

تأتي اهمية بناء مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها من أهم الروافد لبناء الديمقراطية بشكل صحيح ويكتسب التثقيف حول قوانينها وآلياتها أهمية خاصة في إطار تحقيق أحد أهم أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وهو الانتفال بطريقة سلسة لمرحلة الحكم المدني والتحول الديمقراطي الكامل. إن هذا النوع من الثقافة المتصلة بالتحول الديمقراطي أمر مطلوب وملح في ظل ما زرعته ورسخته الحكومة البائدة عبر آلياتها الإعلامية الواسعة من وجه سالب حول مدى أهمية ودور الأحزاب والمنظمات المدنية الأخرى في التطور المجتمعي و بناء الدولة وخلق بذلك القطيعة بين عدد لا يستهان به من المواطنين والممارسة السياسية وهي تسوق لشعار ( العذاب ولا الأحزاب) ، ليشكل بذلك درعاً واقياً لحماية سلطانه وضمان استمراره وأصاب نجاحا في هذا الاتجاه الى حد كبير ، جعل الكثير خاصة من فئة شباب مشبعا بهذه الصورة السالبة للأحزاب والمنظمات ولا يزال بعضهم سائراً في ذات ركاب النظام البائد في هذا الشأن في غياب الوعي بأن الديمقراطية لا تستقيم دون وجود الأحزاب والمنظمات المدنية.

في سلسلة من الحلقات رأيت تسميتها ب(الطريق نحو الديمقراطية) سأحاول جاهداً القاء الضوء على أهمية ودور مؤسسات المجتمع المدني في بناء وترسيخ الممارسة الديمقراطية ومساهمتها في الانتقال للدولة المدنية التي ننشدها جميعا ومن ثم انتقل لتناول مشروع قانون النقابات المطروح للمناقشة

بدأت محاولات المجتمع السوداني التحلل من ربقة الاسرية الضيقة والعشيرة والقبيلة منذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي مع ارتفاع نسبة المتعلمين وتمددهم في الكيانات المجتمعية وارتفاع الحس الوطني والاتجاه نحو بناء مؤسسات مدنية حديثة . منذ ذلك التاريخ بدأت تطفو للسطح أهمية ودور منظمات المجتمع المدني في تحرير الوطن من المستعمر وتبنى قيام الدولة الوطنية الحديثة كهدف أساسي حيث نرى ذلك بوضوح من خلال تبني الطبقات المستنيرة انشاء أندية الخريجين والجمعيات الأدبية والثقافية كما بدا تكوين النقابات العمالية والمهنية وأصبح السودان بذلك من الدول الرائدة في المحيطين العربي والأفريقي في هذا المجال . لقد اصبحت مؤسسات المجتمع المدني تشكل همزة الوصل ومنابر للتواصل بين المثقفين والسواد الأعظم من الشعب السوداني من خلال الاهتمام بتكوين وتطوير هذه المنظمات وربطها بأهداف التحرير والتطوير. أحرزت المنظمات المدنية في السودان نجاحا مقدرا نتيجة انطلاقها من القاعدة عبر تعليم النشء في المدارس بأهمية خدمة المجتمع من خلال اقامة لجمعيات وتكامل دورها مع أدوار ادارتها في المدارس وذلك في شتي المجالات الثقافية والرياضية والاجتماعية وغيرها.

وفي ظل تنامي الاهتمام الشعبي بمنظمات المجتمع المدني وتفعيل دور الجمعيات ألف (مستر . ف . قريفن ومكى عباس) كتاب الجمعيات داخل المدرسة وخارجها مما شكل قاعدة انطلاق راسخة لبناء وتطور المنظمات في تلك الفترة وما بعدها. لكل ذلك نجد ان منظمات المجتمع المدني شكلت قاعدة راسخة للعمل الوطني ورفضت الوصاية منذ بدابات تكويناتها وظلت تقوم بأدوار هامة في خدمة المجتمع وترسيخ القيم الديمقراطية والمواطنة والتعايش بين مختلف المكونات في ظل الدولة الوطنية الديمقراطية بعد التحرير. في مرحلة نا بعد التحرير تصدت المنظمات لدور جديد هو مواجهة النظم الشمولية والدكتاتورية وظهر دورها المحوري في ذلك حلال ثورتي اكتوبر 1964 م وابريل1985 م وأخيراً في ثورة ديسمبر المجيدة 2019م. هذا البناء المدني القويم الذي ظل ينتج المعرفة ويعزز الانتماء الوطني ويردم الهوة بين الريف والمدينة تم هدمه وتهميشه في ظل الانظمة الشمولية وفي ظل النظام البائد بشكل خاص من خلال سلسلة من الحلقات بدأت بحل النقابات وتسريح الناشطين فيها ثم استبدال اللجان الشعبية المنتخبة بلجان موالية ومعينة ثم حل المنظمات الأهلية الأخرى وتعيين لجان بديلة من الموالين للسلطة في اطار تنفيذ ما سمي ببرنامج التمكين وغابت الممارسة الراشدة لهذه المؤسسات المجتمعية وغاب دورها في بناء أسس الدولة الحديثة وأنعكس كبل ذلك سلباً على المسيرة الوطنية

ونواصل

التعليقات مغلقة.