لجان المقاومة في مواجهة الانقلاب

لجان المقاومة في مواجهة الانقلاب
  • 27 نوفمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

الهدف الاساسي لثورة ديسمبر كان هو إسقاط الحكم الشمولي العسكري وبناء نظام تعددي مدني ديمقراطي يكفل الحريات العامة ويساوي بين المواطنين أمام القانون ويحاسب جميع من اجرم في حق الشعب السوداني.

حتى هذه اللحظة لم يتحقق هذا الهدف، اذ هيمنت مجموعة عسكرية جديدة على البلاد واصبحت توجه النشاط السياسي بواسطة استخدامها للقوة التي تملكها القوات المسلحة والمليشيات والاجهزة الأمنية الأخرى، خطورة هذه المجموعة يكمن في المبررات التي تسوقها من اجل توجيه النشاط السياسي اذا تلبس مسوح الثوار وتتحدث بلسان الثورة وكأنها من قامت بها، وهذا ما جعلها تستقطب بعض المجموعات التي تبحث لها عن موطء قدم في العملية السياسية بعد ان رفضها الشارع، وهكذا أصبح الخطر مركب عسكري مدني.

هذه المجموعة تمثل تهديدا مباشرا للنظام الديمقراطي الذي تسعى له الثورة، وخطرا ماثلا أمام تحقيق اي تقدم متوقع في بناء النظام التعددي السياسي، فالتجربة خلال السنتين ونصف الماضيتين اثبتت ان هذه المجموعة لا تتورع عن استخدام القوة المميتة في مواجهة اعداءها المدنيين العزل كما حدث في فض اعتصام القيادة وما حدث من قتل للثوار منذ يوم الانقلاب حتى اليوم، وانها لن تتورع عن الهيمنة بالقوة على النظام السياسي متى ما شعرت بأن الديمقراطية والمدنية قد اوشكتا على الحدوث، حدث هذا بعد خلع المخلوع مباشرة وسيطرة المجلس العسكري، ثم حدث في انقلاب ٢٥ اكتوبر. لذلك لا يبدو من الحصافة والعقل توقع ان تسمح هذه المجموعة بأي تحول ديمقراطي في ظل تمتعها بهذه القوة.

كنت دعوت في مقالات سابقة إلى نظام سياسي هجين يكون فيه للقوات المسلحة دورا شريكا في النظام الديمقراطي على قرار النظام الهندي بعد الاستقلال وعلى قرار نظام هجين دعا له المفكر الأفريقي علي مزروعي، وكنت حتى وقتها مليء بالثقة في القوات المسلحة وفي بنيانها النظامي الذي يجعلها مكون قومي قادر على المشاركة بمسؤولية في حماية الدستور والنظام الدستوري وصيانة استدامة النظام الديمقراطي، ولكن ما حدث في ٢٥ أكتوبر من انقلاب على النظام الدستوري الذي يشارك فيه المجلس العسكري المتحدث باسم القوات المسلحة جعلني اراجع تلك الدعوة وافقد اي ثقة مستقبلية في إمكانية ان تقوم القوات المسلحة الحالية بدور كهذا.

ان كنا نخشى على الديمقراطية من الاحزاب الشمولية الانقلابية في الماضي فإننا نخشى الان على الديمقراطية من الاجهزة العسكرية والامنية الانقلابية، وان كانت الاحزاب السياسية في نهاية الأمر مكونات مدنية تحتاح لتجنيد ضباط وجنود في السر للقيام بالانقلاب مما يجعل الانقلاب صعبا ومخاطرة، فان سابقة انقلاب قادة القوات المسلحة الرسميين على النظام الدستوري في وضح النهار يمثل سابقة لم تحدث من قبل ويجعل المستقبل مفتوحا لها لممارسة نفس الدور ونفس الوصاية على النظام السياسي السوداني وهو ما يجعل المستقبل المدني الديمقراطي على كف عفريت.

الفعل الوحيد المتاح للمدنيين والمؤمنين بالنظام المدني الديمقراطي لقطع الطريق أمام هذا المجهول هو بمواجهة هذا الانقلاب واسقاطه، وهو الدور الذي تولته الان لجان المقاومة ولا ادري هل هي تعلم أم لا تعلم بأنها تتولى بذلك اكبر واخطر مهمة في تاريخ السودان الحديث.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.