أطراف السودان تتآكل.. وقلبه يتوقف عن النبض

أطراف السودان تتآكل.. وقلبه يتوقف عن النبض
  • 08 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

إسماعيل عبدالله

من مؤسفات الأمور أن بلادنا اليوم في أضعف أحوالها – سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وفي وضع كهذا يتكالب الجار القريب والصديق البعيد عليها للفوز بقطعة لحم من لحم هذا الثور الشاحم، فهذه أرتريا تسعى لعقد مؤتمر يخاطب مشكلة الشرق، دون إكتراث لسيادتنا الوطنية ولا احترام للمواثيق الدولية المانعة للتدخل في شئون الدول، والجنينة تشهد عدوان عسكري من الجارة تشاد وقتل لمواطنين سودانيين داخل بلادهم، وحدّث بلا حرج عن التوغل السافر للجار الشمالي في شأننا الخاص، هذا إضافة لأحداث الفشقة وشبهة ضلوع إثيوبيا في تصفية جند الوطن، والخرطوم عاصمة البلاد كاد قلبها يتوقف عن النبض لما فعله بها المبتدئون في تجربة الإدارة وشئون الحكم، فهذه مركزية الحرية والتغيير تُركن على الرف بعد أن فرّطت في الأمانة، وها هم العسكر الإنقلابيون ومشايعوهم من تحالف (التوافق الوطني)، ينهشون جسد الدولة بالتماطل والتسويف وترك حبل الأمن وحماية التراب على غاربه، والفوضى الدستورية ضاربة باطنابها في مؤسسات الحكم الخاضعة للوزراء المؤيدين والمتوافقين والمتسقين مع الإنقلاب، ومع كل هذا البؤس هناك شباب لا يلين له جانب ممسك بمشعل الثورة، ومقسم على أن لا يدع رياح التآمر والإرتزاق تطفيء جذوة النضال، إنّه حال كحال أهل يوم القيامة الذي تذهل فيه كل مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكن عذاب الحكم العسكري لشديد.
الواقع المأساوي الذي تعيشه بلادي لا مخرج منه ولا مهرب إلّا بتفعيل أدوات النضال، وهذا لن يكون إلّا بتنظيف كيانات المقاومة الشعبية التلقائية، من شوائب فلول الأجهزة لأمنية التابعين لمخططي ومدبري ورعاة الثورة المضادة، فلم يعد الحال يسمح بالفعل السياسي المترف الذي يقوده بعض المطرودين من رحمة شراكة الدم البائسة، التي أوصلت البلاد والعباد إلى هذا المحك التاريخي الخطير، فالمساومة لا تجوز في ظل اندلاع المعارك الأخلاقية الكبرى، والتمسك باللاءات الثلاث في هذا التوقيت الدقيق من عمر الدولة الوطنية المثخنة بالجراح، يعتبر الحبل المتين الذي يهزم دعاة تمكين المشروع القديم من جميع الأطراف، وبمثابة السراط المستقيم المُسقط للرماديين المتشبثين بقطار الثورة، تُقية منهم في الحصول على سلطة من غير شرعية وبدون تغبير للأرجل بأتربة المليونيات المُرعبة، فمع طول إقامة الداء اللعين – (داء الكنكشة) – ببدن الوطن الحبيب، إلّا أن كيمياء الوعي التراكمي للأجيال السابقة والحاضرة وتواصلها المعرفي، كفيل بأن يضع حداً للمهزلة وإن طال السفر والمسير على الطريق المؤدي إلى النصر الكبير، فتفاقم الأزمات الحدودية مؤشر على قرب حدوث الانفجار العظيم، واشتداد الأطراف يصيب القلب بالوهن والضعف وحينها لا شيء ينفع سوى التبديل ثم زراعة القلب الجديد النابض، الذي يضخ الحياة في شرايين أطراف الدولة المنهارة فينهض رجل أفريقيا المريض الذي راهن الحاقدون على موته.
مظاهر الإنهيار الكامل التي تتبدى أمام الرائي، ساهم في إزكاء نارها اكتظاظ البلاد بأجهزة مخابرات الجار القريب والصديق البعيد، فأصبحت وأضحت ثم أمست الخرطوم تحت الرقابة اللصيقة من ذوي المصالح، فحينما تفككت رواندا بالحرب الأهلية كانت لبعثات التبشير الكنسية الغربية عامة والفرنسية خاصة، الدور الرئيس في إكمال مشروع الإبادة الجماعية، وهذا أمر حتمي الحدوث لدولة مثل السودان تتهددها النزعات الجهوية والطائفية والقبلية، فالأجندة الدولية الخبيثة والأهداف الإقليمية غير المشروعة قد وجدت ضالتها في هذه الأرض الحلوب، لتقوم ببذر بذور الهرج والمرج التي معها لا يعرف أهل القتيل من قتل ولدهم ولماذا وكيف قتل، فالعالم مسكون بوحوش وذئاب بشرية تتقاطر الدماء من أنيابها لا تعرف الرحمة، ولا يهمها تحقيق الديمقراطية وازدهار البلدان التي لم ينهض مواطنوها لخدمة انفسهم بأنفسهم، ففي جمهورية رواندا التي أكثرنا من ضرب الأمثلة بها لتشابه حالها الذي كان مأساوياً مع حالنا البائس الآن، بدّل كثير من مواطنيها دينهم وانتقلوا إلى الإسلام، وذلك نسبة للدور النبيل الذي أدته المساجد بإيواء الفارين من جحيم التطهير العرقي، فما أحوج بلادنا لتدشين عمليات كنس لكل ذي أنف مدسوس في شأننا، على أن تشمل عمليات الكنس هذه العملاء والمرتزقة الموالين للمكنوسين، فنار الثورة حتماً سوف تلتهم كل القوارض الغارسة لأنيابها في جسد الوطن الحبيب.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

التعليقات مغلقة.