البروف أحمد محمد الحسن
أعوذ بك من همِّ الرزق

البروف أحمد محمد الحسن <br> أعوذ بك من همِّ الرزق
أحمد محمد الحسن
  • 15 نوفمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. عبد الله علي إبراهيم

(رحل عن دنيانا البروفسير أحمد محمد الحسن عميد كلية الطب جامعة الخرطوم سابقاً. ولا أعرف من أراد الإحسان إلينا في دنيانا من منازل الطب مثله: بحثاً وتدريساً وتدريباً وشفقة على عباد الله المساكين. وهذه كلمة عنه يرأف على نساء يفتتن صخور الجبال لكسب رزقهن حلالاً وبتكلفة تفتت رئاتهن. كان في دنيانا ولكنه انتمى فعلاً إلى ما غادرنا إليه من رضوان ربه. كان قديساً في زمن الأوغاد).
لو كنت في اجتماع صالة التحرير بجريدة الحقيقة قبيل يوم 23 مايو (2014؟) لكان لي رأي آخر في الخبر القائد بالصفحة الأولى ومانشيته. فقد نشرت الصحيفة في صفحتها التاسعة في ذلك اليوم رسالة من البروفسير أحمد محمد الحسن من المركز الحديث لتدريب المهن الصحية. وفيها يعلق على تحقيق للجريدة عن نساء في كسلا رزقهن في تفتيت الصخر يبعنه بالصفيحة لأهل المباني والخرسانات. وكتبت القصة الصحفية العاطفة الأستاذة سمر سليمان عباس مراسلة الجريدة بكسلا. ووصفت المهنة بحق ب”المعايش جبارة”. تشتري فيها النساء كارو الحجارة وارد جبل طارق الحدودي ب 14 جنيه والماء ل”تصبير” الحجر (أي تليينه ربما) بجنيه. وتبيع الواحدة منهن الصفيحة من الفتفات بجنيه. وربما كانت الفائدة من رحل الكارو جميعه نحو خمس جنيهات.
لابد للجريدة من تهنئة نفسها للفتها نظر عالم في مقام بروفسير الحسن إلى قصة شقية على صفحاتها. فالمعروف أنه أكاديمي وطبيب حسن السمت العلمي وضميره المهني يقظ. وحتى حين صار في حكومة التكنوقراط المزعومة، التي شكلها الرئيس نميري بعد قضائه على انقلاب 19 يوليو 1971، ما لبث أن انسحب منها إلى برجه الأكاديمي “العاجي” بجامعة الخرطوم يسهر على تدريب جيل بعد جيل من أطباء السودان. وودت لو أن “الحقيقة”، بمجرد استلامها رسالة بروفسير الحسن تنبهت إلى أنها قد وقعت على قصة لها ما بعدها.
كتب الحسن رسالته عن أرق مهني مستفحل. فقال إنه تأمل صورة النساء “مفتفتات” الصخر “العصيا”. وأزعجه تلطخ أيديهن بالغبار الناعم المنبعث من تكسيره. ورجَّح أن تكون تلك الحجارة من الصخر الرملي. وهنا مربط الفرس. فهذا الصخر حاو لمادة السليكا المعيقة للجهاز التنفسي متى ما استنشقها الإنسان. وحذر من هذه المادة التي تنبعث من كل العمليات الحالية بحثاً عن الذهب والكروم والمايكا. ومع ازدياد هذا النشاط التعديني وجب التوقي منه حفاظاً على حياة العاملين. ووصف بصورة علمية بسيطة “داء السليكا” الذي يصيب الرئة بالتليف. فحبيبات السلكاا تنفذ، متى استنشقها العامل، إلى أعماق الرئة فيبتلعها البلعوم ليفرز مادة تُنَشِط الخلايا الليفية، فتتناسج حول الرئة فتمنع عنها الدم. وجاء الحسن بأعراض المرض ووصف الوقاية غير المكلفة منه متى اعتنينا بمن يتعرضون له في طلبهم الرزق الحلال. وحذر ألا نستكين للكمامات الطبية كوقاية فهي بلا نفع من هذه الجهة.
لو كنت في اجتماع صالة “الحقيقة” يوم رسالة الحسن لانتهزت سانحتها للسير قدماً بالقصة الصحفية عن هذا الرزق الصعب الخطر. وكنت طلبت من سمر أن تبقى مع القصة (to stay on the story). ولطلبت منها أن تتحرى بصورة أدق ما جاء فيها من أن النساء الشقيات مفتتات الحجر هن في الأصل “تائبات” عن صناعة الخمور بعد “اعتناقهن” الإسلام.
أهذا الإشفاق في الرزق هو نصيب المؤلفة قلوبهم يا حملة مشاعل الشريعة أو كرباجها؟
وكنت بعثت بمحررين آخرين لاستكشاف أوضاع كاسري الصخور الأخرى بحثاً عن الذهب والمايكا مما ذكره الحسن. وكنت عرجت على الصحة المهنية (التي أفردت لها الحقيقة تحقيقاً منفصلاً) لمعرفة حقائق تليف الكبد بين عمال المهن الموصوفة والتزامها بما طلبه الحسن من وقاية.
ومتى استكملت عُدة هذه القصة الصحفية نشرتها في الصفحة الأولى بمانشيت يكون ضمير البروفسير المهني اليقظ في مركز الدائرة منه. ولأن ذلك لم يحدث عادت الحقيقة . . . لقديمها. نظرت في صفحتها الأولى ووجدت المانشيت الصحفي المعتاد: “فيما حذر من خلافات جديدة بين الشريكين. إدورد لينو: ترسيم الحدود لن يتم بالتي هي أحسن”. شوف ناسك!

IbrahimA@missouri.edu

التعليقات مغلقة.