ما دمعت عيون ولا وجفت قلوب، حتى عيون الاشقياء وقلوبهم، لبيت شعر سوداني واحد، في كل تاريخ النظم السوداني، قديمه وحديثه ومعاصره، كل الذي كتب في الحب وفي الثورة ، والذي سارت به القوافل في النخوة والرثاء، والذي احتقبته قبائل المغادرين والعائدين، ما هز وتر الشجى وعصب الوجدان بيت واحد مثلما فعل قول الفيتوري (أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا)، فكاني بك وقد تلبست درع الموت، وقمت الى عصاك وسيفك، حتى تصد عنه الشر والبغي، دون ان تطرف لك عين، أو يغدر بك بريق الخنا. لم يحظ السودان في كل هدايا الفن والادب الذي قدمه حبا في عيونه ابناءه من ابرار الشعراء، بهدية من الشعر، طار بها تيها ودلالا، منقوشة كالقبلة على جبينه السامق المغضن، مثل قصيدة (اصبح الصبح)، قبلة من النظم البديع البسيط السهل المتحدر من شغاف القلب، والحب الذي لايات الباطل من بين يديه.
من بين كل قصائده الباذخة، وكل اداب اهل السودان، انتقى السودانيون دون تردد، تميمة واحدة، حملوها في اعماقهم، هي تميمة الصبح، جيلا اثر جيل، تقية ورقية ونبراساً وموئلاً، حتى اضحت نشيداً قومياً، يتداعى الي الالسنة حاملا انسام الحرية الرطبة المعافاة، يفتح مصاريع الامل، ويمنح الجباه الشم علياءها والقلوب نبوءة التغيير القادم، يحيل زقوم الصبر، الى نزهة في حدائق بابل، ويعمد ارواح الشهداء في مياه نيلنا الخالد. يجئ نشيدك يا فيتوري، كوابل من القطر الحنين، في حرة التيه، برقاً يضئ الدروب حين تدلهم الخطوب، فكانما نظمك ينبت نبتا من عمق طين السودان، وكانما قد سقته قطرات مزن السودان، وكانما انضجته السنة لهب شموس السودان، فكانما نظمك مقتطع من كبد السودان، وكانما الناس في بلادي ، قد هبو من نومتهم معاً، والفجر جناحان يرفان عليك، يتقدمهم شهداءهم، وكانما الهموا الصيحة بصوت واحد:
اصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق.
لا يكاد يتملكك الاسى والقنوط، بله تكاد تضيع وتفقد سودانيتك، حتى تشدك القصيدة من الياقة، ثم انها تاخذك الى النهر تعمدك، تغسل ادران روحك، وتشد وثاقك لوثاقه، وتعيدك سودانيا وسودانيا وسودانيا، حتى تفيض سودانيتك، فتغمر الارض والافلاك والسديم، وتعلم علم الحق، أنك حامل إهاب الرجال والنساء السمر، الكادحون الطيبون والمناضلون، الكرام شم الانوف، العزوة الصفوة، اهل بليل البشر، وأهل الإيناس إذا ما رق الحال.
لك الرحمة.
تاج السر الملك