في كل يوم يمر على السودان وهو يقاسي مرارات الحرب تتقافز الأسئلة حول إمكانية توقف الصراع الدامي بين طرفيها ومع وجود جسم كتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” في المشهد السياسي الآن يسعى من أجل تحقيق هذه الغاية ألا وهي وقف الحرب كان لابد من تسليط الضوء على هذه المساعي لـ “تقدم” وهل بإمكانها حقا تحقيق السلام وإيقاف الحرب؟.
وللإجابة على السؤال أعلاه واصلت (التحرير) استطلاعها رقم(٢) للمهتمين بالشأن السوداني حول هل ستتمكَّن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” برئاسة د.عبدالله حمدوك من إيقاف الحرب، وإكمال العملية السياسية، وإعادة الدولة المدنية؟ ، وقدد أتت الإجابات متباينة من مجموعة من القيادات السياسية، والكتاب، والأكاديميين، والمحللين السياسيين، والصحافيين.
ويقول الأستاذ محجوب عروة كاتب وباحث وصحفي في حديثه لـ(التحرير) يمكن في حالة أن تتخلص من حالة كونها تحتكر التحدث باسم ثورة ديسمبر المجيدة وتريد فرض الاتفاق الإطارى مع قحت ثم تقبل بحل وسط يشمل كل القوى السياسية وأن تقبل بحل الدعم السريع وتعدد الجيوش..كما تفعل ما فعله السيد الصادق المهدى بكل وطنية وشجاعة عندما ذهب لبورتسودان عام ١٩٧٧ وقابل النميري للمصلحة الوطنية رغم أنه كان محكوم عليه بالإعدام فأنقذ البلاد من استمرار الصراع الدامي..لقد افتقدنا الإمام الصادق في أحلك الظروف وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
ومن جهته يقول د. حسين عمر عثمان اكاديمي وكاتب في إفادته لـ (التحرير) للإجابة على هذا السؤال لابد معرفة من هم الفاعلين والمؤثرين فيما يجري بالسودان بالتأكيد هما الطرفان العسكريان القوات المسلحة وقوات الدعم السريع اللذان يحاولان ترجيح موازين القوى العسكرية لصالح أحد الأطراف لحسم الصراع وإيقاف الحرب الأمر الذي أطال أمد الأزمة، أما الأطراف خارج الصراع والذين يمكن أن يكون لهم دور من القوى السياسية السودانية هنالك عدة أطراف ولكن الأكثر تنظيما وظهورا في الساحة السياسية المحلية والدولية هي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” برئاسة د.عبدالله حمدوك والسؤال هل هي قادرة على المساعدة في إيقاف الحرب، وإكمال العملية السياسية، وإعادة الدولة المدنية؟
نرى أن تقدم بشكلها الحالي لن توفق وغير قادرة على ذلك لعدة أسباب منها إقصاها لمكونات أخرى، ومتهمة من البعض بعدم الحياد ومناصرة للدعم السريع، بجانب غياب الخبرة وعمق المشكلة لبعض قيادتها خاصة فيما يجري بدار فور، الأمر الذي يحتاج منها إلى توسيع المشاركة والشفافة والوقوف مسافة واحدة من أطراف النزاع وتغيير منهجها في التعامل مع الأزمة وتوحيد إرادة الشعب السوداني نحو السلام والاستقرار، أيضا الأزمة تحتاج لمساعدة المجتمع الدولي والإقليمي من الراغبين في اسقرار السودان.
وكانت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ” تقدم ” قد حذرت في بداية أبريل ٢٢٠٢٤ من تفتت كيان الدولة السودانية وانقسامها وتلاشيها كليا في حال استمرت الحرب في البلاد، وأعلنت عن طرح رؤية لإنهاء هذه الحرب.
جاء ذلك في بيان ختامي صدر عن التنسيقية التي يقودها رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، إثر اجتماعات لهيئتها القيادية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ومن جهته يقول محمد عثمان داؤود الخبير الإداري في حديثه لـ(التحرير) استبعد ذلك لتشدد الطرفان المتحاربان من منظور تصفية الثأرات، لن تتوقف الحرب إلابتدخل عسكري دولي.
أما محمد المكي أحمد الكاتب الصحافي والمحلل السياسي المقيم في لندن فيشير في إفادته لـ (التحرير) إلى أنه ليس في مقدور “تقدم” إيقاف الحرب لأسباب عدة ، لكن في مقدور هذا التحالف الذي يستمد أهميته من تركيبته المدنية أن يساهم في إعلاء صوت المطالبة بإيقاف الحرب والسعي للعب دور فاعل في تشكيل رأي عام سوداني ضاغط على أطراف القتال لإسكات آلة التدمير والخراب، بالإضافة إلى التواصل مع دول الإقليم والمجتمع الدولي لتحريك الملف السوداني نحو السلام بعدما طواه النسيان لفترة طويلة بسبب وجود أولويات أخرى للدول الكبرى.
لكن رغم اختلاف سلم أولويات دول الإقليم والعالم فلديها مصلحة في استقرار السودان كي لا يتحول إلى بؤرة لتصدير العنف والإرهاب.
أرى أن منبر جدة يشكل فرصة مهمة لن تتكرر وإذا أضاعها قادة الجيش و( الدعم السريع) فالاحتمال الأكبر أن يواجهوا عزلة إقليمية و دولية وملاحقات بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
دور “تقدم” أراه محدودا كما أشرت وفي إطار محدد ، وأعتقد بأن مشكلة تحالف “تقدم” أنه لا يمثل كل القوى المناهضة للحرب أو كل القوى السياسية المنحازة للخيار الديمقراطي، وهناك من لا يثق في “تقدم” كما كان الموقف نفسه في الفترة الانتقالية.
أرى أن من أكبر التحديات أمام “تقدم” أن أوساطا سودانية مؤيدة وداعمة للخيار الديمقراطي ترى أن تجربة الذين شاركوا في الحكم في الفترة الانتقالية لم يقدموا المثال الذي يرتقي إلى مستوى ثورة الشعب وارتكبوا أخطاء كبيرة وقاتلة أدت إلى تنمر العسكر وسيطرتهم على مقاليد الأمور خلال الفترة الانتقالية وصولا إلى انقلاب عسكري ثم الحرب، وكان من أكبر أخطاء المشاركين في حكومة الفترة الانتقالية أنهم ابتعدوا عن الشباب من الجنسين، وهم الذين صنعوا إنجاز الثورة الباهر، كما أهمل بعض قادة الأحزاب إصلاح كياناتهم وإضفاء البعد المؤسسي عليها، ما جعلهم بالأمس بعيدين عن مؤيديهم وهم أبعد اليوم.
هذا كله معناه أن عددا من قادة “تقدم ” في مسيس الحاجة إلى محاولة إقناع واستقطاب دعم قوى وشخصيات مؤثرة ابتعدت عن هذا التحالف لأسباب عدة رغم أنها ضد الحرب ومع الخيار الديمقراطي والسلام والعدالة كي يكون تحالف”تقدم” مسنودا بإرادة جماهيرية قوية إذا أراد النجاح ،
هذا يعني أيضا باختصار أن حقائق الوضع الراهن لا تؤشر إلى أن في مقدور حلفاء الأمس واليوم في “تقدم” إكمال العملية السياسية إذا لم يصلحوا أوضاعهم ويقتربوا من نبض الناس، وكما قلت يمكنهم أن يلعبوا دورا داعما للسلام بالخطاب السياسي الواضح البعيد عن المجاملات والغموض والدعوة داخليا وخارجيا لوقف الحرب والتواصل مع دول الإقليم والعالم، فمرحلة ما بعد الحرب ستفرض حقائق جديدة ورموزا جديدة على الخريطة السياسية، ومن الأفضل أن ينصرف بعض قادة الأحزاب إلى إصلاح أحزابهم، ففي غياب أحزاب عصرية تعتمد المؤسسية ومنظمات مجتمع مدني قوية وفاعلة لا يمكن بناء دولة مدنية بمقاييس العصر.
وبالنسبة لـ عثمان ميرغني الكاتب والمحلل السياسي فقد أكد في حديثه لـ(التحرير) على الانفتاح في الحوار مع بقية القوى السياسية بما فيها النظام القديم، و تأسيس منصة مدنية واحدة متحدة في الأهداف.
أما يحى الحسين رئيس حزب البعث السوداني فقد قال في إفادته لـ(التحرير) الإجابة القاطعة هي لا. التنسيق في جوهره بين لافتات أو قوى هلامية. عَلِى أرض الواقع لاتملك سندا شعبيا يؤهلها لا لإيقاف الحرب ولأ للاستمرار في العملية السياسية. حمدوك والآخرين بلا استثناء هم مجرد دمي في أيدي المجتمعين الدولي والإقليمي الإمارات إسرائيل والترويكا. وتحالفهم مع الدعم السريع أحرق مراكب عودتهم إلى ساحة الصراع مع الآخرين من أجل إكمال العملية السياسية لأجل التوافق عَلِى برنامج تاسيس الدولة المدنية.
ومن جهته يقول د. عبد الرحمن الغالي الكاتب والمفكر والقيادي بحزب الأمة القومي، في حديثه لـ(التحرير) أعتقد أن للتنسيقية دوراً من حيث أنها تحالف سياسي ومدني سوداني مثلها ومثل بقية المكونات السياسية والمدنية والأهلية. أي أنها ستكون إحدى المكونات في الحوار السوداني السوداني.
ولكن بالطبع لن تكون هي المبادرة بعملية هذا الحوار ولا الدعوة له ولا الهيمنة عليه. فقد فقدت موقعها كجسم محايد أو مقبول أو جسم قائد وتراجعت لتكون أحد المكونات.
ولذلك اتجه المجتمع الدولي والإقليمي للتعامل معها كمكوّن واحد مع المكونات.
تعاطي تقدم مع حلفائها السابقين ومحاولة الانفراد بالصوت المدني وموقفها المنحاز في الحرب ثم كارثة توقيعها على إعلان أديس أبابا مع الدعم السريع أفقدها تماما أية فرصة للمبادرة وأصبح غاية ما يمكن أن تقوم به أن تكون جزءً من العملية. هذا فضلا عن الغضب الشعبي عليها.
نصحناهم من رحلتهم لكمبالا ألا يسيروا في هذا الطريق فلم يستبينوا النصح.