هل يمكن للإعلام السوداني أن يعيد تشكيل الوعي الوطني حول الحرب؟

هل يمكن للإعلام السوداني أن يعيد تشكيل الوعي الوطني حول الحرب؟
  • 14 يوليو 2025
  • لا توجد تعليقات

بقلم: د. جوليا فؤاد السيد هارون

في خضم أزمة ممتدة ومؤلمة تعيشها السودان منذ اندلاع النزاع المسلح، تبرز الحاجة إلى أدوات فكرية وإنسانية توازي أثر السلاح على الأرض. واحدة من أبرز هذه الأدوات هي الإعلام، ذلك الفضاء الذي يمكنه أن يُعمق الانقسام… أو يسهم في لمّ الشمل.

وسط مشهد تتداخل فيه الحقيقة مع الرأي، وتغيب فيه أحيانًا المسافة الفاصلة بين الخبر والتحليل، تظهر تساؤلات ملحّة:
هل يمكن للإعلام السوداني اليوم أن يُعيد تشكيل وعي الناس تجاه الحرب؟ هل يمكنه أن يحررهم من خطاب الكراهية والانقسام، ويقودهم نحو فهم أعمق، وطني وإنساني، لطبيعة ما يجري؟

الحرب لا تُدار فقط في الميدان… بل في الوعي أيضًا

لم تعد الحرب في زماننا تقتصر على البندقية والمدفع، بل باتت تُخاض أيضًا بالكلمة، بالصورة، وبالرواية. والإعلام يلعب هنا دورًا بالغ الحساسية: فهو إما أن يسهم في تضليل الرأي العام، أو في إنارته.

في الحالة السودانية، تعاني البيئة الإعلامية من ضغوط عدة، حيث تتداخل الروايات وتتنازع الحقائق، وكل طرف يسعى لفرض سرديته الخاصة، مما يجعل المشهد الإعلامي معقدًا ومشحونًا.

لكن هذا لا يعني أن الإعلام فقد قيمته بالكامل، بل على العكس، ما زالت لديه فرصة مهمة ليلعب دورًا محوريًا في بناء وعي جماعي متماسك، بشرط أن يتحرر من الاستقطاب، ويستند إلى المهنية، ويتحمل مسؤوليته الوطنية.

تحديات واقعية تواجه الإعلام السوداني

يواجه الإعلام السوداني – بمختلف أطيافه، الرسمي والمستقل والرقمي – جملة من التحديات تعيق أداءه في ظل الحرب، ومنها:

الاستقطاب السياسي والإعلامي: حيث تميل بعض الوسائل إلى تبنّي مواقف الأطراف المتنازعة، مما يؤدي إلى فقدان الحياد.

ضعف الإمكانيات والبنية التحتية: الحرب أثّرت على استمرارية العديد من المؤسسات الإعلامية، وتسببت في توقف أو تهجير عدد من الصحفيين.

غياب التدريب المهني الكافي: الكثير من الإعلاميين يفتقرون لأدوات التغطية في أوقات النزاع، ما يُنتج أحيانًا محتوى غير دقيق أو غير متوازن.

تأثير الشائعات ومنصات التواصل: الإعلام الرقمي أصبح ساحة لنشر روايات غير موثقة في أحيان كثيرة، مما يعمّق البلبلة ويفاقم الأزمة.

رغم ذلك، لا يمكن تجاهل محاولات بعض المؤسسات الرسمية والإعلاميين المستقلين للحفاظ على الموضوعية، وتقديم محتوى يضع مصلحة السودان وسلامة المدنيين فوق أي اعتبارات أخرى.

كيف يمكن للإعلام أن يسهم في التغيير؟

إذا أراد الإعلام السوداني أن يكون جزءًا من الحل لا من التعقيد، عليه أن يتحرك في الاتجاهات التالية:

تبني خطاب جامع لا إقصائي، يركز على القيم الوطنية المشتركة، ويتجنب إثارة الكراهية أو التقسيم.

إبراز معاناة المدنيين والآثار الإنسانية للحرب، بشكل متوازن لا يستغل الألم، بل يحثّ على إنهاء الصراع.

التحقق من المعلومات قبل النشر، خاصة في الفضاء الرقمي الذي تنتشر فيه الشائعات بسهولة.

تعزيز مهارات الصحفيين في تغطية النزاعات، من خلال دعم تدريبي ومهني.

الإعلام، حين يلتزم بالمعايير، يمكن أن يكون جسرًا للتفاهم، بدلًا من أن يكون أداة لتأجيج الخلافات.

الإعلام الرقمي: ساحة تأثير مزدوجة

منصات التواصل الاجتماعي أضافت بُعدًا جديدًا للمشهد الإعلامي. من جهة، فتحت المجال أمام المواطن ليكون شاهدًا وناقلًا لما يحدث، ومن جهة أخرى، تحولت إلى مصدر للشائعات والمعلومات غير الدقيقة.

وهنا تظهر الحاجة إلى تنمية الوعي الإعلامي لدى الجمهور نفسه، لأن المواطن لم يعد متلقيًا فقط، بل بات صانعًا ومشاركًا في المحتوى. وهذا ما يستدعي جهودًا تشاركية من الدولة، والمجتمع المدني، والإعلاميين أنفسهم.

في الختام:
الإعلام مسؤولية وطنية تتجاوز الاصطفاف

إن الإعلام في السودان، بمختلف اتجاهاته، أمام لحظة فارقة. إما أن يكون عامل استقرار، أو طرفًا في الأزمة. ولكي يؤدي دوره كما ينبغي، لا بد أن ينظر إلى نفسه باعتباره مسؤولية وطنية وأخلاقية، لا مجرد وسيلة للتأثير أو التجييش.

ليست الحرب مناسبة لتسجيل النقاط أو تلميع الصور. بل هي اختبار حقيقي لضمير الإعلام، ولقدرته على الارتقاء فوق الانقسام والانحياز، نحو هدف واحد: الحفاظ على نسيج الوطن، والدفع نحو وقف الحرب، وبناء السلام المستدام.

فهل ينجح الإعلام السوداني في أداء هذا الدور؟
الجواب مرهون بما يُنشر غدًا… لا بما قيل بالأمس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*