في خضم الحرب اللعينة التي عصفت ببلادنا، وشردت أهلها، وهدمت بنيانها؛ وكسرت نفوس أهلها، شاءت الأقدار أن يأتي من بين ركام الألم من يحمل شعلة الأمل والعدل في آن معا. وفي لحظة كان الوطن بأمس الحاجة إلى رجال دولة حقيقيين، تم تعيين سعادة نائب رئيس القضاء، قاضي المحكمة العليا، مولانا منير محمد الحسن بابكر، الذي جسد فعلًا لا قولًا، أنه الرجل المناسب في المكان المناسب.
ما أن تقلد مولانا منير هذا المنصب الحساس في ظرف استثنائي، حتى شرع في أداء مهامه بعزيمة لا تلين، وبنشاط قل نظيره، متنقلًا ما بين المدن والولايات، قاطعًا مئات الكيلومترات، لا يرهقه سفر، ولا تفت في عضده مشقة، متسلحًا بالإيمان برسالة القضاء، والعزم على إعادة ترتيب البيت العدلي بما يليق بعراقة السودان وتطلعات أهله
من عروس البحر، ولاية البحر الأحمر، بدأت رحلته تشق المدى، محملة بعبق الموج وحنين الرمال، حيث تهمس الرياح بأغنيات البداية، وتخط الأقدام أول سطور الحكاية، ثم إلى نسايم عطبرة الحلوة تهدّينا وترسينا، حاضرة ولاية نهر النيل، بلد الحديد والنار، حتى وصل إلى جمال النيل والخرطوم بالليل، ولاية الخرطوم، مارًّا بأمدرمان وبحري. كل محطة من هذه المحطات حملت في طياتها عملًا وبصمة مميزة وإنجازًا، لا زيارات بروتوكولية فارغة، بل خطوات مدروسة لإصلاح ما أفسدته الحرب، وتطبيب جراح العدالة.
ففي البحر الأحمر، ترأس مولانا اجتماع اللجنة العدلية بالولاية، مؤكدًا حرصه على تفعيل دور المؤسسات القضائية المحلية في الظروف الطارئة. وفي أمدرمان، زار المحكمة العامة ومجمع المحاكم وتسجيلات الأراضي، متفقدًا سير العمل، داعيًا إلى مضاعفة الجهد من أجل تسهيل إجراءات التقاضي.
وفي خطوة نوعية، افتتح مقر توثيقات الأوراق الثبوتية الاتحادية والولائية بكل من كرري وبحري، إضافة إلى مجمع التوثيقات الاتحادية بمدينة الدامر بلد (القرآن والخلاوي)، الذي يضم نافذة متكاملة للتوثيق ودائرة إبرام العقود، ما يعكس بعدًا تنظيميًّا وإداريًّا متقدمًا رغم التحديات.
ولأن زياراته ليست مجرد إشراف روتيني، بل لقاء مباشر مع نبض الواقع، أكد خلال إحدى جولاته التفقدية للمحاكم في أمدرمان على أن السلطة القضائية ماضية في إعادة ترتيب المحاكم، وتذليل العقبات أمام المواطن السوداني، في سبيل بسط العدل وسيادة القانون.
بل إن مولانا منير، وبلسان المسؤول الحريص، صرح قائلًا: “تنتظرنا تحديات كبيرة، لتأمين حقوق المواطنين، واستعادة السجلات والمنهوبات، وملاحقة الفارين من العدالة” وهذه ليست كلمات عابرة، بل تلخيص لرؤية شاملة تنظر للمستقبل بعين ثاقبة وضمير حي ويد من حديد تضرب كل من تطاول على القانون.
إن أمثال مولانا منير محمد الحسن بابكر، ترفع لهم القبعات احترامًا وتقديرًا؛ فهو لا يمثل القضاء فحسب، بل يمثل شرف المهنة، وأمانة الرسالة، وصدق الانتماء للوطن الجريح. ورغم صعوبة المشوار ورغم ضراوة التيار ورغم أوجاع المرحلة والتحديات، فإن هذا الرجل يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى أن يعيد للناس إيمانهم بالقضاء، ويقول لهم بأفعاله لا بكلماته : “العدل قادم، والقضاء قادم، والحق لا يضيع”.
مولانا منير، رجل اجتماعي محبوب في كل الأوساط، تتجلى فيه صفات القاضي العادل: وجه بشوش، وأخلاق عالية، وحكمة نادرة، وذكاء فطري، وابتسامة تزرع الطمأنينة في نفوس الناس، وتعيد إليهم الثقة في أن الخير ما زال موجودًا، رغم ظلام الحرب وطول الطريق والانتظار.
فبأمثاله من أبناء السودان الشرفاء، ستنتصر الإرادة، وتُرفع راية القانون، ويجبر كسر الوطن الجريح، وينجلي الظلم، وتعود للعدالة هيبتها وللوطن كرامته.
ختامًا: القضاء السوداني عماد الدولة وضمير الأمة، ليس من المبالغة القول إنه الصمام الأول للأمن والاستقرار، وهو الحصن الأخير الذي يلجأ إليه المواطن حين تضيق به السبل، وتهتز الثقة في كل شيء، ولطالما عرف هذا الجهاز العريق بنزاهته، واستقلاليته، ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع.
في هذا الظرف الاستثنائي، يتجلى دور القضاء أكثر من أي وقت مضى، في حفظ الحقوق، ورد المظالم، وتأمين العدالة التي هي حجر الأساس لأي نهضة أو سلام دائم؛ ولولا رجال أوفياء، مثل مولانا منير محمد الحسن، ما كان لهذا الجدار أن يصمد أمام عواصف الحرب المدمرة.
فليعلم الجميع أنه ما دام في القضاء رجال بهذه الهمة والنزاهة، فإن السودان لن يكسر، وسيعود أكثر عدلًا، وأقوى بناءً؛ وأكثر إشراقاً بإذن الله.